Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 5-24)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فلم يزدهم دعائي إِلا فراراً } أي : تباعداً من الإيمان { وإني كلما دعوتهم } إلى الإيمان والطاعة { جعلوا أصابعهم في آذانهم } لئلا يسمعوا صوتي { واستغْشَوْا ثيابهم } أي : غطوا بها وجوههم لئلا يَرَوْني { وأصَرُّوا } على كفرهم { واستكبروا } عن الإيمان بك واتِّباعي { ثم إِني دعوتهم جهاراً } أي : معلناً لهم بالدعاء . قال ابن عباس : بأعلى صوتي { ثم إني أعلنت لهم } أي : كرَّرت الدعاء معلناً { وأسررت لهم إِسراراً } قال ابن عباس : يريد أكلِّم الرجل بعد الرجل في السِّرِّ ، وأدعوه إلى توحيدك وعبادتك { فقلت استغفروا ربكم } قال المفسرون : منع الله عنهم القطر ، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، فقال لهم نوح { استغفروا ربكم } من الشرك ، أي : استدعوا مغفرته بالتوحيد { يرسلِ السماء عليكم مدراراً } قد شرحناه في أول [ الأنعام : 6 ] ومعنى الكلام أنه أخبرهم أن الإيمان يجمع لهم خير الدنيا والآخرة . قوله تعالى : { ما لكم لا ترجون لله وقاراً ؟ } فيه أربعة أقوال . أحدها : لا تَرَوْن لله عظمة ، قال الفراء ، وابن قتيبة . والثاني : لا تخافون عظمة الله ، قاله الفراء ، وابن قتيبة . والثالث : لا تَرَوْن لله طاعة ، قاله ابن زيد . والرابع : لا ترجون عاقبة الإيمان والتوحيد ، قاله الزجاج { وقد خلقكم أطواراً } أي : وقد جعل لكم في أنفسكم آيةً تدل على توحيده من خلقه إياكم من نطفة ، ثم من علقة شيئاً بعد شيء إلى آخر الخلق . قال ابن الأنباري : الطَّوْر : الحال ، وجمعه : أطوار . وقال ابن فارس : الطَّوْر : التارة ، طوراً بعد طور ، أي : تارةً بعد تارة . وقيل أراد بالأطوار : اختلاف المناظر والأخلاق ، من طويل ، وقصير ، وغير ذلك ، ثم قَرَّرَهم ، فقال تعالى : { ألم تَرَوْا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً } وقرأ ابن مسعود ، وابن أبي عبلة : « طباقٍ » بتنوين القاف ، وكسرها من غير ألف . وقد بيَّنَّا هذا في سورة [ الملك : 3 ] . قوله تعالى : { وجعل القمر فيهنَّ نوراً } فيه قولان . أحدهما : أن وجهَ القمر قِبَل السموات ، وظهرَه قِبَل الأرض ، يضيء ، لأهل السموات ، كما يضيء لأهل الأرض ، وكذلك الشمس ، هذا قول عبد الله ابن عمرو . والثاني : أن القمر في السماء الدنيا ، وإنما قال « فيهن » لأنهن كالشيء الواحد ، ذكره الأخفش والزجاج ، وغيرهما . وهذا كما تقول : أتيت بني تميم ، وإنما أتيتَ بعضهم ، وركبتُ السفن ، { وجعل الشمس سراجاً } يستضيء بها العالم { والله أنبتكم من الأرض } يعني : أن مبتدأ خلقكم من الأرض ، وهو آدم { نباتاً } قال الخليل : معناه : فنبتُّم نباتاً . وقال الزجاج : « نباتاً » محمول في المصدر على المعنى ، لأن معنى أنبتكم : جعلكم تنبتون نباتاً . قال ابن قتيبة : هذا مما جاء فيه المصدر على غير المصدر ، لأنه جاء على نبت . ومثله : { وتبتَّل إليه تبتيلاً } [ المزمل : 8 ] فجاء على « بَتَّل » . قال الشاعر : @ وَخَيْرُ الأَمْرِ ما استقبلتَ منـ ه وليس بِأَنْ تَتَبَّعَهُ اتِّباعاً @@ فجاء على اتَّبَعْتُ . وقال الآخر : @ وإن شئتم تعاودنا عواداً @@ فجاء على « عوادنا » وإنما تجيء المصادر مخالفة الأفعال ، لأن الأفعال وإن اختلفت أبنيتها ، واحدة في المعنى . قوله تعالى : { سبلاً فجاجاً } قال الفراء : هي الطرق الواسعة . قوله تعالى : { واتَّبعوا مَنْ لم يزده مالُه وولدُه } قرأ أهل المدينة ، وابن عامر ، وعاصم ، « ووَلَده » بفتح اللام والواو . وقرأ الباقون « وُلْده » بضم الواو ، وسكون اللام . قال الزجاج : وهما بمعنى واحد ، مثل العَرَب ، والعُرْب ، والعَجَم ، والعُجْم ، وقرأ الحسن ، وأبو العالية ، وابن يعمر ، والجحدري ، « وَوِلْده » بكسر الواو ، وإسكان اللام . قال المفسرون : المعنى : أن الأتباع ، والفقراء اتَّبَعوا رَأْيَ الرؤساء والكبراء . قوله تعالى : { ومكروا مكراً كُبَّاراً } قرأ أبو رجاء ، وأبو عمران : « كُبَارا » برفع الكاف ، وتخفيف الباء . وقرأ ابن يعمر ، وأبو الجوزاء ، وابن محيصن : « كِبَارا » بكسر الكاف مع تخفيف الباء . والمعنى : « كبيراً » يقال : كبير ، وكبار ، وقد شرحنا هذا في أول { ص } ومعنى « المكر » : السعي في الفساد . وذلك أن الرؤساء منعوا أتباعهم من الإيمان بنوح { وقالوا لا تَذَرُنَّ آلهتَكم } أي : لا تَدَعُنَّ عبادتها { ولا تَذَرُنَّ وداً } قرأ أبو جعفر ، ونافع بضم الواو . والباقون بفتحها . وهذا الاسم وما بعده أسماء آلهتهم . وجاء في التفسير أن هذه أسماء قوم صالحين ، كانوا بين آدم ونوح . ونشأ قوم بعدهم يأخذون بأخذهم في العبادة ، فقال لهم إبليس : لو صورتم صُوَرَهُمْ كان أنشط لكم ، وأشوق للعبادة ، ففعلوا . ثم نشأ قوم بعدهم ، فقال لهم إبليس : إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم ، فعبدوهم ، وكان ابتداء عبادة الأوثان من ذلك الوقت . وسميت تلك الصور بهذه الأسماء ، لأنهم صوروها على صور أولئك القوم المسمّين بهذه الأسماء . وقيل : إنما هي أسماء لأولاد آدم ، مات ، منهم واحد ، فجاء الشيطان فقال : هل لكم أن أصور لكم صورته ، فتذكرونه بها ؟ فصورها . ثم مات آخر ، فصور لهم صورته ، إلى أن صور صوراً خمسة . ثم طال الزمان . وتركوا عبادة الله ، فقال لهم الشيطان : ما لكم لا تعبدون شيئاً ؟ فقالوا : لمن نعبد ؟ قال هذه آلهتكم ، وآلهة آبائكم ، ألا ترونها مصوَّرة في مصلاكم ؟ ! فعبدوها . وقال الزجاج : هذه الأصنام كانت لقوم نوح ، ثم صارت إِلى العرب ، فكان « ود » لكلب ، و « سواع » لهمدان ، و « يغوث » لبني غطيف ، وهم حي من مراد . وقيل : لما جاء الطوفان غطى على هذه الأصنام وطمَّها التراب ، فلما ظهرت بعد الطوفان صارت إلى هؤلاء المذكورين ، قال الواقدي : كان « ود » على صورة رجل ، « وسواع » على صورة امرأة ، « ويغوث » على صورة أسد ، و « يعوق » على صورة فرس ، و « نسر » على صورة النسر من الطير . قوله تعالى : { وقد أضلوا كثيراً } فيه قولان . أحدهما : وقد أضلت الأصنام كثيراً من الناس ، أي : ضلوا بسببها . والثاني : وقد أضلَّ الكبراء كثيراً من الناس { ولا تزد الظالمين } يعني : الكافرين { إلا ضلالاً } وهذا دعاء من نوح عليهم ، لما أعلمه الله أنهم لا يؤمنون .