Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 115-127)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } أي ما تكلم به . { كَلِمَـٰتُ رَبّكَ } حجازي وشامي وأبو عمرو أي تم كل ما أخبر به وأمر ونهي ووعد وأوعد { صِدْقاً } في وعده ووعيده { وَعَدْلاً } في أمره ونهيه . وانتصبا على التمييز أو على الحال { لاَ مُبَدّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ } لا أحد يبدل شيئاً من ذلك { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } لإقرار من أقر { ٱلْعَلِيمُ } بإصرار من أصر أو السميع لما يقولون العليم بما يضمرون . { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ } أي الكفار لأنهم الأكثرون { يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } دينه { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } وهو ظنهم أن آباءهم كانوا على الحق فهم يقلدونهم { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } يكذبون في أن الله حرم عليهم كذا وأحل لهم كذا { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } أي هو يعلم الكفار والمؤمنين . من رفع بالابتداء ولفظها لفظ الاستفهام والخبر { يَضِلُّ } وموضع الجملة نصب بـ « يعلم » المقدر لا بـ { أَعْلَمُ } لأن أفعل لا يعمل في الاسم الظاهر النصب ويعمل الجر . وقيل : تقديره أعلم بمن يضل بدليل ظهور الباء بعده في بالمهتدين { فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُم بِـئَايَـٰتِهِ مُّؤْمِنِينَ } هو مسبب عن إنكار اتباع المضلين الذين يحلون الحرام ويحرمون الحلال ، وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتل الله أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم . فقيل للمسلمين : إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا مما ذكر اسم الله عليه خاصة أي على ذبحه دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم أو مات حتف أنفه { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ } « ما » استفهام في موضع رفع بالابتداء و { لَكُمْ } الخبر أي وأي غرض لكم في أن لا تأكلوا { مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم } بين لكم { مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } مما لم يحرم بقوله { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } [ المائدة : 3 ] { فَصْلٌ } و { حَرَّمَ } كوفي غير حفص وبفتحهما مدني وحفص وبضمهما غيرهم { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } مما حرم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة أي شدة المجاعة إلى أكله { وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ } { ليضلون } كوفي { بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي يضلون فيحرمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلق بشريعة { إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ } بالمتجاوزين من الحق إلى الباطل . { وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } علانيته وسره أو الزنا في الحوانيت والصديقة في السر أو الشرك الجلي والخفي { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإثْمَ سَيُجْزَوْنَ } يوم القيامة { بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ } يكتسبون في الدنيا { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } عند الذبح { وَأَنَّهُ } وإن أكله { لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ } ليوسوسون { إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ } من المشركين { لِيُجَـٰدِلُوكُمْ } بقولهم لا تأكلون مما قتله الله وتأكلون مما تذبحون بأيديكم ، والآية تحرم متروك التسمية وخصت حالة النسيان بالحديث أو بجعل الناسي ذاكراً تقديراً { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } في استحلال ما حرمه الله { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } لأن من اتبع غير الله في دينه فقد أشرك به ، ومن حق المتدين أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه لما في الآية من التشديد العظيم . ومن أوّل الآية بالميتة وبما ذكر غير اسم الله عليه لقوله { أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } وقال : إن الواو في { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } للحال لأن عطف الجملة الاسمية على الفعلية لا يحسن فيكون التقدير : ولا تأكلوا منه حال كونه فسقاً والفسق مجمل فبين بقوله { أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } فصار التقدير ولا تأكلوا منه حال كونه مهلاً لغير الله به فيكون ما سواه حلالاً بالعمومات المحلة منها قوله { قُل لا أَجِدُ } أي كافراً فهديناه لأن الإيمان حياة القلوب { مَيْتًا } مدني { وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } مستضيئاً به والمراد به اليقين { كَمَن مَّثَلُهُ } أي صفته { فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ } أي خابط فيها { لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا } لا يفارقها ولا يتخلص منها وهو حال . قيل : المراد بهما حمزة وأبو جهل . والأصح أن الآية عامة لكل من هداه الله ولكل من أضله الله ، فبين أن مثل المهتدي مثل الميت الذي أحيي وجعل مستضيّئاً يمشي في الناس بنور الحكمة والإيمان ، ومثل الكافر مثل من هو في الظلمات التي لا يتخلص منها { كَذٰلِكَ } أي كما زين للمؤمن إيمانه { زُيّنَ لِلْكَـٰفِرِينَ } بتزيين الله تعالى كقوله { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ } [ النمل : 4 ] { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي أعمالهم . { وَكَذٰلِكَ } أي وكما جعلنا في مكة صناديدها ليمكروا الناس فيها { جَعَلْنَا } صيرنا { فِي كُلّ قَرْيَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } ليتجبروا على الناس فيها ويعملوا بالمعاصي . واللام على ظاهرها عند أهل السنة وليست بلام العاقبة ، وخص الأكابر وهم الرؤساء لأن ما فيهم من الرياسة والسعة أدعى لهم إلى المكر والكفر من غيرهم ، دليله { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 27 ] ثم سلى رسوله عليه السلام ووعد له النصرة بقوله { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ } لأن مكرهم يحيق بهم { وَمَا يَشْعُرُونَ } أنه يحيق بهم { أَكَـٰبِرَ } مفعول أول والثاني { فِي كُلِّ قَرْيَةٍ } و { مُجْرِمِيهَا } بدل من { أَكَـٰبِرَ } أو الأول { مُجْرِمِيهَا } والثاني { أَكَـٰبِرَ } والتقدير : مجرميها أكابر . ولما قال أبو جهل : زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحي إليه والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه ، نزل { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ } أي الأكابر { ءَايَةً } معجزة أو آية من القرآن بالإيمان { قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } أي نعطي من الآيات مثل ما أعطي الأنبياء فأعلم الله تعالى أنه أعلم بمن يصلح للنبوة فقال تعالى : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } مكي وحفص { رسالاته } : غيرهما { حَيْثُ } مفعول به والعامل محذوف والتقدير يعلم موضع رسالته . { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ } من أكابرها { صَغَارٌ } ذل وهو إن { عَندَ ٱللَّهِ } في القيامة { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ } في الدارين من القتل والأسر وعذاب النار { بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } في الدنيا { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَـٰمِ } يوسعه وينور قلبه . قال عليه السلام " إذا دخل النور في القلب انشرح وانفتح " قيل وما علامة ذلك قال " الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت " { وَمَن يُرِدِ } أي الله { أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً } { ضَيقاً } مكي { حَرَجاً } { حَرِجاً } صفة لـ { ضَيّقاً } مدني وأبو بكر بالغافي الضيق { حَرَجاً } غيرهما وصفاً بالمصدر { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَاء } كأنه كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه إذا ضاقت عليه الأرض ، فطلب مصعداً في السماء أو كعازب الرأي طائر القلب في الهواء { يَصْعَدُ } مكي { يصّاعد } أبو بكر وأصله يتصاعد الباقون { إِلَيْهِ يَصّعّد } وأصله يتصعد { كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرّجْسَ } العذاب في الآخرة واللعنة في الدنيا { عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } والآية حجة لنا على المعتزلة في إرادة المعاصي { وَهَـٰذَا صِرٰطُ رَبِّكَ } أي طريقه الذي اقتضته الحكمة وسنته في شرح صدر من أراد هدايته وجعله ضيقاً لمن أراد ضلاله { مُّسْتَقِيماً } عادلاً مطرداً وهو حال مؤكدة { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } يتعظون . { لَهُمْ } أي لقوم يذكرون { دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ } دار الله يعني الجنة أضافها إلى نفسه تعظيماً لها ، أو دار السلامة من كل آفة وكدر ، أو السلام التحية سميت دار السلام لقوله : { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـٰمٌ } [ يونس : 10 ] . { إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً } [ الواقعة : 26 ] { عِندَ رَبِّهِمْ } في ضمانة { وَهُوَ وَلِيُّهُم } محبهم أو ناصرهم على أعدائهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } بأعمالهم أو متوليهم بجزاء ما كانوا يعملون أو هو ولينا في الدنيا بتوفيق الأعمال وفي العقبى بتحقيق الآمال .