Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 104-114)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ } البصيرة نور القلب الذي به يستبصر القلب كما أن البصر نور العين الذي به تبصر أي جاءكم من الوحي والتنبيه ما هو للقلوب كالبصائر { فَمَنْ أَبْصَرَ } الحق وآمن { فَلِنَفْسِهِ } أبصر وإياها نفع { وَمَنْ عَمِيَ } عنه وضل { فَعَلَيْهَا } فعلى نفسه عمى وإياها ضر بالعمى { وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أحفظ أعمالكم وأجازيكم عليها إنما أنا منذر والله هو الحفيظ عليكم . الكاف في { وَكَذٰلِكَ نُصَرّفُ ٱلآيَـٰتِ } في موضع نصب صفة المصدر المحذوف أي نصرف الآيات تصريفاً مثل ما تلونا عليك { وَلِيَقُولُواْ } جوابه محذوف أي وليقولوا { دَرَسْتَ } نصرفها ومعنى { دَرَسْتَ } قرأت كتب أهل الكتاب . { دارست } مكي وأبو عمرو أي دارست أهل الكتاب . { دَرَسْتَ } شامي أي قدمت هذه الآية ومضت كما { قالوا أساطير الأولين } { وَلِنُبَيِّنَهُ } أي القرآن وإن لم يجر له ذكر لكونه معلوماً أو الآيات لأنها في معنى القرآن . قيل : اللام الثانية حقيقة ، والأولى لام العاقبة والصيرورة أي لتصير عاقبة أمرهم إلى أن يقولوا درست وهو كقوله { فَٱلْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] وهم لم يلتقطوه للعداوة وإنما التقطوه ليصير لهم قرة عين ولكن صارت عاقبة أمرهم إلى العداوة ، فكذلك الآيات صرفت للتبيين ولم تصرف ليقولوا درست ولكن حصل هذا القول بتصريف الآيات كما حصل التبيين فشبه به . وقيل : ليقولوا كما قيل لنبينه وعندنا ليس كذلك لما عرف { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } الحق من الباطل { ٱتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } ولا تتبع أهواءهم { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } اعتراض أكد به إيجاب اتباع الوحي لا محل له من الإعراب أو حال { مِن رَبِّكَ } مؤكدة { وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } في الحال إلى أن يرد الأمر بالقتال { وَلَوْ شَاءَ ٱللَّهُ } أي إيمانهم فالمفعول محذوف { مَا أَشْرَكُواْ } بيّن أنهم لا يشركون على خلاف مشيئة الله ولو علم منهم اختيار الإيمان لهداهم إليه ولكن علم منهم اختيار الشرك فشاء شركهم فأشركوا بمشيئته { وَمَا جَعَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } مراعياً لأعمالهم مأخوذاً بإجرامهم { وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } بمسلط . وكان المسلمون يسبون آلهتهم فنهوا عنه لئلا يكون سبهم سبباً لسب الله بقوله : { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ } منصوب على جواب النهي { عَدْوَاً } ظلماً وعدواناً { بِغَيْرِ عِلْمٍ } على جهالة بالله وبما يجب أن يذكر به { كَذٰلِكَ } مثل ذلك التزيين { زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ } من أمم الكفار { عَمَلَهُمْ } وهو كقوله { أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ فَرَءاهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء } [ فاطر : 8 ] وهو حجة لنا في الأصلح { ثُمَّ إِلَىٰ رَبّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ } مصيرهم { فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فيخبرهم بما عملوا ويجزيهم عليه { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ } جهد مصدر وقع موقع الحال أي جاهدين في الإتيان بأوكد الأيمان { لَئِن جَاءتْهُمْ ءايَةٌ } من مقترحاتهم { لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَـٰتُ عِندَ ٱللَّهِ } وهو قادر عليها لا عندي فكيف آتيكم بها { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } وما يدريكم { إنَّهَا } أن الآية المقترحة { إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } بها يعني أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها وأنتم لا تعلمون ذلك ، وكان المؤمنون يطمعون في إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها فقال الله تعالى : وما يدريكم أنهم لا يؤمنون على معنى إنكم لا تدرون ما سبق علمي به من أنهم لا يؤمنون { أَنَّهَا } بالكسر : مكي وبصري وأبو بكر على أن الكلام تم قبله أي وما يشعركم ما يكون منهم ، ثم أخبرهم بعلمه فيهم فقال : إنها إذا جاءت لا يؤمنون البتة . ومنهم من جعل « لا » مزيدة في قراءة الفتح كقوله { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 95 ] . { لاَ تُؤْمِنُونَ } شامي وحمزة . { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ } عن قبول الحق { وَأَبْصَـٰرِهِمْ } عن رؤية الحق عند نزول الآية التي اقترحوها فلا يؤمنون بها . قيل : هو عطف على { لاَ يُؤْمِنُونَ } داخل في حكم { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } أي وما يشعركم أنهم لا يؤمنون وما يشعركم أنا نقلب أفئدتهم وأبصارهم فلا يفقهون ولا يبصرون الحق { كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } كما كانوا عند نزول آياتنا أولا لا يؤمنون بها { وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } قيل : وما يشعركم أنا نذرهم في طغيانهم يعمهون يتحيرون . { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰـئِكَةَ } كما قالوا : لولا أنزل علينا الملائكة { وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ } كما قالوا فأتوا بآبائنا { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ } جمعنا { كُلَّ شَيْء قُبُلاً } كفلاء بصحة ما بشرنا به وأنذرنا جمع قبيل وهو الكفيل { قُبُلاً } مدني وشامي أي عياناً وكلاهما نصب على الحال { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء ٱللَّهُ } إيمانهم فيؤمنوا وهذا جواب لقول المؤمنين لعلهم يؤمنون بنزول الآية { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } أي هؤلاء لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية المقترحة . { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِيّ عَدُوّاً } وكما جعلنا لك أعداء من المشركين جعلنا لمن تقدمك من الأنبياء أعداء لما فيه من الابتلاء الذي هو سبب ظهور الثبات والصبر وكثرة الثواب والأجر وانتصب { شَيَـٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنّ } على البدل من { عَدُوّا } أو على أنه من المفعول الأول و { عَدُوّا } مفعول ثانٍ { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس ، وكذلك بعض الجن إلى بعض ، وبعض الإنس إلى بعض ، وعن مالك بن دينار : إن شيطان الإنس أشد عليّ من شيطان الجن لأني إذا تعوذت بالله ذهب شيطان الجن عني وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عياناً . وقال عليه السلام " قرناء السوء شر من شياطين الجن " { زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ } ما زينوه من القول والوسوسة والإغراء على المعاصي { غُرُوراً } خدعاً وأخذاً على غرة وهو مفعول له { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ } أي الإيحاء يعني ولو شاء الله لمنع الشياطين من الوسوسة ولكنه امتحن بما يعلم أنه أجزل في الثواب { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } عليك وعلى الله فإن الله يخزيهم وينصرك ويجزيهم { وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } ولتميل إلى زخرف القول قلوب الكفار وهي معطوفة على { غُرُوراً } أي ليغروا ولتصغي إليه { وَلِيَرْضَوْهُ } لأنفسهم { وَلِيَقْتَرِفُواْ مَاهُم مُّقْتَرِفُونَ } من الآثام { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } أي قل يا محمد أفغير الله أطلب حاكماً يحكم بيني وبينكم ويفصل المحق منا من المبطل { وَهُوَ ٱلَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } المعجز { مُفَصَّلاً } حال من الكتاب أي مبيناً فيه الفصل بين الحق والباطل والشهادة لي بالصدق وعليكم بالافتراء . ثم عضد الدلالة على أن القرآن حق بعلم أهل الكتاب أنه حق لتصديقه ما عندهم وموافقته له بقوله { وَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ } أي عبد الله بن سلام وأصحابه { يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ } شامي وحفص { مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } الشاكين فيه أيها السامع ، أو فلا تكونن من الممترين في أن أهل الكتاب يعلمون أنه منزل بالحق ولا يَرِبْكَ جحود أكثرهم وكفرهم به .