Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 67-67)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ما كان لنبيٍّ أن تكون له أسرى حتى يُثْخِنَ في الأرض } روى مسلم في أفراده من حديث عمر بن الخطاب قال : " لما هزم الله المشركين يوم بدر ، وقُتل منهم سبعون وأُسِرَ منهم سبعون ، استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً ، فقال أبو بكر : يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والاخوان ، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية ، فيكون ما أخذنا منهم قوَّةً لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضداً . فقال رسول الله : « ما ترى يا ابن الخطاب » ؟ قلت : والله ما أرى ما رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكنني من فلان ، قريبٌ لعمر ، فأضرب عنقه ، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من أخيه فلان فيضرِبَ عنقه ، حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم . فَهِويَ رسول الله ما قال أبو بكر ، ولم يهوَ ما قلت ، فأخذ منهم الفداء . فلما كان من الغد ، غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاذا هو قاعد وأبو بكر الصديق وهما يبكيان . فقلت : يا رسول الله أخبرني ، ماذا يبكيك أنت وصاحبك ؟ فان وجدت بكاءً بكَيت ، وإن لم أجد بكاءً تباكيت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أبكي للذي عرض عليَّ أصحابُك من الفداء . لقد عُرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة » لشجرة قريبة ، فأنزل الله { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } إلى قوله { عظيم } . وروي عن ابن عمر قال : لما أشار عمر بقتلهم ، وفاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنزل الله تعالى { ما كان لنبي } إلى قوله { حلالاً طيباً } فلقي النبي صلى الله عليه وسلم عمر ، فقال : « كاد يصيبنا في خلافك بلاء » " فأما الأسرى ، فهو جمع أسير ، وقد ذكرناه في [ البقرة : 85 ] . والجمهور قرؤوا « أن يكون » بالياء ، لأن الاسراء مذكَّرون . وقرأ أبو عمرو : « أن تكون » ، قال أبو علي : أنَّثَ على لفظ الأسرى ، لأن الأسرى وإن كان المراد به التذكير والرجال فهو مؤنَّث اللفظ . والأكثرون قرؤوا : « أسرى » وكذلك { لمن في أيديكم من الأسرى } . قرأ أبو جعفر ، والمفضل : « أُسارى » في الموضعين ، ووافقهما أبو عمرو ، وأبان في الثاني . قال الزجاج : والإثخان في كل شيء : قُوَّة الشيء وشِدَّته . يقال : قد أثخنه المرض : إذا اشتدت قُوَّته عليه . والمعنى : حتى يبالغ في قتل أعدائه . ويجوز أن يكون المعنى : حتى يتمكن في الأرض . قال المفسرون : معنى الآية : ما كان لنبي أن يحبس كافراً قدر عليه للفداء أو المن قبل الإثخان في الارض . وكانت غزاة بدر أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن قد أثخن في الأرض بعد . { تريدون عرض الدنيا } وهو المال ، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد فادوا يومئذ بأربعة آلاف أربعة آلاف . وفي قوله : { والله يريد الآخرة } قولان . أحدهما : يريد لكم الجنة ، قاله ابن عباس . والثاني : يريد العمل بما يوجب ثواب الآخرة ، ذكره الماوردي . فصل وقد روي عن ابن عباس ، و مجاهد في آخرين : أن هذه الآية منسوخة بقوله : { فاما منَّاً بعدُ وإِمَّا فداءً } [ محمد : 4 ] ، وليس للنسخ وجه ، لأن غزاة بدر كانت وفي المسلمين قِلَّةٌ ، فلما كثروا واشتدَّ سلطانُهم ، نزلت الآية الأخرى ، ويبيِّن هذا قولُه : { حتى يثخن في الأرض } .