Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 115-115)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قال اللهُ إِني منزِّلها عليكم } قرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر « منزِّلها » بالتشديد ، وقرأ الباقون خفيفة . وهذا وعدٌ بإجابة سؤال عيسى . واختلف العلماء : هل نزلت ، أم لا ؟ على قولين . أحدهما : أنها نزلت ، قاله الجمهور ، فروى وهب بن منبِّه عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي قال : لما رأى عيسى أنهم قد جدّوا في طلبها لبس جُبَّة من شعر ، ثم توضأ ، واغتسل ، وصفَّ قدميه في محرابه حتى استويا ، وألصق الكعب بالكعب ، وحاذى الأصابع بالأصابع ، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره ، وطأطأ رأسه خضوعاً ، ثم أرسل عينيه بالبكاء ، فما زالت تسيل دموعه على خده ، وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض من دموعه حيال وجهه ، ثم رفع رأسه إِلى السماء ، فقال : اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء فبينما عيسى كذلك ، هَبَطَتْ علينا مائدةٌ من السماء ، سفرة حمراء بين غمامتين ، غمامة من تحتها ، وغمامة من فوقها ، وعيسى يبكي ويتضرَّع ، ويقول : إِلهي اجعلها سلامةً ، لا تجعلها عذاباً ، حتى استقرَّت بين يديه ، والحواريون من حوله ، فأقبل هو وأصحابه حتى قعدوا حولها ، وإِذا عليها منديلٌ مغطَّى ، فقال عيسى : أيكم أوثق بنفسه وأقل بلاءً عند ربه فليأخذ هذا المنديل ، وليكشف لنا عن هذه الآية . قالوا : يا روح الله أنت أولانا بذلك ، فاكشف عنها ، فاستأنف وضوءاً جديداً ، وصلى ركعتين ، وسأل ربه أن يأذن له بالكشف عنها ، ثم قعد إِليها ، وتناول المنديل ، فإذا عليها سمكة مشوية ، ليس فيها شوك ، وحولها من كل البقل ما خلا الكرَّاث ، وعند رأسها الخل ، وعند ذنبها الملح ، وحولها خمسة أرغفةٍ ، على رغيف تمر ، وعلى رغيف زيتون ، وعلى رغيف خمس رمانات ، فقال شمعون رأس الحواريين : يا روح الله أمِن طعام الدنيا هذا ، أمِّن طعام الجنة ؟ فقال عيسى : سبحان الله أما تنتهون ! ما أخوفني عليكم . قال شمعون : لا وإِله بني إِسرائيل ما أردت بهذا سوءاً . قال عيسى : ليس ما ترون عليها من طعام الدنيا ، ولا من طعام الجنة ، إِنما هو شيءٌ ابتدعه الله ، فقال له : « كن » فكان أسرع من طرفة عين ، فقال الحواريون : يا روح الله إِنما نريد أن ترينا في هذه الآية آية ، فقال : سبحان الله ! ما اكتفيتم بهذه الآية ؟ ! ثم أقبل على السمكة فقال : عودي بإذن الله حيةً طريةً ، فعادت تضطرب على المائدة ، ثم قال : عودي كما كنت ، فعادت مشوية ، فقال : يا روح الله كن أنت أول من يأكل منها ، فقال : معاذ الله بل يأكل منها مَن سألها ، فلما رأوا امتناعه ، خافوا أن يكون نزولها عقوبة ، فلما رأى عيسى ذلك دعا لها الفقراء والزَّمنى واليتامى ، فقال : كلوا من رزق ربكم ، ودعوة نبيكم ، ليكون مهنؤها لكم ، وعقوبتها على غيركم ، فأكل منها ألف وسبعمائة إِنسان ، يصدرون عنها شباعاً وهي كهيئتها حين نزلت ، فصحَّ كل مريض ، واستغنى كل فقير أكل منها ، ثم