Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 33-41)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أفرأيتَ الذي تَولَّى } اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال . أحدها : أنه الوليد بن المغيرة ، وكان قد تَبِع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه ، فعيَّره بعضُ المشركين ، وقال : تركتَ دين الأشياخ وضللَّتَهم ؟ قال : إنِّي خشيتُ عذابَ الله ، فضَمِن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله ورجَع إلى شِركه أن يتحمَّل عنه عذابَ الله عز وجل ففعل ، فأعطاه بعضَ الذي ضَمِن له ، ثم بَخِل ومنعه ، فنزلت هذه الآية ، قاله مجاهد ، وابن زيد . والثاني : أنه النَّضر بن الحارث أعطى بعضَ الفقراء المسلمين خمسَ قلائص حتى ارتدَّ عن إسلامه ، وضَمِن له أن يَحْمِل عنه إثمه ، قاله الضحاك . والثالث : أنه أبو جهل ، وذلك أنه قال : واللهِ ما يأمُرُنا محمدٌ إلاّ بمكارم الأخلاق ، قاله محمد بن كعب القرظي . والرابع : أنه العاص بن وائل السهمي ، وكان رَّبما وافق رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في بعض الأُمور ، قاله السدي . ومعنى « تَولَّى » : أعرضَ عن الإيمان . { وأعطى قليلاً } فيه أربعة أقوال . أحدها : أطاع قليلاً ثم عصى . قاله ابن عباس . والثاني : أعطى قليلاً من نَفْسه بالاستماع ثم أكدى بالانقطاع ، قاله مجاهد . والثالث : أعطى قليلاً من ماله ثم مَنَع ، قاله الضحاك . والرابع : أعطى قليلاً من الخير بلسانه ثم قطع ، قاله مقاتل . قال ابن قتيبة : ومعنى « أَكْدَى » : قَطَع ، وهو من كُدْية الرَّكِيَّة ، وهي الصَّلابة فيها ، وإذا بلغها الحافر يئس من حَفْرها ، فقطع الحَفْر ، فقيل لكل من طلب شيئاً فلم يبلُغ آخِرَه ، أو أعطَى ولم يُتِمَّ : أَكْدَىَ . قوله تعالى : { أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهُوَ يَرَى } فيه قولان . أحدهما : فهو يرى حاله في الآخرة ، قاله الفراء . والثاني : فهو يعلم ما غاب عنه من أمر الآخرة وغيرها ، قاله ابن قتيبة . قوله تعالى : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأُ بِما في صُحُف موسى } يعني التوراة ، { وإبراهيمَ } أي : وصحف إبراهيم . وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله تعالى أَنزل على إبراهيمَ عشر صحائف ، وأنزل على موسى قَبْلَ التَّوراة عشر صحائف " . قوله تعالى : { الذي وَفَّى } قرأ سعيد بن جبير ، وأبو عمران الجوني ، وابن السميفع اليماني « وَفَى » بتخفيف الفاء . قال الزجاج : قوله : « وَفَّى » أبلغ من « وَفَى » ، لأن الذي امتُحن به مِنْ أعظمِ المِحن . وللمفسرين في الذي وفَّى عشرة أقوال . أحدها : أنه وفَّى عملَ يومه بأربع ركعات في أول النهار ، رواه أبوأُمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : أنه وفَّى في كلمات كان يقولها . روى سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا أُخْبِرُكم لِمَ سمَّى اللهُ إِبراهيمَ خليله [ الذي وفَّى ] ؟ " لأنه كان يقول كلمَّا أصبحَ وكلمَّا أمسى : { فسُبْحانَ اللهِ حينَ تُمْسونُ وحين تُصْبِحونَ … } [ الروم : 17 ] وختم الآية . والثالث : أنه وفَّى الطاعة فيما فعل بابنه ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال القرظي . والرابع : أنه وفَّى ربَّه جميع شرائع الإسلام ، روى هذا المعنى عكرمة عن ابن عباس . والخامس : أنه وفَّى ما أُمر به من تبليغ الرِّسالة ، روي عن ابن عباس أيضاً . والسادس : أنه عَمِل بما أُمر به ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وقال مجاهد : وفَّى ما فُرض عليه . والسابع : أنه وفَّى بتبليغ هذه الآيات ، وهي : « ألاّ تَزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أُخْرى » وما بعدها ، وهذا مروي عن عكرمة ، ومجاهد ، والنخعي . والثامن : وفَّى شأن المناسك ، قاله الضحاك . والتاسع : أنه عاهد أن لا يَسأل مخلوقاً شيئاً ، فلمّا قُذف في النار قال له جبريل ، ألَكَ حاجةٌ ؟ فقال : أمّا إليك فلا ، فوفَّى بما عاهد ، ذكره عطاء بن السائب . والعاشر : أنه أدَّى الأمانة ، قاله سفيان بن عيينة . ثم بيَّن ما في صحفهما فقال : { ألاّ تَزِرُ وازِرةٌ وِزْرَ أُخْرى } أي : لا تَحْمِل نَفْس حاملةٌ حِْملَ أُخْرى ؛ والمعنى : لا تؤخَذ بإثم غيرها . { وأن ليس للإنسان إِلاّ ما سعى } قال الزجّاج : هذا في صحفهما أيضاً . ومعناه : ليس للإنسان إِلاّ جزاء سعيه ، إِن عَمِل خيراً جُزِي عليه خيراً ، وإِن عَمِل شَرّاً . جزي شَرّاً . واختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال . أحدها : أنها منسوخة بقوله : { وأَتْبَعْناهم ذُرِّياتِهم بإيمان } [ الطور : 21 ] فأُدخل الأبناء الجَنَّة بصلاح الآباء ، قاله ابن عباس ، ولا يصح ، لأن لفظ الآيتين لفظ خبر ، والأخبار لا تُنْسَخ . والثاني : أن ذلك كان لقوم إبراهيم وموسى ، وأما هذه الأمَّة فلهم ما سَعَوا وما سعى غيرُهم ، قاله عكرمة ، واستدل " بقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته : إنَّ أبي مات ولم يحُجَّ ، فقال : « حُجِّي عنه » " . والثالث : أن المراد بالإنسان هاهنا : الكافر ، فأمّا المؤمن ، فله ما سعى وما سُعي له ، قاله الربيع بن أنس . والرابع : أنه ليس للإنسان إلاّ ما سعى من طريق العدل ، فأمّا مِنْ باب الفَضْل ، فجائز أن يَزيده اللهُ عز وجل ما يشاء ، قاله الحسين بن الفضل . والخامس : أن معنى « ما سعى » ما نوى ، قاله أبو بكر الورّاق . والسادس : ليس للكافر من الخير إلا ما عمله في الدُّنيا ، فيُثاب عليه فيها حتى لا يبقى له في الآخرة خير ، ذكره الثعلبي . والسابع : أن اللام بمعنى « على » فتقديره : ليس على الإنسان إلا ما سعى . والثامن : أنه ليس له إلاّ سعيه ، غير أن الأسباب مختلفة ، فتارة يكون سعيه في تحصيل قرابة وولد يترحم عليه وصديق ، وتارة يسعى في خِدمة الدِّين والعبادة ، فيكتسب محبة أهل الدِّين ، فيكون ذلك سببا حصل بسعيه ، حكى القولين شيخنا علي بن عبيد الله الزاغوني . قوله تعالى : { وأنَّ سَعْيَه سوف يُرَى } فيه قولان . أحدهما : سوف يُعْلَم ، قاله ابن قتيبة . والثاني : سوف يرى العبدُ سعيَه يومَ القيامة ، أي : يرى عمله في ميزانه ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { يُجْزاه } الهاء عائدة على السعي { الجزاءَ الأَوْفَى } أي : الأكمل الأَتمّ .