Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 83, Ayat: 7-28)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كلا } ردع وزجر ، أي : ليس الأمر على ما هم عليه ، فليرتدعوا . وهاهنا تم الكلام عند كثير من العلماء . وكان أبو حاتم يقول : « كلا » ابتداء يتصل بما بعده على معنى « حقاً » { إن كتاب الفجار } قال مقاتل : إن كتاب أعمالهم { لفي سجين } وفيها أربعة أقوال : أحدها : أنها الأرض السابعة ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد ، ومقاتل . وروي عن مجاهد قال : « سجين » صخرة تحت الأرض السابعة ، يجعل كتاب الفجار تحتها ، وهذه علامة لخسارتهم ، ودلالة على خساسة منزلتهم . والثاني : أن المعنى إن كتابهم لفي سفال ، قاله الحسن . والثالث : لفي خسار ، قاله عكرمة . والرابع : لفي حبس ، فعِّيل من السجن ، قاله أبو عبيدة . قوله تعالى : { وما أدراك ما سجين } هذا تعظيم لأمرها . وقال الزجاج : أي : ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك . قوله تعالى : { كتاب مرقوم } أي : ذلك الكتاب الذي في سجين كتاب مرقوم ، أي : مكتوب . قال ابن قتيبة : والرقم : الكتاب ، قال أبو ذؤيب : @ عَرَفْتُ الدِّيَارَ كَرَقْمِ الدَّوَا ةِ يَزْبُرُه الكَاتِبُ الحِمْيَرِيُّ @@ وأنشده الزجاج : « يَذْبِرها » بالذال المعجمة ، وكسر الباء . قال الأصمعي : يقال : زبر : كتب ، وذبر : قرأ . وروى أبو عمرو عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، قال : الصواب : زبرت بالزاي كتبت . وذبرت بالذال أتقنت ما حفظت . قال : والبيت يزبرها ، بالزاي والضم . وقال ابن قتيبة : يروى « يزبرُها » و « يذبرُها » وهو مثله ، يقال : زبر الكتاب يزبرُه ، ويزبرِه . وذَبره يذبرُه ، ويذبِره . وقال قتادة : رقّم له بشرٍّ ، كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنه الكافر . وقيل : المعنى : إنه مثبت لهم كالرقم في الثوب ، لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به . قوله تعالى : { ويل يومئذ للمكذبين } هذا منتظم بقوله تعالى : { يوم يقوم الناس } وما بينهما كلام معترض . وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله تعالى : { بل ران على قلوبهم } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر « بل ران » بفتح الراء مدغمة ، وقرأ أبو بكر عن عاصم « بل ران » مدغمة بكسر الراء . وقرأ حفص عن عاصم « بل » بإظهار اللام « ران » بفتح الراء . قال اللغويون : أي : غلب على قلوبهم ، يقال : الخمرة ترين على عقل السكران . قال الزجاج : قرئت بإدغام اللام في الراء ، لقرب ما بين الحرفين ، وإظهار اللام جائز ، لأنه من كلمة ، والرأس من كلمة أخرى . ويقال : ران على قلبه الذَّنْب يرين ريناً : إذا غشي على قلبه ، ويقال : غان يغين غنياً ، والغين كالغيم الرقيق ، والرين كالصدأ يغشى على القلب . وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول : الغين يقال : بالراء ، وبالغين ، ففي القرآن « كلا بل ران » وفي الحديث " إنه ليغان على قلبي " وكذلك الراية تقال بالراء ، وبالغين ، والرميصاء تكتب « بالغين » ، وبالراء ، لأن الرمص يكتب بهما . قال المفسرون : لما كثرت معاصيهم وذنوبهم أحاطت بقلوبهم . قال الحسن : هو الذَّنب على الذَّنب حتى يعمى القلب . قوله تعالى : { كلا } أي : لا يصدِّقون . ثم استأنف { إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } قال ابن عباس : إنهم عن النظر إلى ربهم يومئذ لمحجوبون ، والمؤمن لا يحجب عن رؤيته . وقال مالك بن أنس : لما حجب أعداءه فلم يَرَوْه تجلَّى لأوليائه حتى رأوه . وقال الشافعي : لما حجب قوما بالسُّخْطِ دل على أن قوماً يَرَوْنه بالرضى . وقال الزجاج : في هذه الآية دليل على أن الله عز وجل يُرى في القيامة . ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة ، ولا خسَّت منزلة الكفار بأنهم يحجبون عن ربهم . ثم من بعد حجبهم عن الله يدخلون النار ، فذلك قوله تعالى { ثم إنهم لصالوا الجحيم } . قوله تعالى : { ثم يقال } أي : يقول لهم خزنة النار : { هذا } العذاب { الذي كنتم به تكذبون . كلا } أي : لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه . ثم أعلم أين محل { كتاب الأبرار } فقال تعالى : { لفي عليِّين } وفيها سبعة أقوال . أحدها : أنها الجنة ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثاني : أنه لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش فيه أعمالهم مكتوبة ، روي عن ابن عباس أيضاً . والثالث : أنها السماء السابعة ، وفيها أرواح المؤمنين ، قاله كعب ، وهو مذهب مجاهد ، وابن زيد . والرابع : أنها قائمة العرش اليمنى ، قاله قتادة . وقال مقاتل : ساق العرش . والخامس : أنه سدرة المنتهى ، قاله الضحاك . والسادس : أنه في علو وصعود إلى الله عز وجل ، قاله الحسن . وقال الفراء : في ارتفاع بعد ارتفاع . والسابع : أنه أعلى الأمكنة ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { وما أدراك ما عليُّون } هذا تعظيم لشأنها . قوله تعالى : { كتاب مرقوم } الكلام فيه كالكلام في الآية التي قبلها . قوله تعالى : { يشهده المقربون } أي : يحضر المقرَّبون من الملائكة ذلك المكتوب ، أو ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين . وما بعد هذا قد سبق بيانه [ الانفطار : 13 ] إلى قوله تعالى : { ينظرون } وفيه قولان . أحدهما : إلى ما أعطاهم الله من الكرامة . والثاني : إلى أعدائهم حين يعذَّبون . قوله تعالى : { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } وقرأ أبو جعفر ، ويعقوب ، « تُعرَف » بضم التاء ، وفتح الراء « نضرةُ » بالرفع . قال الفراء : بريق النعيم ونداه ، قال المفسرون : إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعيم ، لما ترى من الحسن والنور . وفي « الرحيق » ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الخمر ، قاله الجمهور . ثم اختلفوا أي الخمر هي على أربعة أقوال . أحدها : أجود الخمر ، قاله الخليل بن أحمد . والثانية : الخالصة من الغش ، قاله الأخفش . والثالث : الخمر البيضاء ، قاله مقاتل . والرابع : الخمر العتيقة ، حكاه ابن قتيبة . والقول الثاني : أنه عين في الجنة مشوبة بالمسك ، قاله الحسن . والثالث : أنه الشراب الذي لا غش فيه ، قاله ابن قتيبة ، والزجاج . وفي قوله تعالى { مختوم } ثلاثة أقوال . أحدها : ممزوج ، قاله ابن مسعود . والثاني : مختوم على إنائه ، وإلى نحو هذا ذهب مجاهد . والثالث : له ختام ، أي : عاقبة ريح ، وتلك العاقبة هي قوله تعالى : ختامه مسك ، أي : عاقبته . هذا قول أبي عبيدة . { ختامه مسك } قرأ ابن كثير ، وعاصم ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة « ختامه » بكسر الخاء ، وبفتح التاء ، وبألف بعدهما ، مرفوعه الميم . وقرأ الكسائي « خَاتَمه » بخاء مفتوحة ، بعدها ألف ، وبعدها تاء مفتوحة . وروى الشيزري « خَاتِمه » مثل ذلك ، إلا أنه يكسر التاء . وقرأ أُبَيُّ بن كعب ، وعروة ، وأبو العالية : « خَتَمه » بفتح الخاء والتاء و [ بضم ] الميم من غير ألف . وللمفسرين في قوله تعالى : { ختامه مسك } أربعة أقوال . أحدها : خلطه مسك ، قاله ابن مسعود ، ومجاهد . والثاني : أن ختمه الذي يختم به الإناء مسك ، [ قاله ابن عباس . والثالث : أن طعمه وريحه مسك ، قاله علقمة . والرابع : أن آخر طعمه مسك ] قاله سعيد بن جبير ، والفراء ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج في آخرين . قوله تعالى : { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } أي : فليجدُّوا في طلبه ، وليحرصوا عليه بطاعة الله . والتنافس : كالتشاحّ على الشيء ، والتنازع فيه . قوله تعالى : { ومزاجه من تسنيم } فيه قولان . أحدهما : أنه اسم عين في الجنة يشربها المقربون صرفاً ، وتمزج لأصحاب اليمين . والثاني : أن التسنيم الماء ، قاله الضحاك . قال مقاتل : وإنما سمي تسنيماً ، لأنه يتسنّم عليه من جنة عدن ، فينصبُّ عليهم انصباباً ، فيشربون الخمر من ذلك الماء . قال ابن قتيبة : يقال : إن التسنيم أرفع شراب في الجنة . ويقال : إنه يمتزج بماءٍ ينزل من تسنيم ، أي : من علو . وأصل هذا من سنام البعير ، ومن تسنيم القبور . وهذا أعجب إليَّ ، لقول المسيَّب بن عَلَس في وصف امرأة : @ كَأَنَّ بِرِيقَتِها لِلْمِزَا جِ مِنْ ثَلْجِ تَسْنِيمَ شِيْبَتْ عُقَاراً @@ أراد كأن بريقتها عُقَاراً شِيْبَتْ للمزاج من ثلج تسنيم ، يريد : جبلاً . قال الزجاج : المعنى : ومزاجه من تسنيم عيناً تأتيهم من تسنيم ، أي : من علو يَتَسَنَّم عليهم من الغرف . فـ « عيناً » في هذا القول منصوبة ، كما قال تعالى : { أو إطعامٌ في يوم ذي مَسْغَبَة يتيماً } [ البلد : 15 ] ويجوز أن تكون « عيناً » منصوبة بقوله : يُسْقَوْن عيناً ، أي : من عين . وقد بينا معنى { يشرب بها } في [ هل أتى : 6 ] .