Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 23-29)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وقال قرينُه } قال مقاتل : هو مَلَكُه الذي كان يكتُب عملَه السيّءَ في دار الدنيا ، يقول لربِّه : قد كتبتُ ما وكَّلْتَني به ، فهذا عندي مُعَدٌّ حاضرٌ من عمله الخبيث ، فقد أتيتُك به وبعمله . وفي « ما » قولان . أحدهما : أنها بمعنى « من » قاله مجاهد . والثاني : أنها بمعنى الشيء ، فتقديره : هذا شيء لديَّ عتيدٌ ، قاله الزجاج . وقد ذكرنا معنى العتيد في هذه السورة [ ق : 18 ] فيقول الله تعالى { ألْقيَا في جهنَّم } وفي معنى هذا الخطاب ثلاثة أقوال . أحدها : أنه مخاطبة للواحد بلفظ الخطاب للاثنين ، قال الفراء : والعرب تأمر الواحد والقوم بأمر الاثنين ، فيقولون للرجُل : ويلك ارحلاها وازجُراها ، سمعتها من العرب ، وأنشدني بعضهم : @ فقُلْتُ لِصَاحِبِي لا تَحْبِسانا بِنَزْعِ أُصُولِهِ واجْتَزَّ شِيحا @@ وأنشدني أبو ثَرْوان : @ فانْ تَزْجُرانِي يابْنَ عَفَّان أَنْزَجِرْ وإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضاً مُمَنَّّعا @@ ونرى أن ذلك منهم ، لأن أدنى أعوان الرجُل في إبله وغنمه اثنان ، وكذلك الرُّفقة أدنى ما تكون ثلاثة ، فجرى الكلام على صاحبيه ، ألا ترى الشعر أكثر شيء قِيلاً : يا صَاحِبَيَّ ويا خليليَّ . قال امرؤ القيس : @ خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي على أُمِّ جُنْدَبٍ نُقَضِّي لُباناتِ الْفُؤادِ المُعَذَّبِ @@ ثم قال : @ ألم تَرَأَنِي كُلمَّا جِئْتُ طارِقاً وَجَدْتُ بها طِيباً وإِنْ لَمْ تَطَيَّبِ @@ فرجع إلى الواحد ، وأول كلامه اثنان ، وإِلى هذا المعنى ذهب مقاتل ، وقال : « ألقيا » خطاب للخازن ، يعني خازن النار . والثاني : أنه فِعل ثُنِّي توكيداً ، كأنه لمّا قال : « ألقيا » ، ناب عن أَلْقِ أَلْقِ ، وكذلك : قِفا نَبْكِ ، معناه : قِفْ قِفْ ، فلمّا ناب عن فعلين ، ثُنِّي ، قاله المبرد . والثالث : أنه أمر للملكين ، يعني السائق والشهيد ، وهذا اختيار الزجاج . فأمّا « الكَفّارُ » فهو أشَدُّ مُبالَغةً من الكافر . و « العنيد » قد فسرناه في [ هود : 59 ] . قوله تعالى : { منَّاعٍ للخير } في المراد بالخير هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها : الزكاة المفروضة ، قاله قتادة . والثاني : أنه الإسلام ، يمنع الناس من الدُّخول فيه ، قاله الضحاك ، ومقاتل ، وذكر أنها نزلت في الوليد بن المغيرة ، منع بني أخيه عن الإسلام . والثالث : أنه عامٌّ في كل خير من قول أو فعل ، حكاه الماوردي . قوله تعالى : { مُعتَدٍ } أي : ظالم لا يُقِرُّ بالتوحيد { مُريبٍ } أي : شاكّ في الحق ، من قولهم : أرابَ الرجُلُ : إذا صار ذا رَيْب . قوله تعالى : { قال قرينُه } فيه قولان . أحدهما : شيطانه ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور . وفي الكلام اختصار تقديره : إن الإنسان ادّعى على قرينه من الشياطين أنه أضلَّه فقال : { ربَّنا ما أطغيتُه } أي : لم يكن لي قُوَّة على إضلاله بالإكراه ، وإنما طغى هو بضلاله . والثاني : أنه الملَك الذي كان يكتُب السَّيِّئات . ثم فيما يدَّعيه الكافرُ على الملَك قولان . أحدهما : [ أنه ] يقول : زاد عليَّ فيما كتب ، فيقول الملَك : ما أطغيتُه ، أي : ما زدتُ عليه ، قاله سعيد بن جبير . والثاني : أنه يقول : كان يُعْجِلني عن التَّوبة ، فيقول : ربَّنا ما أطغيتُه ، هذا قول الفراء . قوله تعالى : { ولكن كان في ضلال بعيدٍ } أي : بعيد من الهُدى ، فيقول الله تعالى : { لا تختصموا لديَّ } . في هذا الخصام قولان . أحدهما : أنه اعتذارهم بغير عذر ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه خصامهم مع قرنائهم الذين أغوَوْهم ، قاله أبو العالية . فأما اختصامهم فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا ، فلا يجوز أن يُهمَل ، لأنه يوم التناصف . قوله تعالى : { وقد قدَّمتُ إليكم بالوعيد } أي : قد أخبرتُكم على ألسُن الرُّسل بعذابي في الآخرة لمن كفر . { ما يُبَدَّلُ القولُ لديَّ } فيه قولان . أحدهما : ما يبدَّل [ القول ] فيما وعدتُه من ثواب وعقاب ، قاله الأكثرون . والثاني : ما يُكذَّب عندي ولا يغيَّر القول عن جهته ، لأنِّي أعْلَمُ الغيب وأعْلَمُ كيف ضلُّوا وكيف أضللتموهم ، هذا قول ابن السائب واختيار الفراء وابن قتيبة ، ويدل عليه أنه قال تعالى : { ما يُبَدَّل القول لديَّ } ولم يقل : ما يُبَدَّل قولي { وما أنا بظلاّمٍ للعبيدِ } فأَزيدَ على إساءة المُسيء ، أو أنقص من إحسان المُحسن .