نزلت بعد ذلك عليهم ، فازدحموا عليها ، فجعلها عيسى نوباً بينهم ، فكانت تنزل عليهم أربعين يوماً ، تنزل يوماً وتغبُّ يوماً ، وكانت تنزل عند ارتفاع الضحى ، فيأكلون منها حتى إِذا قالوا ، ارتفعت إِلى السماء وهم ينظرون إِلى ظلها في الأرض . وقال قتادة : كانت تنزل عليهم بكرةً وعشية ، حيث كانوا . وقال غيره : نزلت يوم الأحد مرتين . وقيل : نزلت غدوة وعشية يوم الأحد ، فلذلك جعلوه عيداً . وفي الذي كان على المائدة ثمانية أقوال . أحدها : أنه خبز ولحم ، روي عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً " . والثاني : أنها سمكة مشوية ، وخمس أرغفة ، وتمر ، وزيتون ، ورمان . وقد ذكرناه عن سلمان . والثالث : ثمرٌ من ثمار الجنة ، قاله عمار بن ياسر ، وقال قتادة : ثمرٌ من ثمار الجنة ، وطعامٌ من طعامها . والرابع : خبزٌ ، وسمكٌ ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وأبو عبد الرحمن السلمي . والخامس : قطعةٌ من ثريد ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والسادس : أنه أنزل عليها كل شيء إِلا اللحم ، قاله سعيد بن جبير . والسابع : سمكةٌ فيها طعم كلِّ شيءٍ من الطعام ، قاله عطية العوفي . والثامن : خبز أرز وبقل ، قاله ابن السائِب . والقول الثاني : أنها لم تنزل ، روى قتادة عن الحسن أن المائِدة لم تنزل ، لأنه لما قال الله تعالى : { فمن يكفر بعدُ منكم فاني أٌعذبه عذاباً لا أُعذبه أحداً من العالمين } قالوا : لا حاجة لنا فيها . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : أُنزلت مائدة عليها ألوانٌ من الطعام ، فعرضها عليهم ، وأخبرهم أنه العذاب إِن كفروا ، فأبوها فلم تنزل . وروى ليث عن مجاهد قال : هذا مثلٌ ضربه الله تعالى لخلقه ، لينهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه ، ولم ينزل عليهم شيء ، والأول أصح . قوله تعالى : { فمن يكفر بعد منكم } أي : بعد إِنزال المائدة . وفي العذاب المذكور قولان . أحدهما : أنه المسخ . والثاني : جنسٌ من العذاب لم يعذَّب به أحد سواهم . قال الزجاج : ويجوز أن يعجل لهم في الدنيا ، ويجوز أن يكون في الآخرة . وفي « العالمين » قولان . أحدهما : أنه عام . والثاني : عالمو زمانهم . وقد ذكر المفسرون أن جماعة من أصحاب المائدة مسخوا . وفي سبب مسخهم ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم أمروا أن لا يخونوا ، ولا يدَّخِروا ، فخانوا وادخروا ، فمسخوا قردةً وخنازير ، رواه عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : أن عيسى خصَّ بالمائدة الفقراء ، فتكلم الأغنياء بالقبيح من القول ، وشكَّكوا الناس فيها ، وارتابوا ، فلما أمسى المرتابون بها ، وأخذوا مضاجعهم ، مسخهم الله خنازير ، قاله سلمان الفارسي . والثالث : أن الذين شاهدوا المائدة ، ورجعوا إِلى قومهم ، فأخبروهم ، فضحك بهم من لم يشهد ، وقالوا : إِنما سحر أعينكم ، وأخذ بقلوبكم ، فمن أراد الله به خيراً ، ثبت على بصيرته ، ومن أراد به فتنة ، رجع إِلى كفره . فلعنهم عيسى ، فأصبحوا خنازير ، فمكثوا ثلاثة أيام ، ثم هلكوا ، قاله ابن عباس .