Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 2-4)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { الذين يظاهرون منكم من نسائهم } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو « يظَّهَّرون » بفتح الياء ، وتشديد الظاء والهاء وفتحهما من غير ألف . وقرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بفتح الياء ، وتشديد الظاء ، وبألف ، وتخفيف الهاء . وقرأ عاصم « يُظاهِرون » بضم الياء ، وتخفيف الظاء والهاء ، وكسر الهاء في الموضعين مع إِثبات الألف . وقرأ ابن مسعود « يتظاهرون » بياءٍ ، وتاءٍ ، وألف . وقرأ أبي بن كعب « يتظَهَّرون » بياءٍ ، وتاءٍ ، وتخفيف الياء ، وتشديد الهاء من غير ألف . وقرأ الحسن ، وقتادة ، والضحاك « يظهرون » بفتح الياء ، وفتح الظاء ، مخففة ، مكسورة الهاء مشددة . والمعنى : تقولون لهن : أنتن كظهور أمهاتنا { ما هنَّ أمهاتِهم } قرأ الأكثرون بكسر التاء . وروى المفضل عن عاصم رفعها . والمعنى : ما اللواتي تجعلن كالأمهات بأمهات لهم { إن أمهاتهم } أي ما أمهاتهم { إلا اللائي وَلَدْنَهُم } قال الفراء : وانتصاب ، « الأمهات » هاهنا بإلقاء الباء ، وهي قراءة عبد الله « ما هُنَّ بأمهاتهم » ومثله : { ما هذا بشراً } [ يوسف : 31 ] ، المعنى : ما هذا ببشرٍ ، فلما أُلقيت الباء أُبقي أثرها ، وهو : النصب ، وعلى هذا كلام أهلِ الحجاز . فأما أهل نجد ، فإنهم إذا ألقوا الباء رفعوا ، وقالوا : « ما هن أمهاتُهم » و « ما هذا بشرٌ » أنشدني بعض العرب : @ رِكابُ حُسَيْلٍ آخِرَ الصَّيْفِ بُدَّنٌ وَنَاقَةُ عَمْروٍ مَا يُحَلُّ لَها رَحْلُ وَيَزْعُمُ حَسْلٌ أَنَّهُ فَرْعُ قَوْمِهِ وَمَا أَنْتَ فَرْعٌ يا حُسَيْلُ وَلاَ أَصْلُ @@ قوله تعالى : { وإنهم } يعني : المظاهرين { ليقولون منكراً من القول } لتشبيههم الزوجات بالأمهات ، والأمهات محرمات على التأبيد ، بخلاف الزوجات . { وزوراً } أي : كذباً { وإن الله لَعَفُوٌ غَفُورٌ } إِذ شرع الكفارة لذلك . قوله تعالى : { ثم يعودون لما قالوا } اللام في « لما » بمعنى « إلى » والمعنى : ثم يعودون إلى تحليل ما حرَّموا على أنفسهم من وطء الزوجة بالعزم على الوطء . قال الفراء : معنى الآية : يرجعون عما قالوا ، وفي نقض ما قالوا . وقال سعيد بن جبير : المعنى : يريدون أن يعودوا إلى الجماع الذي قد حرَّموه على أنفسهم . وقال الحسن ، وطاووس ، والزهري : العَود : هو الوطء . وهذا يرجع إلى ما قلناه . وقال الشافعي : هو أن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه طلاقها فيه فلا يطلقها . فإذا وجد هذا ، استقرت عليه الكفارة ، لأنه قصد بالظهار تحريمها ، فإن وصل ذلك بالطلاق فقد جرى على ما ابتدأه ، وان سكت عن الطلاق ، فقد ندم على ما ابتدأ به ، فهو عود إلى ما كان عليه ، فحينئذ تجب الكفارة . وقال داود : هو إِعادة اللفظ ثانياً ، لأن ظاهر قوله تعالى : { يعودون } يدل على تكرير اللفظ . قال الزجاج : وهذا قول من لا يدري اللغة . وقال أبو علي الفارسي : ليس في هذا كما ادَّعَوا ، لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن الإنسان عليه قبلُ ، وسميت الآخرةُ معاداً ، ولم يكن فيها أحد ثم عاد إليها . قال