Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 63-71)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالُواْ إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } يعني موسى وهارون . قرأ أبو عمرو { إن هَـذينِ لَسَاحِرٰنِ } وهو ظاهر ولكنه مخالف للإمام ، وابن كثير وحفص والخليل وهو أعرف بالنحو واللغة { إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } بتخفيف { إن } مثل قولك « إن زيد لمنطلق » واللام هي الفارقة بين « إن » النافية والمخففة من الثقيلة . وقيل : هي بمعنى « ما » واللام بمعنى إلا أي ما هذان إلا ساحران دليله قراءة أبيّ { إن ذان إلا ساحران } وغيرهم { إِنْ هَـٰذٰنِ لَسَاحِرٰنِ } قيل هي لغة بلحارث بن كعب وخثعم ومراد وكنانة فالتثنية في لغتهم بالألف أبداً فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب كعصا وسعدى قال : @ إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها @@ وقال الزجاج : إن بمعنى نعم ، قال الشاعر : @ ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنه @@ أي نعم والهاء للوقف . و { هَـٰذَانِ } مبتدأ و { ساحران } خبر مبتدأ محذوف واللام داخلة على المبتدأ المحذوف تقديره : هذان لهما ساحران فيكون دخولهما في موضعها الموضوع لها وهو الابتداء ، وقد يدخل اللام في الخبر كما يدخل في المبتدأ قال : @ خالي لأنت ومن جرير خاله @@ قال : فعرضته على المبرد فرضيه وقد زيفه أبو عليّ . { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ } مصر { بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ } بدينكم وشريعتكم { ٱلْمُثْلَىٰ } الفضلى تأنيث الأمثل وهو الأفضل { فَأَجْمِعُواْ } فأحكموا أي اجعلوه مجمعاً عليه حتى لا تختلفوا . { فَأَجْمِعُواْ } أبو عمرو ويعضده { فَجَمَعَ كَيْدَهُ } { كَيْدَكُمْ } هو ما يكاد به { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } مصطفين حال أمروا بأن يأتوا صفاً لأنه أهيب في صدور الرائين { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } وقد فاز من غلب وهو اعتراض . { قَالُواْ } أي السحرة { يٰمُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ } عصاك أولاً { وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } ما معنا وموضع « أن » مع ما بعده فيهما نصب بفعل مضمر ، أو رفع بأنه خبر مبتدأ محذوف معناه اختر أحد الأمرين ، أو الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا . وهذا التخيير منهم استعمال أدب حسن معه وكأنه تعالى ألهمهم ذلك وقد وصلت إليهم بركته وعلم موسى اختيار إلقائهم أولاً حتى { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ } أنتم أولاً ليبرزوا ما معهم من مكايد السحر ويظهر الله سلطانه ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه ، ويسلط المعجزة على السحر فتمحقه فيصير آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين فألقوا { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ } يقال في { إِذَا } هذه : إذا المفاجأة والتحقيق أنها إذا الكائنة بمعنى الوقت الطالبة ناصباً لها وجملة تضاف إليها ، وخصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلاً مخصوصاً وهو فعل المفاجأة والجملة ابتدائية لا غير والتقدير : ففاجأ موسى وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم والمعنى على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي { يُخَيَّلُ } وبالتاء : ابن ذكوان { إِلَيْهِ } إلى موسى { مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } رفع بدل اشتمال من الضمير في { يُخَيَّلُ } أي يخيل الملقى . رُوي أنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت واهتزت فخيلت ذلك . { فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } أضمر في نفسه خوفاً ظنًّا منه أنها تقصده للجبلة البشرية أو خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } الغالب القاهر . وفي ذكر « إن » و « أنت » وحرف التعريف ولفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة مبالغة بينة . { وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ } بسكون اللام والفاء وتخفيف القاف : حفص و { تَلْقَفْ } : ابن ذكوان ، الباقون { تَلْقَفْ } { مَا صَنَعُواْ } زوراً وافتعلوا أي اطرح عصاك تبتلع عصيهم وحبالهم . ولم يقل عصاك تعظيماً لها أي لا تحتفل بما صنعوا فإن ما في يمينك أعظم منها ، أو تحقيراً أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد الذي في يمينك فإنه بقدرتنا يتلقفها على وحدته وكثرتها { إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ } كوفي غير عاصم سحر بمعنى ذي سحر أو ذوي سحر أو هم لتوغلهم في السحر كأنهم السحر ، و { كَيْدَ } بالرفع على القراءتين و « ما » موصولة أو مصدرية . وإنما وحد { سَـٰحِرٌ } ولم يجمع لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية لا إلى معنى العدد ، فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد ألا ترى إلى قوله { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّـٰحِرُ } أي هذا الجنس { حَيْثُ أَتَىٰ } أينما كان فألقى موسى عصاه فتلقفت ما صنعوا فلعظم ما رأوا من الآية وقعوا إلى السجود فذلك قوله { فَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً } قال الأخفش : من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا فما أعجب أمرهم قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود ، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود ، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين . رُوي أنهم رأوا الجنة ومنازلهم فيها في السجود فرفعوا رؤوسهم ثم { قَالُواْ امَنَّا بِرَبّ هَـٰرُونَ وَمُوسَىٰ } وإنما قدم « هارون » هنا وأخر في الشعراء محافظة للفاصلة ولأن الواو لا توجب ترتيباً { قَالَ ءامَنتُمْ } بغير مد : حفص ، وبهمزة ممدودة : بصري وشامي وحجازي ، وبهمزتين : غيرهم { لَهُ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ } أي لموسى . يقال : آمن له وآمن به { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسّحْرَ } لعظيمكم أو لمعلمكم ، تقول أهل مكة للمعلم : أمرني كبيري { فَلأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ } القطع من خلاف أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى لأن كل واحد من العضوين يخالف الآخر بأن هذا يد وذاك رجل وهذا يمين وذاك شمال ، و « من » لابتداء الغاية لأن القطع مبتدأ وناشىء من مخالفة العضو ، ومحل الجار والمجرور النصب على الحال يعني لأقطعنها مختلفات لأنها إذا خالف بعضها بعضاً فقد اتصفت بالاختلاف ، شبه تمكن المصلوب في الجذع بتمكن المظروف في الظرف فلهذا قال { وَلأُصَلّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } وخص النخل لطول جذوعها { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً } أنا على ترك إيمانكم بي أو رب موسى على ترك الإيمان به . وقيل : يريد نفسه لعنه الله وموسى صلوات الله وسلامه عليه بدليل قوله { آمنتم له } واللام مع الإيمان في كتاب الله لغير الله كقوله { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 61 ] { وَأَبْقَىٰ } أدوم .