Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 16-22)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ولقد خَلَقْنا الإنسان } يعني ابن آدم { ونَعلمُ ما تُوسوِسُ به نَفْسُه } أي : ما تحدِّثه به نفسه . وقال الزجاج : نعلم ما يُكِنُّه في نَفْسه . قوله تعالى : { ونحن أقربُ إليه } أي : بالعِلْم { من حَبْلِ الوريد } الحَبْل هو الوريد ، وإنما أضافه إلى نفسه لِما شرحناه آنفاً في قوله : { وحَبَّ الحَصيدِ } [ ق : 9 ] قال الفراء : والوريد : عِرْقٌ بين الحُلْقوم والعِلْباوَيْن . وعنه أيضاً قال : عرق بين اللَّبَّة والعِلْباوَيْن . وقال الزجاج : الوريد : عِرْق في باطن العُنُق ، [ وهما وريدان ] ، والعِلْباوَان : العَصَبتان الصَّفراوان في مَتْن العُنُق ، واللـَّبَّتان : مَجرى القُرط في العُنُق . وقال ابن الأنباري : اللـَّبَّـة حيث يتذبذب القُرْط مِمّا يَقْرُبُ من شحمة الأُذن . وحكى بعض العلماء أن الوريد : عِرْقٌ متفرِّق في البدن مُخالِط لجميع الأعضاء . فلمّا كانت أبعاض الإِنسان يحجب بعضُها بعضاً ، أَعْلَمَ أن عِلْمه لا يحجُبه شيءٌ . والمعنى : ونحن أقربُ إليه حين يَتلقَّى المتُلقِّيان ، وهما الملَكان الموكَّلان بابن آدم يتلقيَّانِ عَمَلَه وقوله : { إذا يَتلقَّى المُتلقِّيان } أي : يأخُذان ذلك ويُثْبِتانه { عن اليمين } كاتب الحسنات { وعن الشِّمال } كاتب السَّيِّئات . قال الزجاج : والمعنى : عن اليمين قَعيد ، وعن الشِّمال قَعيد ، فدلَّ أحدُهما على الآخر ، فحذف المدلولُ عليه ، قال الشاعر : @ نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأنْتَ بِمَا عِنْـ دَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ @@ وقال آخر : @ رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوالِدِي بَريئاً ومِنْ أَجْلِ الطَّوِىِّ رَمَانِي @@ المعنى : كنتُ منه بريئاً . وقال ابن قتيبة : القَعيد بمعنى قاعد ، كما يقال : « قدير » بمعنى « قادر » ، ويكون القعيد بمعنى مُقاعِد ، كالأكيل والشَّريب بمنزلة : المُؤاكِل والمُشارِب . قوله تعالى : { ما يَلْفِظُ } يعني الانسان ، أي : ما يتكلَّم من كلام فيَلْفِظُه ، أي : يَرميه من فمه ، { إلاّ لَدَيْه رقيبٌ } أي : حافظ ، وهو الملَك الموكَّل به ، إِمّا صاحب اليمين ، وإِمّا صاحب الشمال { عَتيدٌ } قال الزجاج : العَتيد : الثّابِت اللاّزم . وقال غيره : العَتيد : الحاضر معه أينما كان . وروى أبو أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كاتِبُ الحَسَنات على يمين الرجلُ ، وكاتب السَّيِّئات على يساره ، فكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات ، فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين عشراً ، وإذا عمل سيئة ، وأراد صاحب الشمال أن يكتبها ، قال صاحب اليمين : أَمْسِكْ ، فيُمْسِك عنه سَبْعَ ساعات ، فإن استغفر منها لم يُكتَب عليه شيءٌ ، وإن لم يستغفر كُتِب عليه سيِّئة واحدة " وقال ابن عباس : جَعَل اللهُ على ابن آدم حافظين في الليل ، وحافظين في النهار . واختلفوا هل يكتُبان جميع أفعاله وأقواله على قولين . أحدهما : أنهما يكتُبان عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه ، قاله مجاهد . والثاني : أنهما لا يكتبان إلاّ ما يؤجَر [ عليه ] ، أو يُوزَر ، قاله عكرمة . فأمّا مجلسهما ، فقد نطق القرآن بأنهما عن اليمين وعن الشمال ، وكذلك ذكرنا في حديث أبي أمامة . وقد روى عليّ كرَّم اللهُ وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن مقعد ملَكَيك على ثنيَّتيك ، ولسانُك قلمهما ، وريقك مدادهما ، وأنت تجري فيما لا يعنيك " وروي عن الحسن والضحاك قالا : مجلسهما تحت الشعر على الحنك . قوله تعالى : { وجاءت سَكرْةُ المَوت } وهي غَمرتُه وشِدَّتُه ، التي تَغشى الإِنسان وتَغْلِب على عقله وتدُلُّه على أنه ميت { بالحق } وفيه وجهان . أحدهما : أن معناه : جاءت بحقيقة الموت . والثاني : بالحق من أمر الآخرة ، فأبانت للانسان ما لم يكن بيَّنّا له من أمر الآخرة . ذكر الوجهين الفراء ، وابن جرير . وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه : { وجاءت سَكْرةُ الحق بالموت } ، قال ابن جرير : ولهذه القراءة وجهان . أحدهما : أن يكون الحق هو الله تعالى ، فيكون المعنى : وجاءت سَكْرة الله بالموت . والثاني : أن تكون السَّكْرة هي الموت ، أضيفت إلى نفسها ، كقوله : { إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقينِ } [ الواقعة 95 ] ، فيكون المعنى : وجاءت السَّكْرة الحَقُّ بالموت ، بتقديم « الحَقّ » . وقرأ ابن مسعود ، وأبو عمران : « وجاءت سَكَراتُ » على الجمع « الحَقِّ بالموتِ » بتقديم « الحَقّ » وقرأ أُبيُّ ابن كعب ، وسعيد بن جبير : « وجاءت سَكَراتُ الموت » على الجمع « بالحق » بتأخير « الحق » . قوله تعالى : { ذلك } أي : فيقال للانسان حينئذ : « ذلك » أي : ذلك الموت { ما كنتَ منه تَحِيدُ } أي : تهرُب وتفِرّ . وقال ابن عباس : تَكره . قوله تعالى : { ونُفِخ في الصُّور } يعني نفخة البعث { ذلك } اليوم { يومُ الوعيد } أي : يوم وقوع الوعيد . قوله تعالى : { معها سائق } فيه قولان . أحدهما : أن السائق : ملَك يسوقها إلى مَحْشَرها ، قاله أبو هريرة . والثاني : أنه قرينها من الشياطين ، سمِّي سائقا ، لأنه يتبَعها وإِن لم يَحثَّها . وفي الشهيد ثلاثة أقوال . أحدها : أنه ملَك يَشهد عليها بعملها ، قاله عثمان بن عفان ، والحسن . وقال مجاهد : الملَكان : سائق : وشهيد . وقال ابن السائب : السائق : الذي كان يكتب عليه السَّيَِئات ، والشهيد : الذي كان يكتب الحسنات . والثاني : أنه العمل يَشهد على الإنسان ، قاله أبو هريرة . والثالث : الأيدي والأرجل تَشهد عليه بعمله ، قاله الضحاك . وهل هذه الآيات عامّة ، أم خاصَّة ؟ فيها قولان . أحدهما : أنها عامة ، قاله الجمهور . والثاني : خاصة في الكافر ، قاله الضحاك ، ومقاتل . قوله تعالى : { لقد كنتَ } أي : ويقال له : { لقد كنتَ في غفلة من هذا } اليوم وفي المخاطَب بهذه الآيات ثلاثة أقوال . أحدها : أنه الكافر ، قاله ابن عباس ، وصالح بن كيسان في آخرين . والثاني : أنه عامّ في البَرِّ والفاجر ، قاله حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، واختاره ابن جرير . والثالث : أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول ابن زيد . فعلى القول الأول يكون المعنى : لقد كنتَ في غفلة من هذا اليوم في الدنيا بكفرك به ؛ وعلى الثاني : كنتَ غافلاً عن أهوال القيامة { فكَشَفْنا عنك غِطاءك } الذي كان في الدنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك . وقيل معناه : أريناك ما كان مستوراً عنك ؛ وعلى الثالث : لقد كنتَ قبل الوحي في غفلة عمّا أُوحي إِليك ، فكشفنا عنك غطاءك بالوحي { فبصرُك اليومَ حديدٌ } وفي المراد بالبصر قولان . أحدهما : البصر المعروف ، قاله الضحاك . والثاني : العِلمْ ، قاله الزجاج . وفي قوله : « اليومَ » قولان . أحدهما : أنه يوم القيامة ، قاله الأكثرون . والثاني : أنه في الدنيا ، وهذا على قول ابن زيد . فأمّا قوله : « حديدٌ » فقال ابن قتيبة : الحديد بمعنى الحادّ . أي : فأنت ثاقب البصر . ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها : فبصرك حديدٌ إلى لسان الميزان حين تُوزَن حسناتُك وسيِّئاتُك ، قاله مجاهد . والثاني : أنه شاخص لا يطرف لمعاينة الأخرة ، قاله مقاتل . والثالث : أنه العِلْم النافذ ، قاله الزجاج .