Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 9-22)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كذَّبتْ قَبْلَهم } أي : قبل أهل مكة { قومُ نُوح فكذَّبوا عَبْدَنا } نوحاً { وقالوا مجنونٌ وازْدُجِرَ } قال أبو عبيدة : افتُعِل مِن زُجِر . قال المفسرون : زجروه عن مقالته { فدعا } عليهم نوح { ربَّه } ب { أنِّي مغلوبٌ فانْتَصر } أي : فانتَقِم لي ممَّن كذَّبني . قال الزَّجاج : وقرأ عيسى بن عمر النحوي : « إنِّي » بكسر الألف ، وفسرها سيبويه فقال : هذا على إِرادة القول ، فالمعنى : قال : إني مغلوب ؛ ومن فتح ، وهو الوجه ، فالمعنى : دعا ربَّه بـ { أنِّي مغلوب } . قوله تعالى : { ففَتَحْنا أبوابَ السماء } قرأ ابن عامر : « ففَتَّحْنا » بالتشديد . فأما المُنهمِر ، فقال ابن قتيبة : هو الكثير السريع الانصباب ، ومنه يُقال : هَمَر الرجلُ : إذا أكثر من الكلام وأسرع . وروى عليٌّ رضي الله عنه أن أبواب السماء فُتحت بالماء من المَجَرَّة ، وهي شَرَجُ السماء . وعلى ما ذكرنا من القصة في [ هود : 44 ] أن المطر جاءهم ، يكون هو المراد بقوله : { ففَتَحْنا أبوابَ السماء } قال المفسرون : جاءهم الماء من فوقهم أربعين يوماً ، وفُجِّرت الأرض من تحتهم عيوناً أربعين يوماً . { فالتقى الماءُ } وقرأ أُبيُّ بن كعب ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدري : « المآءان » بهمزة وألف ونون مكسورة . وقرأ ابن مسعود : « المايانِ » بياءٍ وألف ونون مكسورة من غير همز . وقرأ الحسن ، وأبو عمران : « الماوانِ » بواو وألف وكسر النون . قال الزجاج : يعني بالماء : ماء السماء وماء الأرض ، ويجوز الماءان ، لأن اسم الماء اسم يجمع ماء الأرض وماء السماء . قوله تعالى : { على أَمْرٍ قد قُدِرَ } فيه قولان . أحدهما : كان قَدْر ماء السماء كقَدْر ماء الأرض ، قاله مقاتل . والثاني : قد قُدر في اللوح المحفوظ ، قاله الزجاج . فيكون المعنى : على أمر قد قُضي عليهم ، وهو الغرق . قوله تعالى : { وحَمَلْناه } يعني نوحاً { على ذات ألواحٍ ودُسُرٍ } قال الزجاج : أي : على سفينةٍ ذاتِ ألواحٍ . قال المفسرون : ألواحها : خشباتها العريضة التي منها جُمعت . وفي الدُّسُر أربعة أقوال . أحدها : أنها المسامير ، رواه الوالبي عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والقرظي ، وابن زيد ، وقال الزجاج : الدُّسُر : المسامير والشُّرُط التي تُشَدِّ بها الألواح ، وكل شيء نحو السَّمْر أو إدخال شيء في شيءٍ بقوَّة وشِدة قَهر فهو دَسْر ، يقال : دَسَرْتُ المسمار أدْسُرُه وأَدْسِرُه . والدُّسُر : واحدها دِسار ، نحو حِمار ، وحُمُر . والثاني : أنه صَدْر السفينة ، سُمِّي بذلك لأنه يَدْسُر الماء ، أي : يدفعه ، رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن وعكرمة ؛ ومنه الحديث في العنبر أنه شيء دسره البحر ، أي : دفعه . والثالث : أن الدُّسُر : أضلاع السفينة ، قاله مجاهد . والرابع : أن الدُّسُر : طرفاها وأصلها ، والألواح : جانباها ، قاله الضحاك . قوله تعالى : { تَجْري بأعيْننا } أي : بمَنْظَرٍ ومرأىً مِنّا { جزاءً } قال الفراء : فعَلْنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثواباً لمن كُفِر به . وفي المراد ب « مَنْ » ثلاثة أقوال . أحدها : أنه الله عز وجل ، وهو مذهب مجاهد ، فيكون المعنى : عوقبوا لله ولكُفرهم به . والثاني : أنه نوحٌ كُفِر به وجُحِد أمْرُه ، قاله الفراء . والثالث : أن « مَنْ » بمعنى « ما » ؛ فالمعنى : جزاءً لِما كان كُفِر من نِعم الله عند الذين أغرقهم ، حكاه ابن جرير . وقرأ قتادة : « لِمَنْ كان كَفَر » بفتح الكاف والفاء . قوله تعالى : { ولقد تَرَكْناها } في المشار إليها قولان . أحدهما : أَنها السفينة ، قال قتادة : أبقاها الله على الجوديّ حتى أدركها أوائل هذه الأمة . والثاني : أنها الفَعْلة ، فالمعنى : تركنا هذه الفَعْلة وأمر سفينة نوح آية ، أي : علامة ليُعتبر بها ، { فهل مِنْ مُدَّكِرٍ } وأصله مُدتكِر ، فأبدلت التاء دالاً على ما بيَّنّا في قوله : { وادَّكَرَ بعدَ أُمَّةٍ } [ يوسف : 45 ] قال ابن قتيبة : أصله : مذْتَكِر ، فأْدغمت التاء في الذال ، ثم قُلبت دالاً مشدَّدة . قال المفسرون : والمعنى : هل من متذكِّر يعتبر بذلك ؟ { فكيف كان عذابي ونُذُرِ } وفي هذه السورة « ونُذُر » ستة مواضع ، أثبت الياء فيهن في الحالين يعقوب ، تابعه في الوصل ورش ، والباقون بحذفها في الحالين ، وقوله : « فكيف كان عذابي » استفهام عن تلك الحالة ، ومعناه التعظيم لذلك العذاب . قال ابن قتيبة : والنُّذُر هاهنا جمع نذير ، وهو بمعنى الإنذار ، ومثله النَّكير بمعنى الإنكار . قال المفسرون : وهذا تخويف لمشركي مكة . { ولقد يسَّرنا القرآنَ } أي : سهَّلْناه { للذِّكر } أي : للحِفظ والقراءة { فهل من مُدَّكِرٍ } أي : من ذاكرٍ يذكره ويقرؤه ؛ والمعنى : هو الحث على قراءته وتعلُّمه قال سعيد بن جبير : ليس من كتب الله كتاب يُقرأ كُلُّه ظاهراً إلاّ القرآن . وأمّا الرِّيح الصَّرصر ، فقد ذكرناها في [ حم السجدة : 160 ] . قوله تعالى : { في يومِ نَحْسٍ مُستمرٍّ } قرأ الحسن : « في يومٍ » بالتنوين ، على أن اليوم منعوت بالنَّحْس . والمُستمِّر : الدائم الشؤم ، استمر عليهم بنُحوسه . وقال ابن عباس : كانوا يتشاءمون بذلك اليوم . وقيل : إنه كان يومَ أربعاء في آخر الشهر . { تَنْزِعُ النّاسَ } أي : تقلعهُم من الأرض من تحت أقدامهم فتصرعهم على رقابهم فتدُقّ رقابَهم فتُبِين الرّأسَ عن الجسد ، فـ { كأنهم أعجاز نَخْلٍ } وقرأ أُبيُّ بن كعب ، وابن السميفع : « أعْجُزُ نَخْلٍ » برفع الجيم من غير ألف بعد الجيم . وقرأ ابن مسعود ، وأبو مجلز ، وأبو عمران : « كأنَّهم عُجُز نخل » بضم العين والجيم . ومعنى الكلام : كأنهم أصول « نَخلٍ مُنْقَعِرٍ » أَي : مُنْقَلِع . وقال الفراء : المُنْقَعِر : المُنْصَرِع من النَّخْل . قال ابن قتيبة : يقال : قَعَرْتُه فانْقَعَر ، أي قلعته فسقط . قال أبو عبيدة : والنَّخْل يُذَكَّر ويؤنَّث ، فهذه الآية على لغة من ذكَّر ، وقوله : { أعجازُ نَخْلٍ خاويةٍ } [ الحاقة : 8 ] على لغة من أنَّث . وقال مقاتل : شبَّههم حين وقعوا من شِدَّة العذاب بالنَّخْل الساقطة التي لا رؤوس لها ، وإنما شبَّههم بالنَّخْل لِطُولهم ، وكان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعاً .