Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 13-46)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوٰحٍ وَدُسُرٍ } أراد السفينة وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتؤدي مؤداها بحيث لا يفصل بينها وبينها ونحوه « ولكنّ قميصي مسرودة من حديدً » أراد ولكن قميصي درع ، ألا ترى أنك لو جمعت بين السفينة وبين هذه الصفة لم يصح ، وهذا من فصيح الكلام وبديعه ، والدسر جمع دسار وهو المسمار فعال من دسره إذا دفعه لأنه يدسر به منفذه { تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا } بمرأى منا أو بحفظنا أو { بِأَعْيُنِنَا } حال من الضمير في { تَجْرِى } أي محفوظة بنا { جَزَاء } مفعول له لما قدم من فتح أبواب السماء وما بعده أي فعلنا ذلك جزاء { لّمَن كَانَ كُفِرَ } وهو نوح عليه السلام وجعله مكفوراً لأن النبي نعمة من الله ورحمة قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَـٰكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـٰلَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] فكان نوح نعمة مكفورة { وَلَقَدْ تَّرَكْنَـٰهَا } أي السفينة أو الفعلة أي جعلناها { ءايَةً } يعتبر بها . وعن قتادة : أبقاها الله بأرض الجزيرة . وقيل : على الجودي دهراً طويلاً حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } متعظ يتعظ ويعتبر ، وأصله مذتكر بالذال والتاء ولكن التاء أبدلت منها الدال والدال والذال من موضع فأدغمت الذال في الدال { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } جمع نذير وهو الإنذار { ونذري } يعقوب فيهما ، وافقه سهل في الوصل . غيرهما بغير ياء وعلى هذا الاختلاف ما بعده إلى آخر السورة { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ } سهلناه للادّكار والاتعاظ بأن شحناه بالمواعظ الشافية وصرفنا فيه من الوعد والوعيد { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } متعظ يتعظ . وقيل : ولقد سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه ليعان عليه ؟ ويُروى أن كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل والزبور لا يتلوها أهلها إلا نظراً ولا يحفظونها ظاهراً كالقرآن . { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } أي وإنذاراتي لهم بالعذاب قبل نزوله أو وإنذاراتي في تعذيبهم لمن بعدهم { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } باردة أو شديدة الصوت { فِى يَوْمِ نَحْسٍ } شؤم { مُّسْتَمِرٌّ } دائم الشر فقد استمر عليهم حتى أهلكهم وكان في أربعاء في آخر الشهر { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } تقلعهم عن أماكنهم وكانوا يصطفون آخذاً بعضهم بأيدي بعض ويتداخلون في الشعاب ويحفرون الحفر فيندسون فيها فتنزعهم وتكبهم وتدق رقابهم { كَأَنَّهُمْ } حال { أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } أصول نخل منقلع عن مغارسه ، وشبهوا بأعجاز النخل لأن الريح كانت تقطع رؤوسهم فتبقى أجساداً بلا رءوس فيتساقطون على الأرض أمواتاً وهم جثث طوال كأنهم أعجاز نخل ، وهي أصولها بلا فروع ، وذكر صفة نخل على اللفظ ولو حملها على المعنى لأنث كما قال { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } . { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ فَقَالُواْ أَبَشَراً مّنَّا وٰحِداً } انتصب { بَشَرًا } بفعل يفسره { نَّتَّبِعُهُ } تقديره أنتبع بشراً منا واحداً { إِنَّا إِذاً لَّفِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ } كأن يقول إن لم تتبعوني كنتم في ضلال عن الحق . وسعر ونيران جمع سعير فعكسوا عليه فقالوا : إن اتبعناك كنا إذا كما تقول . وقيل : الضلال الخطأ والبعد عن الصواب ، والسعر الجنون ، وقولهم { أَبَشَراً } إنكار لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية وطلبوا أن يكون من الملائكة وقالوا منا ، لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى ، وقالوا { وٰحِداً } إنكاراً لأن تتبع الأمة رجلاً واحداً ، أو أرادوا واحداً من أفنائهم ليس من أشرفهم وأفضلهم ، ويدل عليه قوله { أَءلْقِىَ الذّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } أي أأنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } بطر متكبر حمله بطره وطلبه التعظم علينا على ادعاء ذلك { سَيَعْلَمُونَ غَداً } عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة { مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } أصالح أم من كذبه . { ستعلمون } : شامي وحمزة على حكاية ما قال لهم صالح مجيباً لهم أو هو كلام الله على سبيل الالتفات { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ } باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا { فِتْنَةً لَّهُمْ } امتحاناً لهم وابتلاء وهو مفعول له أو حال { فَٱرْتَقِبْهُمْ } فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون { وَٱصْطَبِرْ } على أذاهم ولا تعجل حتى يأتيك أمري { وَنَبّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } مقسوم بينهم لها شرب يوم ولهم شرب يوم وقال { بَيْنَهُمْ } تغليباً للعقلاء { كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } محضور يحضر القوم الشرب يوماً وتحضر الناقة يوماً { فَنَادَوْاْ صَـٰحِبَهُمْ } قدار بن سالف أحيمر ثمود { فَتَعَاطَىٰ } فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث له { فَعَقَرَ } الناقة أو فتعاطى الناقة فعقرها أو فتعاطى السيف . وإنما قال { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ } [ الأعراف : 77 ] في آية أخرى لرضاهم به أو لأنه عقر بمعونتهم { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ } في اليوم الرابع من عقرها { صَيْحَةً وٰحِدَةً } صاح بهم جبريل عليه السلام { فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } والهشيم الشجر اليابس المتهشم المتكسر ، والمحتظر الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به ييبس بطول الزمان وتتوطؤه البهائم فيتحطم ويتهشم ، وقرأ الحسن بفتح الظاء وهو موضع الاحتظار أي الحظيرة { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } . { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ } يعني على قوم لوط { حَـٰصِباً } ريحاً تحصبهم بالحجارة أي ترميهم { إِلا ءالَ لُوطٍ } ابنتيه ومن آمن معه { نَّجَّيْنَـٰهُم بِسَحَرٍ } من الأسحار ولذا صرفه ويقال : لقيته بسحر إذا لقيته في سحر يومه . وقيل : هما سحران : فالسحر الأعلى قبل انصداع الفجر ، والآخر عند انصداعه { نِعْمَةً } مفعول له أي إنعاماً { مّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ } نعمة الله بإيمانه وطاعته { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ } لوط عليه السلام { بَطْشَتَنَا } أخذتنا بالعذاب { فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } فكذبوا بالنذر متشاكين { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } طلبوا الفاحشة من أضيافه { فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } أعميناهم . وقيل : مسحناها وجلناها كسائر الوجه لا يرى لها شق . رُوي أنهم لما عالجوا باب لوط عليه السلام ليدخلوا قالت الملائكة : خلهم يدخلوا إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ، فصفقهم جبريل عليه السلام بجناحه صفقة فتركهم يترددون ولا يهتدون إلى الباب حتى أخرجهم لوط { فَذُوقُواْ } فقلت لهم ذوقوا على ألسنة الملائكة { عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً } أول النهار { عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } ثابت قد استقر عليهم إلى أن يفضي بهم إلى عذاب الآخرة . وفائدة تكرير { فَذُوقُواْ عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكاراً واتعاظاً ، وأن يستأنفوا تنبهاً واستيقاظاً إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه ، وهذا حكم التكرير في قوله { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } [ الرحمن : 13 ] عند كل نعمة عدها ، وقوله { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ } [ المرسلات : 25 ] عند كل آية أوردها ، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب مصورة للأذهان مذكورة غير منسية في كل أوان . { وَلَقَدْ جَاء ءالَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } موسى وهرون وغيرهما من الأنبياء أو هو جمع نذير وهو الإنذار { كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كُلَّهَا } بالآيات التسع { فَأَخَذْنَـٰهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ } لا يغالب { مُّقْتَدِرٍ } لا يعجزه شيء { أَكُفَّـٰرُكُمْ } يا أهل مكة { خَيْرٌ مّنْ أُوْلَـئِكُمْ } الكفار المعدودين قوم نوح وهود وصالح ولوط وآل فرعون أي أهم خير قوة وآلة ومكانة في الدنيا أو أقل كفراً وعناداً يعني أن كفاركم مثل أولئك بل شر منهم { أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِى ٱلزُّبُرِ } أم أنزلت عليكم يا أهل مكة براءة في الكتب المتقدمة أن من كفر منكم وكذب الرسل كان آمناً من عذاب الله فأمنتم بتلك البراءة ؟ { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ } جماعة أمرنا مجتمع { مُّنتَصِرٌ } ممتنع لا نرام ولا نضام { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ } جمع أهل مكة { وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } أي الأدبار كما قال : @ كلوا في بعض بطنكم تعفّوا @@ أي ينصرفون منهزمين يعني يوم بدر وهذه من علامات النبوة . { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } موعد عذابهم بعد بدر { وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ } أشد من موقف بدر والداهية الأمر المنكر الذي لا يهتدى لدوائه { وَأَمَرُّ } مذاقاً من عذاب الدنيا أو أشد من المرة .