Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 22-34)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ } أي الأخذ بسبب أنهم { كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِىٌّ } قادر على كل شيء { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } إذا عاقب . { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا } التسع { وَسُلْطَـٰنٍ مُّبِينٍ } وحجة ظاهرة { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَقَٰرُونَ فَقَالُواْ } هو { سَـٰحِرٌ كَذَّابٌ } فسموا السلطان المبين سحراً وكذباً { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } بالنبوة { مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُواْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ } أي أعيدوا عليهم القتل كالذي كان أولاً { وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ } للخدمة { وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَـٰلٍ } ضياع يعني أنهم باشروا قتلهم أولاً فما أغنى عنهم ! ، ونفذ قضاء الله بإظهار من خافوه فما يغني عنهم هذا القتل الثاني ، وكان فرعون قد كف عن قتل الولدان ، فلما بعث موسى عليه السلام وأحس بأنه قد وقع أعاده عليهم غيظاً وظناً منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرة موسى عليه السلام ، وما علم أن كيده ضائع في الكرتين جميعاً { وَقَالَ فِرْعَوْنُ } لملئه { ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ } كان إذا همّ بقتله كفوه بقولهم : ليس بالذي تخافه وهو أقل من ذلك ، وما هو إلا ساحر ، وإذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة ، والظاهر أن فرعون قد استيقن أنه نبي وأن ما جاء به آيات وما هو بسحر ، ولكن كان فيه خب وكان قتالاً سفاكاً للدماء في أهون شيء ، فكيف لا يقتل من أحس بأنه هو الذي يهدم ملكه ؟ ، ولكن كان يخاف إن هم بقتله أن يعاجل بالهلاك ، وقوله { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } شاهد صدق على فرط خوفه منه ومن دعوته ربه ، وكان قوله : { ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ } تمويهاً على قومه وإيهاماً أنهم هم الذين يكفونه وما كان يكفه إلا ما في نفسه من هول الفزع { إِنِّى أَخَافُ } إن لم أقتله { أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ } أن يغير ما أنتم عليه . وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام { أَوْ أَن يُظْهِرَ } موسى { فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } بضم الياء ونصب الدال : مدني وبصري وحفص ، وغيرهم بفتح الياء ورفع الدال ، والأول أولى لموافقة { يبدل } . والفساد في الأرض التقاتل والتهايج الذي يذهب معه الأمن ، وتتعطل المزارع والمكاسب والمعايش ويهلك الناس قتلاً وضياعاً كأنه قال : إني أخاف أن يفسد عليكم دينكم بدعوتكم إلى دينه أو يفسد عليكم دنياكم بما يظهر من الفتن بسببه ، وقرأ غير أهل الكوفة { وَأَنْ } ، ومعناه إني أخاف فساد دينكم ودنياكم معاً . { وَقَالَ مُوسَى } لما سمع بما أجراه فرعون من حديث قتله لقومه { إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُـمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } وفي قوله { وَرَبِّكُمْ } بعث لهم على أن يقتدوا به فيعوذوا بالله عياذه ، ويعتصموا بالتوكل عليه اعتصامه ، وقال { مّن كُلّ مُتَكَبّرٍ } لتشمل استعاذته فرعون وغيره من الجبابرة ، وليكون على طريقة التعريض فيكون أبلغ ، وأراد بالتكبر الاستكبارعن الاذعان للحق وهو أقبح استكبار ، وأدل على دناءة صاحبه وعلى فرط ظلمه ، وقال : { لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } : لأنه إذا اجتمع في الرجل التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة فقد استكمل أسباب القسوة والجراءة على الله وعباده ، ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها ، وعذت ولذت أخوان . { وعت } بالإدغام : أبو عمرو وحمزة وعلي . { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـٰنَهُ } قيل : كان قبطياً ابن عم لفرعون آمن بموسى سراً ، و { مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ } صفة لـ { رَجُلٌ } ، وقيل : كان إسرائيلياً ومن آل فرعون صلة ليكتم أي يكتم إيمانه من آل فرعون واسمه سمعان أو حبيب أو خربيل أو حزبيل ، والظاهر الأول { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ } لأن يقول وهذا إنكار منه عظيم كأنه قيل : أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم علة في ارتكابها إلا كلمة الحق ؟ ، وهي قوله { رَبِّىَ ٱللَّهُ } وهو ربكم أيضاً لا ربه وحده { وَقَدْ جَآءَكُمْ } الجملة حال { بِٱلْبَيِّنَـٰتِ مِن رَّبِّكُمْ } يعني أنه لم يحضر لتصحيح قوله ببينة واحدة ولكن ببينات من عند من نسب إليه الربوبية وهو استدراج لهم إلى الاعتراف به { وَإِن يَكُ كَـٰذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَـٰدِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِى يَعِدُكُمْ } احتج عليهم بطريق التقسيم فإنه لا يخلو من أن يكون كاذباً أو صادقاً ، فإن يك كاذباً فعليه وبال كذبه ولا يتخطاه ، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم من العذاب ، ولم يقل « كل الذي يعدكم » مع أنه وعد من نبي صادق القول مداراة لهم وسلوكاً لطريق الإنصاف فجاء بما هو أقرب إلى تسليمهم له وليس فيه نفي إصابة الكل ، فكأنه قال لهم : أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض ما يعدكم وهو العذاب العاجل وفي ذلك هلاككم ، وكان وعدهم عذاب الدنيا والآخرة ، وتقديم الكاذب على الصادق من هذا القبيل أيضاً ، وتفسير البعض بالكل مزيف { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } مجاوز للحد { كَذَّابٌ } في ادعائه ، وهذا أيضاً من باب المجاملة ، والمعنى أنه إن كان مسرفاً كذاباً خذله الله وأهلكه فتتخلصون منه ، أو لو كان مسرفاً كذاباً لما هداه الله بالنبوة ولما عضده بالبينات ، وقيل : أو هم أنه عنى بالمسرف موسى وهو يعني به فرعون . { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَـٰهِرِينَ } عالين وهو حال من « كم » في { لَكُمْ } { فِى ٱلأَرْضِ } في أرض مصر { فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا } يعني أن لكم ملك مصر ، وقد علوتم الناس وقهرتموهم ، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ، ولا تتعرضوا لبأس الله أي عذابه ، فإنه لا طاقة لكم به إن جاءكم ولا يمنعكم منه أحد ، وقال { يَنصُرُنَا } و { جَاءنَا } لأنه منهم في القرابة ، وليعلمهم بأن الذي ينصحهم به هو مساهم لهم فيه { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ } أي ما أشير عليكم برأي إلا بما أرى من قتله يعني لا أستصوب إلا قتله ، وهذا الذي تقولونه غير صواب { وَمَا أَهْدِيكُمْ } بهذا الرأي { إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } طريق الصواب والصلاح ، أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أدخر منه شيئاً ولا أسر عنكم خلاف ما أظهر . يعني أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول ، وقد كذب فقد كان مستشعراً للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام ، ولكنه كان يتجلد ، ولولا استشعاره لم يستشر أحداً ولم يقف الأمر على الإشارة . { وَقَالَ ٱلَّذِى ءَامَنَ يٰقَوْمِ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } أي مثل أيامهم : لأنه لما أضافه إلى الأحزاب وفسرهم بقوله { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ } ولم يلتبس أن كل حزب منهم كان له يوم دمار اقتصر على الواحد من الجمع ، ودأب هؤلاء دءوبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي وكون ذلك دائباً دائماً منهم لا يفترون عنه ، ولا بد من حذف مضاف ، أي مثل جزاء دأبهم ، وانتصاب { مثل } الثاني بأنه عطف بيان لـ { مثل } الأول { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } أي وما يريد الله أن يظلم عباده فيعذبهم بغير ذنب أو يزيد على قدر ما يستحقون من العذاب . يعني أن تدميرهم كان عدلاً لأنهم استحقوه بأعمالهم ، وهو أبلغ من قوله : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] حيث جعل المنفي إرادة ظلم منكّر ومن بعد عن إرادة ظلم ما لعباده كان عن الظلم أبعد وأبعد ، وتفسير المعتزلة بأنه لا يريد لهم أن يظلموا بعيد ، لأن أهل اللغة قالوا : إذا قال الرجل لآخر « لا أريد ظلماً لك » معناه لا أريد أن أظلمك ، وهذا تخويف بعذاب الدنيا . ثم خوفهم من عذاب الآخرة بقوله { وَيٰقَوْمِ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } أي يوم القيامة . { التنادي } مكي ويعقوب في الحالين وإثبات الياء هو الأصل وحذفها حسن لأن الكسرة تدل على الياء وآخر هذه الآي على الدال ، وهو ما حكى الله تعالى في سورة الأعراف : { وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ } [ الآية : 44 ] . { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 50 ] . { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلأَعْرَافِ } [ الآية : 48 ] . وقيل : ينادي منادٍ : ألا إن فلانا سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً ، ألا إن فلاناً شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } منحرفين عن موقف الحساب إلى النار { مَالَكُمْ مِنَ ٱللَّهِ } من عذاب الله { مِنْ عَاصِمٍ } مانع ودافع { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } مرشد { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } هو يوسف بن يعقوب ، وقيل : يوسف بن أفراييم بن يوسف بن يعقوب أقام فيهم نبياً عشرين سنة ، وقيل : إن فرعون موسى هو فرعون يوسف إلى زمنه . وقيل : هو فرعون آخر وبخهم بأن يوسف أتاكم من قبل موسى بالمعجزات { فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ } فشككتم فيها ولم تزالوا شاكين { حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } حكماً من عند أنفسكم من غير برهان . أي أقمتم على كفركم وظننتم أنه لا يجدد عليكم إيجاب الحجة { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } أي مثل هذا الإضلال يضل الله كل مسرف في عصيانه مرتاب شاك في دينه .