Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 13-26)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ثُلَّة من الأوَّلين } الثُلَّة : الجماعة غير محصورة العدد . وفي الأوَّلين والآخِرين هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها : أن الأوَّلين : الذين كانوا من زمن آدم إلى زمن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ، والآخِرون : هذه الأمة . والثاني : [ أن الأولين ] : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والآخرين : التابعون . والثالث : أن الأولين [ والآخِرين : من ] أصحاب نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم . فعلى الأول يكون المعنى : إن الأولين السابقين جماعة من الأُمم المتقدِّمة الذين سبقوا بالتصديق لأنبيائهم مَنْ جاء بعدهم مؤمناً ، وقليلٌ من أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الذين عاينوا الأنبياء أجمعين وصدَّقوا بهم أكثر ممّن عاين نبيِّنا وصدَّق به . وعلى الثاني : أن السابقين : جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم الأوَّلون من المهاجرين والأنصار ، وقليل من التابعين وهم الذين اتَّبعوهم باحسان . وعلى الثالث : أن السابقين : الأوَّلون من المهاجرين والأنصار ، وقليل ممَّن جاء بعدهم لعجز المتأخِّرين أن يلحقوا الأوَّلين ، فقليل منهم من يقاربهم في السَّبق . وأمّا « الموضونة » ، فقال ابن قتيبة : هي المنسوجة ، كأن بعضها أُدخِلَ في بعض ، أو نُضِّد بعضُها على بعض ، ومنه قيل للدِّرع : مَوْضونة ، ومنه قيل : وَضِينُ النّاقة ، وهو بِطان ٌمن سُيور يُدْخَل بعضُه في بعض . قال الفراء : سمعت بعض العرب يقول : الآجُرُّ موضونٌ بعضُه على بعض ، اي : مُشْرَج . وللمفسرين في معنى « مَوْضُونةٍ » قولان . أحدهما : مرمولة بالذهب ، رواه مجاهد عن ابن عباس . وقال عكرمة : مشبَّكة بالدُّرِّ والياقوت ، وهذا مَعنى ما ذكرناه عن ابن قتيبة ، وبه قال الأكثرون . والثاني : مصفوفة ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وما بعد هذا قد تقدم بيانه [ الكهف : 30 ] إلى قوله : { وِلْدانٌ مخلَّدونَ } الوِلْدان : الغِلْمان . وقال الحسن البصري : هؤلاء أطفال لم يكن لهم حسنات فيُجْزَون بها ، ولا سيِّئات فيعاقبون عليها ، فوضُعوا بهذا الموضع . وفي المخلَّدين قولان . أحدهما : أنه من الخُلد ؛ والمعنى : أنهم مخلوقون للبقاء لا يتغيَّرون ، وهم على سنٍّ واحد . قال الفراء : والعرب تقول للإنسان إِذا كَبِر ولم يَشْمَط : أو لم تذهب أسنانه عن الكِبَر : إنه لمخلَّد ، هذا قول الجمهور . والثاني : أنهم المُقَرَّطُون ، ويقال : المُسَوَّرون ، ذكره الفراء ، وابن قتيبة ، وانشدوا في ذلك : @ ومُخْلَّداتٌ باللُّجَيْنِ كأنَّما أعجازُهُنَّ أَقاوِزُ الكُثْبانِ @@ قوله تعالى : { بأكوابٍ وأباريقَ } الكوب : إناء لا عروة له ولا خُرطوم ، وقد ذكرناه في [ الزخرف : 72 ] ؛ والأباريق : آنية لها عُرىً وخراطيم ؛ وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : الإبريق : فارسيّ معرَّب ، وترجمتُه من الفارسية أحدُ شيئين ، إمّا أن يكون : طريقَ الماء ، أو : صبَّ الماءِ على هينة ، وقد تكلمتْ به العربُ قديماً ، قال عديُّ بن زيد : @ ودَعَا بالصَّبُوحِ يوماً فجاءتْ قَيْنَةٌ في يمينها إبريقُ @@ وباقي الآيات في [ الصافات : 46 ] . قوله تعالى : { لا يُصَدَّعُونَ عنها ولا يُنْزِفُونَ } فيه قولان . أحدهما : لا يَلْحَقُهم الصُّداع الذي يلحق شاربي خمر الدنيا . و « عنها » كناية عن الكأس المذكور ، والمراد بها : الخمر ، وهذا قول الجمهور . والثاني : لا يتفرَّقون عنها ، من قولك : صدَّعْتُه فانْصَدَع ، حكاه ابن قتيبة . ولا « يُنْزِفُونَ » مفسر في [ الصافات : 47 ] . قوله تعالى : { ممّا يتخيَّرون } أي : يختارون ، تقول : تخيَّرتُ الشيءَ : إذا أخذتَ خيره . قوله تعالى : { ولحمِ طيرٍ } قال ابن عباس : يخطُر على قلبه الطير ، فيصير ممثَّلاً بين يديه على ما اشتهى . وقال مغيث بن سمي : تقع على أغصان شجرة طوبى طير كأمثال البُخْت ، فإذا اشتهى الرجل طيراً دعاه ، فيجيء حتى يقع على خوانه ، فيأكل من أحد جانبيه قديداً والآخرِ شِواءً ، ثم يعود طيراً فيطير فيذهب . قوله تعالى : { وحُورٌ عِينٌ } قرأ ابن كثير ، وعاصم ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : « وُحورٌ عِينٌ » بالرفع فيهما . وقرأ أبو جعفر ، وحمزة ، والكسائي ، والمفضل عن عاصم : بالخفض فيهما . وقرأ أُبيُّ بن كعب ، وعائشة ، وأبو العالية ، وعاصم الجحدري : « وحُوراً عِيناً » بالنصب فيهما . قال الزجاج : والذين رفعوا كرهوا الخفض ، لأنه معطوف على قوله : { يطوف عليهم } ، قالوا : والحُور ليس ممّا يطاف به ، ولكنه مخفوض على غير ما ذهب إليه هؤلاء ، لأن المعنى : يطوف عليهم ولدانٌ مخلَّدون بأكوابٍ ينعمون بها ، وكذلك ينعمون بلحم طير ، فكذلك ينعمون بحُورٍ عِينٍ ، والرفع أحسن ، والمعنى : ولهم حُورٌ عِينٌ ؛ ومن قرأ « وحُوراً عِيناً » حمله على المعنى ، لأن المعنى : يُعطَون هذه الأشياء ويُعطَون حُوراً عِيناً ، إلاّ أنها تُخالِف المصحف فتُكْرَه . ومعنى { كأمثال اللُّؤلؤ } أي : صفاؤهُنَّ وتلألؤهُنّ كصفاء اللُّؤلؤ وتلألئه . والمكنون : الذي لم يغيِّره الزمان واختلاف أحوال الاستعمال ، فهُنَّ كاللؤلؤ حين يخرج من صدفه . { جزاءً } منصوب مفعول له ؛ والمعنى : يُفعل بهم ذلك جزاءً بأعمالهم ، ويجوز أن يكون منصوباً على أنه مصدر ، لأن معنى « يطوف عليهم ولِدانٌ مخلَّدون » : يُجازَون جزاءً بأعمالهم ؛ وأكثر النحويِّين على هذا الوجه . قوله تعالى : { لا يَسْمَعون فيها لَغْواً } قد فسرنا معنى اللَّغو والسلام في سورة [ مريم : 62 ] ومعنى التأثيم في [ الطور : 23 ] ومعنى « ما أصحابُ اليمين » في أول هذه السورة [ الواقعة : 9 ] . فإن قيل : التأثيم لا يُسمع فكيف ذكره مع المسموع ؟ فالجواب : أن العرب يُتْبِعون آخرَ الكلام أوَّلَه ، وإن لم يحسُن في أحدهما ما يحسُن في الآخر ، فيقولون : أكلتُ خبزاً ولبَناً ، واللَّبَن لا يؤكل ، إنما حَسُن هذا لأنه كان مع ما يؤكل ، قال الفراء : أنشدني بعض العرب : @ إذا ما الغانِياتُ بَرَزْنَ يَوْماً وَزَجَّجْنَ الْحَواجِبَ والعُيُونا @@ قال : والعَيْنُ لا تُزَجَّج إنما تُكَحَّل ، فردَّها على الحاجب لأن المعنى يُعْرَف ، وأنشدني آخر : @ ولَقِيتُ زَوْجَكِ في الوغى متقلَّداً سَيْفاً ورُمْحاً @@ وأنشدني آخر : @ عَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً @@ والماء لا يُعْلَف وإِنما يُشْرَب ، فجعله تابعاً للتِّبن ؛ قال الفراء : وهذا هو وجه قراءة من قرأ ، « وحُورٍ عِينٍ » بالخفض ، لإتباع آخر الكلام أوَّله ، وهو وجه العربيَّة .