Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 19-30)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى ٱلنَّارِ } أصل الكلام أمن حق عليه كلمة العذاب أي وجب { أَفَأَنتَ } جملة شرطية دخلت عليها همزة الانكار والفاء فاء الجزاء ، ثم دخلت الفاء التي في أولها للعطف على محذوف تقديره : أأنت مالك أمرهم ؟ فمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه ، والهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الانكار . ووضع { مَن فِى ٱلنَّارِ } موضع الضمير أي تنقذه ، فالآية على هذا جملة واحدة ، أو معناه : أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه ، أفأنت تنقذه أي لا يقدر أحد أن ينقذ من أضله الله وسبق في علمه أنه من أهل النار { لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ } أي لهم منازل في الجنة رفيعة وفوقها منازل أرفع منها يعني للكفار ظلل من النار وللمتقين غرف { مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } أي من تحت منازلها { وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ } وعد الله مصدر مؤكد ، لأن قوله { لَهُمْ غُرَفٌ } في معنى وعدهم الله ذلك . { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } يعني المطر . وقيل : كل ماء في الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة ثم يقسمه الله { فَسَلَكَهُ } فادخله { يَنَابِيعَ فِى ٱلأَرْضِ } عيوناً ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد . و { يَنَابِيعَ } نصب على الحال أو على الظرف و { فِى ٱلأَرْضِ } صفة لـ { يَنَابِيعَ } . { ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ } بالماء { زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } هيئاته من خضرة وحمرة وصفرة وبياض أو أصنافه من بن وشعير وسمسم وغير ذلك { ثُمَّ يَهِـيجُ } يجف { فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً } بعد نضارته وحسنه { ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَـٰماً } فتاتاً متكسراً ، فالحطام ما تفتت وتكسر من النبت وغيره { إِنَّ فِى ذَٰلِكَ } في إنزال الماء وإخراج الزرع { لَذِكْرَىٰ لأُِوْلِى ٱلأَلْبَـٰبِ } لتذكيراً وتنبيهاً على أنه لا بد من صانع حكيم ، وأن ذلك كائن عن تقدير وتدبير لا عن إهمال وتعطيل { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ } أي وسع صدره { لِلإِسْلَـٰمِ } فاهتدى ، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرح فقال : " « إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح » فقيل : فهل لذلك من علامة ؟ قال نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت " { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبّهِ } بيان وبصيرة ، والمعنى : أفمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فقسا قلبه ؟ فحذف لأن قوله { فَوَيْلٌ لِّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } يدل عليه { مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } أي من ترك ذكر الله أو من أجل ذكر الله أي إذا ذكر الله عندهم أو آياته ازدادت قلوبهم قساوة كقوله { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ] { أُوْلَـئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } غواية ظاهرة . { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } في إيقاع اسم { ٱللَّهِ } مبتدأ وبناء { نَزَّلَ } عليه تفخيم لأحسن الحديث { كِتَـٰباً } بدل من { أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } أو حال منه { مُّتَشَـٰبِهاً } يشبه بعضه بعضاً في الصدق والبيان والوعظ والحكمة والإعجاز وغير ذلك { مَّثانِىَ } نعت { كِتَـٰباً } جمع مثنى بمعنى مردد ومكرر لما ثنى من قصصه وأنبائه وأحكامه وأوامره ونواهيه ووعده ووعيده ومواعظه ، فهو بيان لكونه متشابهاً لأن القصص المكررة وغيرها لا تكون إلا متشابهة . وقيل : لأنه يثنّى في التلاوة فلا يمل . وإنما جاز وصف الواحد بالجمع لأن الكتاب جملة ذات تفاصيل ، وتفاصيل الشيء هي جملته ، ألا تراك تقول : القرآن أسباع وأخماس وسور وآيات ؟ فكذلك تقول : أقاصيص وأحكام ومواعظ مكررات . أو منصوب على التمييز من { مُّتَشَـٰبِهاً } كما تقول : رأيت رجلاً حسناً شمائل ، والمعنى متشابهة مثانية { تَقْشَعِرُّ } تضطرب وتتحرك { مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } يقال : اقشعر الجلد إذا تقبض تقبضاً شديداً . والمعنى أنهم إذا سمعوا بالقرآن وبآيات وعيده أصابتهم خشية تقشعر منها جلودهم ، وفي الحديث " إذا اقشعر جلد المؤمن من خشية الله تحاتّت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها " { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } أي إذا ذكرت آيات الرحمة لانت جلودهم وقلوبهم وزال عنها ما كان بها من الخشية والقشعريرة . وعُدي بـ « إلى » لتضمنه معنى فعل متعد بـ « إلى » كأنه قيل : اطمأنت إلى ذكر الله لينة غير متقبضة . واقتصر على ذكر الله من غير ذكر الرحمة ، لأن رحمته سبقت غضبه فلأصالة رحمته إذا ذكر الله لم يخطر بالبال إلا كونه رءوفاً رحيماً . وذكرت الجلود وحدها أولاً ثم قرنت بها القلوب ثانياً لأن محل الخشية القلب فكان ذكرها يتضمن ذكر القلوب { ذٰلِكَ } إشارة إلى الكتاب وهو { هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَآءُ } من عباده وهو من علم منهم اختيار الاهتداء { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } يخلق الضلالة فيه { فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } إلى الحق . { أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } كمن أمن من العذاب فحذف الخبر كما حذف في نظائره وسوء العذاب شدته ، ومعناه أن الإنسان إذا لقي مخوفاً من المخاوف استقبله بيده وطلب أن يقي بها وجهه لأنه أعز أعضائه عليه ، والذي يلقى في النار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه الذي كان يتقي المخاوف بغيره وقاية له ومحاماة عليه { وَقِيلَ لِلظَّـلِمِينَ } أي تقول لهم خزنة النار { ذُوقُواْ } وبال { مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } أي كسبكم { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من قبل قريش { فَأَتَـٰهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } من الجهة التي لا يحتسبون ولا يخطر ببالهم أن الشر يأتيهم منها بيناهم آمنون إذ فوجئوا من مأمنهم { فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْىَ } الذل والصغار كالمسخ والخسف والقتل والجلاء ونحو ذلك من عذاب الله { فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبْرُ } من عذاب الدنيا { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } لآمنوا . { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ليتعظوا { قُرْءَاناً عَرَبِيّاً } حال مؤكدة كما تقول : جاءني زيد رجلاً صالحاً وإنساناً عاقلاً ، فتذكر رجلاً أو إنساناً توكيداً ، أو نصب على المدح { غَيْرَ ذِى عِوَجٍ } مستقيماً بريئاً من التناقض والاختلاف . ولم يقل « مستقيماً » للإشعار بأن لا يكون فيه عوج قط . وقيل : المراد بالعوج الشك { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الكفر . { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً } بدل { فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَـٰكِسُونَ } متنازعون ومختلفون { وَرَجُلاً سَلَماً } مصدر سلم والمعنى ذا سلامة { لِرَجُلٍ } أي ذا خلوص له من الشركة . { سالماً } مكي وأبو عمرو أي خالصاً له { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } صفة وهو تمييز ، والمعنى هل تستوي صفتاهما وحالاهما . وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس وقريء { مثلين } . { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } الذي لا إله إلا هو { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } فيشركون به غيره . مثل الكافر ومعبوديه بعبد اشترك فيه شركاء بينهم تنازع واختلاف ، وكل واحد منهم يدعي أنه عبده فهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهن شتى وهو متحير لا يدري أيهم يرضي بخدمته ، وعلى أيهم يعتمد في حاجاته ، وممن يطلب رزقه ، وممن يلتمس رفقه ، فهمه شعاع وقلبه أوزاع ، والمؤمن بعبد له سيد واحد فهّمه واحد وقلبه مجتمع { إِنَّكَ مَيِّتٌ } أي ستموت { وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } وبالتخفيف من حل به الموت ، قال الخليل أنشد أبو عمرو : @ وتسألني تفسير ميت وميّت فدونك قد فسرت إن كنت تعقلُ فمن كان ذا روح فذلك ميت وما الميت إلا من إلى القبر يحملُ @@ كانوا يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم موته فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الفاني بالفاني ، وعن قتادة : نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم أي إنك وإياهم في عداد الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان .