Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 93-103)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } هو مالك بن الصيف { أَوْ قَالَ أُوْحِي إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } هو مسيلمة الكذاب { وَمَن قَالَ } في موضع جر عطف على { مَنِ ٱفْتَرَىٰ } أي وممن قال { سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } أي سأقول وأملي هو عبد الله بن سعد ابن أبي سرح كاتب الوحي ، وقد أملى النبي عليه السلام عليه { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ } إلى { خَلْقاً ءاخَرَ } [ المؤمنون : 14 ] فجرى على لسانه { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] . فقال عليه السلام : " اكتبها فكذلك نزلت " فشك وقال : إن كان محمد صادقاً فقد أوحي إلي كما أوحي إليه ، وإن كان كاذباً فقد قلت كما قال ، فارتد ولحق بمكة . أو النضر ابن الحرث كان يقول : والطاحنات طحناً فالعاجنات عجناً فالخابزات خبزاً كأنه يعارض { وَلَوْ تَرَىٰ } جوابه محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً { إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ } يريد الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة فتكون اللام للعهد ، ويجوز أن تكون للجنس فيدخل هؤلاء لاشتماله { فِي غَمْرَاتِ ٱلْمَوْتِ } شدائده وسكراته { وَٱلْمَلَٰـئِكَةُ بَاسِطُوآ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ } أي يبسطون إليهم أيديهم يقولون : هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم ، وهذه عبارة عن التشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أرادوا وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة النزع . والهون : الهوان الشديد وإضافة العذاب إليه كقولك « رجل سوء » يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه { بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } من أن له شريكاً وصاحبة وولداً . { غَيْرَ ٱلْحَقِّ } مفعول { تَقُولُونَ } أو وصف لمصدر محذوف أي قولاً غير الحق { وَكُنتُمْ عَنْ ءَايَـٰتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } فلا تؤمنون بها { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا } للحساب والجزاء { فرٰدىٰ } منفردين بلا مال ولا معين وهو جمع فريد كأسير وأسارى { كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ } في محل النصب صفة لمصدر { جِئْتُمُونَا } أي مجيئاً مثل ما خلقناكم { أَوَّلَ مَرَّةٍ } على الهيئات التي ولدتم عليها في الانفراد { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَـٰكُمْ } ملكناكم { وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } ولم تحتملوا منه نقيراً { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَٰوءُاْ } في استعبادكم { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } بينكم وصلكم عن الزجاج والبين : الوصل والهجر قال @ فوالله لولا البين لم يكن الهوى ولولا الهوى ما حن للبين الف @@ بَيْنِكُمْ مدني وعلي وحفص أي وقع التقطع بينكم { وَضَلَّ عَنكُم } وضاع وبطل { مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } أنها شفعاؤكم عند الله . { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } بالنبات والشجر أي فلق الحب عن السنبلة والنواة عن النخلة ، والفلق : الشق ، وعن مجاهد : أراد الشقين اللذين في النواة والحنطة { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } النبات الغض النامي من الحب اليابس { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ } الحب اليابس من النبات النامي ، أو الإنسان من النطفة والنطفة من الإنسان ، أو المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ، فاحتج الله عليهم بما يشاهدونه من خلقه لأنهم أنكروا البعث فأعلمهم أنه الذي خلق هذه الأشياء فهو يقدر على بعثهم . وإنما قال { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيّتِ } بلفظ اسم الفاعل لأنه معطوف على فالق الحب لا على الفعل { وَيُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ } موقعه موقع الجملة المبينة لقوله { فَالِقُ ٱلْحَبّ وَٱلنَّوَىٰ } لأن فلق الحب والنوى بالنبات والشجر الناميين من جنس إخراج الحي من الميت لأن النامي في حكم الحيوان دليله قوله : { ويحيي الأرض بعد موتها } [ الروم : 19 ] . { ذَٰلِكُـمُ ٱللَّهُ } ذلكم المحيي والمميت هو الله الذي تحق له الربوبية لا الأصنام { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } فكيف تصرفون عنه وعن تواليه إلى غيره بعد وضوح الأمر بما ذكرنا { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } هو مصدر سمي به الصبح أي شاق عمود الصبح عن سواد الليل أو خالق نور النهار { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ } { وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ } كوفي لأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضي ، فلما كان فالق بمعنى فلق عطف عليه { جَعَلَ } لتوافقهما معنى { سَكَناً } مسكوناً فيه من قوله { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [ يونس : 67 ] أي ليسكن فيه الخلق عن كد المعيشة إلى نوم الغفلة ، أو عن وحشة الخلق إلى الأنس بالحق { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } انتصبا بإضمار فعل يدل عليه جاعل الليل أي وجعل الشمس والقمر { حُسْبَاناً } أي جعلهما على حسبان لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما . والحسبان بالضم مصدر حسب كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسب { ذٰلِكَ } إشارة إلى جعلهما حسباناً أي ذلك التسيير بالحساب المعلوم { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } الذي قهرهما وسخرهما { ٱلْعَلِيمِ } بتدبيرهما وتدويرهما { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ } خلقها { لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِ وَٱلْبَحْرِ } أي في ظلمات الليل بالبر وبالبحر ، وأضافها إليهما لملابستها لهما أو شبه مشتبهات الطرق بالظلمات { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } قد بينا الآيات الدالة على التوحيد لقوم يعلمون . { وَهُوَ ٱلَّذِي أَنشَأَكُم مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } هي آدم عليه السلام { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } { فَمُسْتَقَر } بالكسر : مكي وبصري . فمن فتح القاف كان المستودع اسم مكان مثله ، ومن كسرها كان اسم فاعل والمستودع اسم مفعول يعني فلكم مستقر في الرحم ومستودع في الصلب ، أو مستقر فوق الأرض ومستودع تحتها ، أو فمنكم مستقر ومنكم مستودع { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } وإنما قيل { يَعْلَمُونَ } ثم { يَفْقَهُونَ } هنا لأن الدلالة ثمّ أظهر وهنا أدق ، لأن إنشاء الإنس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة أدق فكان ذكر الفقه الدال على تدقيق النظر أوفق { وَهُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً } من السحاب مطراً { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } بالماء { نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } نبت كل صنف من أصناف النامي أي السبب وهو الماء واحد والمسببات صنوف مختلفة { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ } من النبات { خَضِْرًا } أي شيئاً غضاً أخضر . يقال أخضر وخضر وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة { نُّخْرِجُ مِنْهُ } من الخضر { حَبّاً مُّتَرَاكِباً } وهو السنبل الذي تراكب حبه { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوٰنٌ } هو رفع بالابتداء { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ } خبره و { مِن طَلْعِهَا } بدل منه كأنه قيل : وحاصلة من طلع النخل قنوان وهو جمع قنو وهو العذق نظيره « صنو » و « صنوان » . { دَانِيَةٌ } من المجتني لانحنائها بثقل حملها أو لقصر ساقها ، وفيه اكتفاء أي وغير دانية لطولها كقوله { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] { وَجَنَّـٰتٍ } بالنصب عطفاً على { نَبَاتَ كُلّ شَيْءٍ } أي وأخرجنا به جنات { مِّنْ أَعْنَـٰبٍ } أي مع النخل وكذا { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ } { وَجَنَّـٰتٍ } بالرفع : الأعشى أي وثم جنات من أعناب أي مع النخل { مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } يقال اشتبه الشيئان وتشابها نحو استويا وتساويا ، والافتعال والتفاعل يشتركان كثيراً وتقديره : والزيتون متشابهاً وغير متشابه ، والرمان كذلك يعني بعضه متشابه وبعضه غير متشابه في القدر واللون