الهذلي : @ وعَادَ الفَتَى كالكَهْلِ لَيْسَ بِقَائِلٍ سِوى الحَقِّ شيئاً واسْتَرَاحَ العَواذِلُ @@ وقد شرحنا هذا في قوله تعالى : { وإِلى الله ترجع الأمور } [ البقرة : 210 ] قال ابن قتيبة : من توَّهم أن الظهار لا يقع حتى يلفظ به ثانية ، فليس بشيء ، لأن الناس قد أجمعوا أن الظهار يقع بلفظ واحد . وإنما تأويل الآية : أن أهل الجاهلية كانوا يطلِّقون بالظهار ، فجعل الله حكم الظهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في الجاهلية ، وأنزل قوله تعالى : « والذين يظاهرون من نسائهم » يريد في الجاهلية « ثم يعودون لما قالوا » في الإسلام ، أي : يعودون لما كانوا يقولونه من هذا الكلام ، { فتحرير رقبة } قال المفسرون : المعنى : فعليهم ، أو فكفارتهم تحرير رقبة ، أي : عتقها . وهل يشترط أن تكون مؤمنة ؟ فيه عن أحمد روايتان . قوله تعالى : { من قبل أن يتماسا } وهو : كناية عن الجماع على أن العلماء قد اختلفوا : هل يباح للمظاهر الاستمتاع باللمس والقبلة ؟ وعن أحمد روايتان . وقال أبو الحسن الأخفش : تقدير الآية « والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة » لما قالوا ثم يعودون إلى نسائهم . فصل إذا وطىء المظَاهِرُ قبل أن يكفِّر أَثِمَ ، واستقرَّت الكفارة . وقال أبو حنيفة : يسقط الظهار والكفارة . واختلف العلماء فيما يجب عليه إِذا فعل ذلك ، فقال الحسن ، وسعيد بن المسيب ، وطاووس ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وابن سيرين : عليه كفارة واحدة . وقال الزهري ، وقتادة ، في آخرين : عليه كفارتان . فإن قال : أنت عليَّ كظهر أمي اليوم ، بطل الظهار بمضيِّ اليوم ، هذا قول أصحابنا ، وأبي حنيفة ، والثوري ، والشافعي . وقال ابن أبي ليلى ، ومالك ، والحسن بن صالح : هو مظاهر أبداً . واختلفوا في الظهار من الأمة ، فقال ابن عباس : ليس من أمة ظهار ، وبه قال سعيد بن المسيب ، والشعبي ، والنخعي ، وأبو حنيفة ، والشافعي . وقال سعيد بن جبير ، وطاووس ، وعطاء ، والأوزاعي ، والثوري ، ومالك : هو ظهار . ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال : لا يكون مظاهراً من أمته ، ولكن تلزمه كفارة الظهار ، كما قال في المرأة إِذا ظاهرت من زوجها لم تكن مظاهرة ، وتلزمها كفارة الظهار . واختلفوا فيمن ظاهر مراراً ، فقال أبو حنيفة ، والشافعي : إن كان في مجالس ، فكفارات ، وإن كان في مجلس واحد ، فكفارة : قال القاضي أبو يعلى : وعلى قول أصحابنا : يلزمه كفارة واحدة ، سواء كان في مجلس ، أو في مجالس ، ما لم يكفِّر ، وهذا قول مالك . قوله تعالى : { ذلكم توعَظون به } قال الزجاج : ذلكم التغليظ توعظون به . والمعنى : أن غِلَظَ الكفارة وَعْظٌ لكم حتى تتركوا الظهار . قوله تعالى : { فمن لم يجد } يعني : الرقبة { فصيام شهرين } أي : فعليه صيام شهرين { متتابعين فمن لم يستطع } الصيام { ف } كفَّارته { إطعام ستين مسكيناً ذلك } أي : الفرض ذلك الذي وصفنا { لتؤمنوا بالله ورسوله } أي : تصدِّقوا بأنَّ الله أمر بذلك ، وتصدِّقوا بما أتى به الرسولُ { وتلك حدود الله } يعني : ما وصفه الله من الكفَّارات في الظِّهار { وللكافرين عذاب أليم } قال ابن عباس : لمن جحد هذا وكذَّب به .