Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 31-44)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ } أي إنك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغيب { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا واجتهدت في الدعوة ، فلجّوا في العناد ويعتذرون بما لا طائل تحته ، تقول الأتباع : أطعنا ساداتنا وكبراءنا ، وتقول السادات : أغوتنا الشياطين وآباؤنا الأقدمون . قال الصحابة رضى الله عنهم أجمعين : ما خصومتنا ونحن إخوان ! فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا : هذه خصومتنا . عن أبي العالية : نزلت في أهل القبلة وذلك في الدماء والمظالم التي بينهم . والوجه هو الأوّل ألا ترى إلى قوله { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } وقوله { وَٱلَّذِى جَاء بِٱلصّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } وما هو إلا بيان وتفسير للذين تكون بينهم الخصومة . { كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } افترى عليه بإضافة الولد والشريك إليه { وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ } بالأمر الذي هو الصدق بعينه وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم { إِذْ جَآءَهُ } فاجأه بالتكذيب لما سمع به من غير وقفة لإعمال روية أو اهتمام بتمييز بين حق وباطل كما يفعل أهل النصفة فيما يسمعون { أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَـٰفِرِينَ } أي لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق . واللام في { لِلْكَـٰفِرِينَ } إشارة إليهم { وَٱلَّذِى جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } هو رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالحق وآمن به وأراد به إياه ومن تبعه كما أراد بموسى إياه وقومه في قوله { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَـٰبَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [ المؤمنون : 49 ] فلذا قال تعالى { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } وقال الزجاج : رُوي عن علي رضي الله عنه أنه قال : والذي جاء بالصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به أبو بكر الصديق رضي الله عنه . ورُوي أن الذي جاء بالصدق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به المؤمنون ، والكل صحيح كذا قاله . قالوا : والوجه في العربية أن يكون « جاء » و « صدق » لفاعل واحد لأن التغاير يستدعي إضمار الذي ، وذا غير جائز ، أو إضمار الفاعل من غير تقدم الذكر وذا بعيد . { لَهُم مَّا يَشَآءَونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِى كَانُواْ يَعْمَلُونَ } إضافة أسوأ وأحسن من إضافة الشيء إلى ما هو بعضه من غير تفضيل كقولك : الأشج أعدل بني مروان . { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ } أدخلت همزة الإنكار على كلمة النفي فأفيد معنى إثبات الكفاية وتقريرها { عَبْدَهُ } أي محمداً صلى الله عليه وسلم . { عباده } حمزة وعلي أي الأنبياء والمؤمنين وهو مثل { إِنَّا كَفَيْنَـٰكَ ٱلْمُسْتَهْزِءينَ } [ الحجر : 95 ] { وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } أي بالأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه ، وذلك أن قريشاً قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وإنا نخشى عليك مضرتها لعيبك إياها { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ } بغالب منيع { ذِى ٱنتِقَامٍ } ينتقم من أعدائه ، وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لهم منهم وينصرهم عليهم . ثم أعلم بأنهم مع عبادتهم الأوثان مقرون بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض بقوله { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ } بفتح الياء سوى حمزة { بِضُرٍّ } مرض أو فقر أو غير ذلك { هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرِّهِ } دافعات شدته عني { أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ } صحة أو غنى أو نحوهما { هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ } { كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ } ، و { مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ } بالتنوين على الأصل : بصري ، وفرض المسئلة في نفسه دونهم لأنهم خوفوه معرة الأوثان وتخبيلها ، فأمر بأن يقررهم أولاً بأن خالق العالم هو الله وحده ثم يقول لهم بعد التقرير : فإن أرادني خالق العالم الذي أقررتم به بضر أو برحمة هل يقدرون على خلاف ذلك ؟ فلما أفحمهم قال الله تعالى : { قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ } كافياً لمعرة أوثانكم { عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا فنزل { قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ } ، وإنما قال { كَـٰشِفَـٰتُ } و { مُمْسِكَـٰتُ } على التأنيث بعد قوله { وَيُخَوّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } لأنهن إناث وهن اللات والعزى ومناة ، وفيه تهكم بهم وبمعبوديهم . { قُلْ يَـٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } على حالكم التي أنتم عليها وجهتكم من العداوة التي تمكنتم منها ، والمكانة بمعنى المكان فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا وحيث للزمان وهما للمكان { إِنِّى عَـٰمِلٌ } أي على مكانتي وحذف للاختصار ولما فيه من زيادة الوعيد والإيذان بأن حالته تزداد كل يوم قوّة لأن الله تعالى ناصره ومعينه ، ألا ترى إلى قوله : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } كيف توعدهم بكونه منصوراً عليهم غالباً عليهم في الدنيا والآخرة ، لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزه وغلبته من حيث إن الغلبة تتم له بعز عزيز من أوليائه وبذل ذليل من أعدائه ، و { يُخْزِيهِ } صفة للعذاب كـ { مُّقِيمٌ } أي عذاب مخزلة وهو يوم بدر ، وعذاب دائم وهو عذاب النار . { مكاناتكم } أبو بكر وحماد . { إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } القرآن { لِلنَّاسِ } لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه ليبشروا وينذروا فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية { بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ } فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه { وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } ومن اختار الضلالة فقد ضرها { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } بحفيظ . ثم أخبر بأنه الحفيظ القدير عليهم بقوله { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } الأنفس الجمل كما هي ، وتوفيها إماتتها وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة دراكة { وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِـهَا } ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها أي يتوفاها حين تنام تشبيهاً للنائمين بالموتى حيث لا يميزون ولا يتصرفون كما أن الموتى كذلك ، ومنه قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ } [ الأنعام : 60 ] { فَيُمْسِكُ } الأنفس { ٱلَّتِى قَضَىٰ } { قُضِىَ } حمزة وعلي . { عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ } الحقيقي أي لا يردها في وقتها حية { وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ } النائمة { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } إلى وقت ضربه لموتها . وقيل : يتوفى الأنفس أي يستوفيها ويقبضها وهي الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة ، ويتوفى الأنفس التي لم تمت في مقامها وهي أنفس التمييز . قالوا : فالتي تتوفى في المنام هي نفس التمييز لا نفس الحياة لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفسَ والنائم يتنفس ، ولكل إنسان نفسان : إحداهما نفس الحياة وهي التي تفارق عند الموت ، والأخرى نفس التمييز وهي التي تفارقه إذا نام . ورُوي عن ابن عباس رضى الله عنهما : في ابن آدم نفس وروح بينهما شعاع مثل شعاع الشمس ، فالنفس هي التي بها العقل والتمييز ، والروح هي التي بها النفس والتحرك ، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه . وعن علي رضي الله عنه قال : تخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعها في الجسد فذلك يرى الرؤيا ، فإذا انتبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة ، وعنه ما رأت عين النائم في السماء فهي الرؤيا الصادقة ، وما رأت بعد الإرسال فيلقنها الشيطان فهي كاذبة . وعن سعيد بن جبير : أن أرواح الأحياء وأرواح الأموات تلتقي في المنام فيتعارف منها ما شاء الله أن يتعارف ، فيمسك التي قضى عليها الموت ، ويرسل الأخرى إلى أجسادها إلى انقضاء حياتها . ورُوي أن أرواح المؤمنين تعرج عند النوم في السماء فمن كان منهم طاهراً أذن في السجود ، ومن لم يكن منهم طاهراً لم يؤذن له فيه { إِنَّ فِى ذَلِكَ } إن في توفي الأنفس ميتة ونائمة وإمساكها وإرسالها إلى أجل { لآيَاتٍ } على قدرة الله وعلمه { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون { أَمِ ٱتَّخَذُواْ } بل اتخذ قريش والهمزة للإنكار { مِن دُونِ ٱللَّهِ } من دون إذنه { شُفَعَآءَ } حين قالوا { هَٰؤُلآءِ شُفَعَٰؤُنَا عِندَ ٱللهِ } [ يونس : 18 ] ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه { قُلْ أَوَ لَّوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ } معناه أيشفعون ولو كانوا لا يملكون شيئاً قط ولا عقل لهم ؟ { قُل لِلَّهِ ٱلشَّفَـٰعَةُ جَمِيعاً } أي هو مالكها فلا يستطيع أحد شفاعة إلا بإذنه وانتصب { جَمِيعاً } على الحال { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } تقرير لقوله { لِلَّهِ ٱلشَّفَـٰعَةُ جَمِيعاً } لأنه إذا كان له الملك كله والشفاعة من الملك كان مالكاً لها . { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } متصل بما يليه معناه له ملك السماوات والأرض واليوم ثم إليه ترجعون يوم القيامة فلا يكون الملك في ذلك اليوم إلا له فله ملك الدنيا والآخرة .