والطعم { ٱنْظُرُواْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضعيفاً لا ينتفع به { وَيَنْعِهِ } ونضجه أي انظروا إلى حال نضجه كيف يعود شيئاً جامعاً لمنافع ، نظر اعتبار واستدلال على قدرة مقدره ومدبره وناقله من حال إلى حال . { إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } { ثَمَرِهِ } وكذا ما بعده : حمزة وعلي جمع ثمار فهو جمع الجمع يقال : ثمرة وثمر وثمار وثمر . { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ ٱلْجِنَّ } إن جعلت { لِلَّهِ شُرَكَاءَ } مفعولي { جَعَلُواْ } كان { ٱلْجِنَّ } بدلاً من { شُرَكَاء } وإلا كان { شُرَكَاء ٱلْجِنَّ } مفعولين قدم ثانيهما على الأوّل ، وفائدة التقديم استعظام أن يتخذ لله شريك من كان ملكاً أو جنياً أو غير ذلك ، والمعنى أنهم أطاعوا الجن فيما سولت لهم من شركهم فجعلوهم شركاء لله { وَخَلَقَهُمْ } أي وقد خلق الجن فكيف يكون المخلوق شريكاً لخالقه ؟ والجملة حال ، أو وخلق الجاعلين لله شركاء فكيف يعبدون غيره ؟ { وَخَرَقُواْ لَهُ } أي اختلقوا يقال : خلق الإفك وخرقه واختلقه واخترقه بمعنى ، أو هو من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا له { بَنْيَـنَ } كقول أهل الكتابين في المسيح وعزير { وَبَنَاتٍ } كقول بعض العرب في الملائكة . { وَخَرَقُواْ } بالتشديد للتكثير : مدني لقوله { بَنِينَ وَبَنَاتٍ } { بِغَيْرِ عِلْمٍ } من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوا من خطأ أو صواب ولكن رمياً بقول عن جهالة ، وهو حال من فاعل { خرقوا } أي جاهلين بما قالوا { سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } من الشريك والولد { بَدِيعُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأَرْضِ } يقال بدُع الشيء فهو بديع وهو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها يعني بديع سمواته وأرضه ، أو هو بمعنى المبدع أي مبدعها وهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ } أو هو فاعل { تَعَالَى } { وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَـٰحِبَةٌ } أي من أين يكون له ولد والولد لا يكون إلا من صاحبة ولا صاحبة له ، ولأن الولادة من صفات الأجسام ومخترع الأجسام لا يكون جسماً حتى يكون له ولد { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي ما من شيء إلا وهو خالقه وعالمه ومن كان كذلك كان غنياً عن كل شيء والولد إنما يطلبه المحتاج { ذٰلِكُمُ } إشارة إلى الوصوف بما تقدم من الصفات وهو مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة وهي { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ } وقوله { فَٱعْبُدُوهُ } مسبب عن مضمون الجملة أي من استجمعت له هذه الصفات كان هو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا من دونه من بعض خلقه { وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي هو مع تلك الصفات مالك لكل شيء من الأَرزاق والآجال رقيب على الأعمال { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } لا تحيط به أو أبصار من سبق ذكرهم . وتشبث المعتزلة بهذه الآية لا يستتب لأن المنفي هو الإدراك لا الرؤية ، والإدراك هو الوقوف على جوانب المرئي وحدوده ، وما يستحيل عليه الحدود والجهات يستحيل إدراكه لا رؤيته ، فنزل الإدراك من الرؤية منزلة الإحاطة من العلم ، ونفى الإحاطة التي تقتضي الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضي نفي العلم به فهكذا هذا ، على أن مورد الآية وهو التمدح يوجب ثبوت الرؤية إذ نفي إدراك ما تستحيل رؤيته لا تمدح فيه لأن كل ما لا يرى لا يدرك ، وإنما التمدح بنفي الإدراك مع تحقق الرؤية إذ انتفاؤه مع تحقق الرؤية دليل ارتفاع نقيصة التناهي والحدود عن الذات ، فكانت الآية حجة لنا عليهم . ولو أمعنوا النظر فيها لاغتنموا التقصي عن عهدتها ، ومن ينفي الرؤية يلزمه نفي أنه معلوم موجود وإلا فكما يعلم موجوداً بلا كيفية وجهة بخلاف كل موجود لم يجز أن يرى بلا كيفية وجهة بخلاف كل مرئي ، وهذا لأن الرؤية تحقق الشيء بالبصر كما هو ، فإن كان المرئي في الجهة يرى فيها وإن كان لا في الجهة يرى لا فيها { وَهُوَ } للطف إدراكه { يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ } أي العالم بدقائق الأمور ومشكلاتها { ٱلْخَبِيرُ } العليم بظواهر الأشياء وخفياتها وهو من قبيل اللف والنشر .