Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 27-40)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقد شرحنا معنى قوله : { وأصحابُ اليمين } في قوله : { فأصحاب الميمنة } [ الواقعة : 9 ] وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : أصحاب اليمين : أطفال المؤمنين . قوله تعالى : { في سِدْرٍ مخضود } سبب نزولها أن المسلمين نظروا إلى وَجٍّ ، وهو وادٍ بالطائف مخصبٌ . فأعجبهم سِدْرُه ، فقالوا : يا ليت لنا مثل هذا ؟ فنزلت هذه الآية ، قاله أبو العالية ، والضحاك . وفي المخضود ثلاثة أقوال . أحدها : أنه الذي لا شَوْكَ فيه ، رواه أبو طلحة عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، وقسامة بن زهير . قال ابن قتيبة : كأنه خُضِدَ شوكُه ، أي : قلع ، ومنه " قول النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة : « لا يُخْضَدُ شوكُها » " . والثاني : أنه المُوقَر حملاً ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والضحاك . والثالث : أنه المُوقَر الذي لا شوك فيه ، ذكره قتادة . وفي الطَّلْح قولان . أحدهما : أنه الموز ، قاله عليّ ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، والحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة . والثاني : أنه شجر عظام كبار الشوك ، قال أبو عبيدة : هذا هو الطَّلْح عند العرب ، قال الحادي : @ بَشَّرَها دليلُها وقالا غَداً تَرَيْنَ الطَّلْحَ والجِبالا @@ فإن قيل : ما الفائدة في الطَّلْح ؟ فالجواب أن له نَوْراً وريحاً طيِّبة ، فقد وعدهم ما يعرفون ويميلون إليه ، وإن لم يقع التساوي بينه وبين ما في الدنيا . وقال مجاهد : كانوا يُعْجَبون بـ « وَجٍّ » وظِلاله من طلحه وسدره . فأمّا المنضود ، فقال ابن قتيبة : هو الذي قد نُضِدَ بالحَمْل أو بالورق والحَمْل من أوَّله إلى آخره ، فليس له ساق بارزة ، وقال مسروق : شجر الجنة نضيد من أسفلها إلى أعلاها . قوله تعالى : { وظلٍّ ممدودٍ } أي : دائم لا تنسخه الشمس . { وماءٍ مسكوبٍ } أي : جارٍ غير منقطع . قوله تعالى : { لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : لا مقطوعة في حين دون حين ، ولا ممنوعة بالحيطان والنواطير ، إنما هي مُطْلَقة لمن أرادها ، هذا قول ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة . ولخصه بعضهم فقال : لا مقطوعة بالأزمان ، ولا ممنوعة بالأثمان . والثاني : لا تنقطع إذا جُنِيَتْ ، ولا تُمْنع من أحد إِذا أريدت ، روي عن ابن عباس . والثالث : لا مقطوعة بالفَناء ، ولا ممنوعة بالفساد ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { وفُرُشٍ مرفوعةٍ } فيها قولان . أحدهما : أنها الحشايا المفروشة للجلوس والنوم . وفي رفعها قولان . أحدهما : أنها مرفوعة فوق السُّرر . والثاني : أن رفعها : زيادة حشوها ليطيب الاستمتاع بها . والثاني : أن المراد بالفِراش : النساء ؛ والعرب تسمِّي المرأة : فِراشاً وإزاراً ولباساً ؛ وفي معنى رفعهن ثلاثة أقوال . أحدها : أنهن رُفِعْن بالجمال على نساء أهل الدنيا ، والثاني : رُفِعْن عن الأدناس . والثالث : في القلوب لشِدَّة الميل إليهن . قوله تعالى : { إنَّا أنشأناهُنَّ إنشاءً } يعني النساء . قال ابن قتيبة : اكتفى بذِكْر الفُرُش لأنها محل النساء عن ذكرهن . وفي المشار إِليهن قولان . أحدهما : أنهن نساء أهل الدنيا المؤمنات ؛ ثم في إنشائهن ، قولان . أحدهما : أنه إنشاؤهن من القبور ، قاله ابن عباس . والثاني : إعادتهن بعد الشَّمَط والكِبَر أبكاراً صغاراً ، قاله الضحاك . والثاني : أنهن الحُور العين ، وإنشاؤهن : إيجادهن عن غير ولادة ، قاله الزجاج . والصواب أن يقال : إن الإنشاء عمَّهُنَّ كُلَّهن ، فالحُور أُنشئن ابتداءً ، والمؤمنات أُنشئن بالإعادة وتغيير الصفات ؛ وقد روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ من المنشَآت اللاّتي كُنَّ في الدنيا عجائزَ عُمْشاً رُمْصاً " . قوله تعالى : { فَجَعَلْناهُنَّ أبْكاراً } أي : عذارى . وقال ابن عباس : لا يأتيها زوجها إِلاّ وجدها بِكْراً . قوله تعالى : { عُرُباً } قرأ الجمهور : بضم الراء . وقرأ حمزة ، وخلف : بإسكان الراء ؛ قال ابن جرير : هي لغة تميم وبكر . وللمفسرين في معنى « عُرُباً » خمسة أقوال . أحدها : أنهن المتحبِّبات إلى أزواجهن ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وابن قتيبة ، والزجاج . والثاني : أنهن العواشق ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، ومقاتل ، والمبرّد ؛ وعن مجاهد كالقولين . والثالث : الحسنة التبعُّل ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال أبو عبيدة . والرابع : الغَنِجات ، قاله عكرمة . والخامسة : الحسنة الكلام ، قاله ابن زيد . فأمّا الأتراب فقد ذكرناهن في [ ص : 52 ] . قوله تعالى : { ثُلَّةٌ من الأوَّلين ، وثُلَّةٌ من الآخِرِينَ } هذا من نعت أصحاب اليمين . وفي الأولين والآخرين خلاف ، وقد سبق شرحه [ الواقعة : 13 ] وقد زعم مقاتل أنه لمّا نزلت الآية الأولى ، وهي قوله : « وقليلٌ من الآخِرِين » وجد المؤمنون من ذلك وَجْداً شديداً حتى أُنزلت « وثُلَّةٌ من الآخِرِين » فنسختهْا . وروي عن عروة بن رُويم نحو هذا المعنى . قلت : وادِّعاء النَّسخ هاهنا لا وجه له لثلاثة أوجه . أحدها : أن علماء الناسخ والمنسوخ لم يوافقوا على هذا . والثاني : أن الكلام في الآيتين خبر ، والخبر لا يدخله النسخ ، [ فهو هاهنا لا وجه له ] . والثالث : أن الثُّلَّة بمعنى الفِرْقة والفئة ؛ قال الزجاج : اشتقاقهما من القِطعة ، والثَّلُّ : الكسر والقطع . فعلى هذا قد يجوز أن تكون الثُّلَّة في معنى القليل .