Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 14-25)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { خَلَقَ الإنسانَ } يعني آدم { مِنّ صَلْصالٍ } قد ذكرنا في [ الحجر : 26 - 27 ] الصَلْصال والجانَّ . فأمّا قوله : { كالفَخّار } فقال أبو عبيدة : خُلق من طينٍ يابس لم يُطْبَخ ، فله صوتٌ إذا نُقِر ، فهو من يُبْسِه كالفَخّار . والفَخّار : ما طُبِخ بالنّار . فأمّا المارِج ، فقال ابن عباس : هو لسان النار الذي يكون في طرفها إِذا التهبت . وقال مجاهد : هو المختلِط بعضُه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أُوقِدَتْ . وقال مقاتل : هو لهب النار الصافي من غير دخان . وقال أبو عبيدة : المارج : خَلْط من النار . وقال ابن قتيبة : المارج : لهب النار ، من قولك : قد مَرِجَ الشيءُ : إذا اضطرب ولم يستقرّ . وقال الزجاج : هو اللَّهب المختلط بسواد النار . فإن قيل : قد أَخبر اللهُ تعالى عن خَلْق آدم عليه السلام بألفاظ مختلفة ، فتارة يقول : { خَلَقه مِن تراب } [ آل عمران : 59 ] ، وتارة : « مِن صَلْصالٍ » وتارة : { مِنْ طِينٍ لازِبٍ } [ الصافات : 11 ] وتارة { كالفَخّار } [ الرحمن : 14 ] وتارة : { مِنْ حَمَأٍ مسنونٍ } [ الحجر : 29 ] ؛ فالجواب : أن الأصل التراب فجُعل طيناً ، ثم صار كالحمإِ المسنون ، ثم صار صَلصالاً كالفَخّار ، هذه أخبار عن حالات أصله . فإن قيل : ما الفائدة في تكرار قوله : « فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبانِ » الجواب أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها . قال ابن قتيبة : من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز ، لأن افتنان المتكلِّم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره في المقام على فنٍّ واحدٍ ، يقول القائل منهم : واللهِ لا أفعله ، ثم واللهِ لا أفعله ، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله ، كما يقول : واللهِ أفعلُه ، بإضمار « لا » إذا أراد الاختصار ، ويقول القائل المستعجِل : اعْجَل اعْجَل ، وللرامي : ارمِ ارمِ ، قال الشاعر : @ كَمْ نِعْمَةٍ كانَتْ له وَكمْ وَكمْ @@ وقال الآخر : @ هَلاًّ سَأَلْتَ جُمْوعَ كِنْـ دَةَ يَوْمَ وَلَّوْا أَيْنَ أَيْنا @@ وربَّما جاءت الصِّفة فأرادوا توكيدها ، واستوحشوا من إعادتها ثانيةً لأنها كلمة واحدةٌ ، فغيَّروا منها حرفاً ثم أتبعوها الأولى ، كقولهم : عَطْشَانُ نَطْشَان ، وشَيطان لَيْطان ، وحَسَنٌ بَسَنٌ . قال ابن دريد : ومن الإتباع : جائع نائع ، ومليح قريح ، وقبيح شَقِيح ، وشَحيح نَحيح ، وخَبيث نَبيث ، وكَثير بَثير ، وسيِّغ لَيِّغ ، وسائغ لائغ ، وحَقير نَقير ، وضَئيل بَئيل ، وخضر مضر ، وعِفْريت نِفْريت ، وثِقَةٌ نِقَةٌ ، وكِنٌّ إنٌّ ، وواحدٌ فاحدٌ ، وحائرٌ بائرٌ ، وسَمْحٌ لَمْحٌ . قال ابن قتيبة : فلمّا عَدَّد اللهُ تعالى في هذه السورة نعماءَه ، وأذكَرَ عِبَادَه آلاءَه ، ونبَّههم على قُدرته ، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نِعمتين ، ليُفَهِّمهم النِّعم ويُقَرِّرهم بها ، كقولك للرجل : أَلم أُبَوِّئْكَ مَنْزِلاً وكنتَ طريداً ؟ أفتُنْكِرُ هذا ؟ ألم أحُجَّ بك وأنت صَرُورَةٌ ؟ أفَتُنْكِرُ هذا ؟ . وروى الحاكم أبو عبد الله في « صحيحه » من حديث جابر بن عبد الله قال : " قرأ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال : « مالي أراكم سكوتاً ؟ ! لَلْجِنُّ كانوا أحسنَ منكم ردّاً ، ما قرأتُ عليهم هذه الآية من مَرَّة » { فبأيِّ آلاء ربِّكما تكذِّبان } إِلاّ قالوا : ولا بشيء من نِعمك ربَّنا نكذِّب فلك الحمد " . قوله تعالى : { ربُّ المشْرِقَيْنِ } قرأ أبو رجاء ، وابن أبي عبلة : « ربِّ المشْرِقَيْن وربِّ المَغْرِبَيْن » بالخفض ، وهما مَشْرِق الصَّيف ومَشْرِق الشتاء ومَغْرِب الصَّيف ومَغْرِب الشتاء للشمس والقمر جميعاً . قوله تعالى : { مَرَج البَحْرَين } أي : أرسل العذبَ والمِلْحَ وخلاهما وجعلهما { يلتقيان } ، { بينهما برزخٌ } أي : حاجز من قدرة الله تعالى { لا يبغيان } أي : لا يختلطان فيبغي أحدهما على الآخر . وقال ابن عباس : بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كلَّ عام . قال الحسن : « مَرَجَ البحرين » يعني بحر فارس والروم ، بينهما برزخ ، يعني الجزائر ؛ وقد سبق بيان هذا في [ الفرقان : 53 ] . قوله تعالى : { يخرُج منهما اللُّؤلؤ والمَرْجان } قال الزجاج : إنما يخرُج من البحر المِلْحِ ، وإنما جمعهما ، لأنه إذا خرج من أحدهما فقد أُخرج منهما ، ومِثلُه { وجَعَلَ القمرَ فيهنَّ نُوراً } [ نوح : 16 ] . قال أبو علي الفارسي : أراد : يخرُج من أحدهما ، فحذف المضاف . وقال ابن جرير : إنما قال « منهما » لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء . فأمّا اللُّؤلؤ والمرجان ، ففيهما قولان . أحدهما : أن المرجان : ما صَغُر من اللُّؤلؤ ، واللُّؤلؤ : العظام ، قاله الأكثرون ، منهم ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، والفراء . وقال الزجاج : اللُّؤلؤ : اسم جامع للحَبِّ الذي يخرج من البحر ، والمرجان : صِغاره . والثاني : أن اللُّؤلؤ : الصِّغار ، والمرجان : الكبار ، قاله مجاهد ، والسدي ، ومقاتل . قال ابن عباس : إذا أمطرت السماء ، فتحت الأصدافُ أفواهها ، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ ، قال ابن جرير : حيث وقعت قطرةٌ كانت لؤلؤة . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللُّغويّ قال : ذكر بعضُ أهل اللُّغة أن المَرجان أعجميّ معرَّب . قال أبو بكر ، يعني ابن دريد : ولم أسمع فيه بفعل منصرف ، وأَحْرِ به أن يكون كذلك . قال ابن مسعود : المرجان : الخرز الأحمر . وقال الزجاج : المَرجان أبيض شديد البياض . وحكى القاضي أبو يعلى أن المرجان : ضرب من اللُّؤلؤ كالقضبان . قوله تعالى : { وله الجَوارِ } يعني السفن { المُنْشَآتُ } قال مجاهد : هو ما قد رُفع قِلْعه من السفن دون مالم يُرفع قِلْعه . قال ابن قتيبة : هُنَّ اللواتي أُنشئن ، أي : ابتُدىء بهنَّ { في البحر } ، وقرأ حمزة : « المُنْشِئاتُ » ، فجعلهن اللواتي ابتدأن ، يقال : أنشأت السحابةُ تُمطر : إذا ابتدأتْ ، وأنشأ الشاعُر يقول ، والأعلام : الجبال ، وقد سبق هذا [ الشورى : 32 ] .