Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 128-140)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } وبالياء حفص أي واذكر يوم نحشرهم أو ويوم نحشرهم قلنا { جَمِيعًا يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مّنَ ٱلإنْسِ } أضللتم منهم كثيراً وجعلتموهم أتباعكم كما تقول استكثر الأمير من الجنود { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مّنَ ٱلإِنْسِ } الذين أطاعوهم واستمعوا إلى وسوستهم { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } أي انتفع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل إليها ، وانتفع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم في أغوائهم { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ٱلَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } يعنون يوم البعث وهذا الكلام اعتراف بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى ، والتكذيب بالبعث وتحسر على حالهم { قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ } منزلكم { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } حال والعامل معنى الاضافة كقوله تعالى { أَنَّ دَابِرَ هَـٰؤُلآْء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ } [ الحجر : 66 ] فـ { مُّصْبِحِينَ } حال من هؤلاء والعامل في الحال معنى الاضافة إذ معناه الممازجة والمضامّة والمثوى ليس بعامل لأن المكان لا يعمل في شيء { إِلاَّ مَا شَاءَ ٱللَّهُ } أي يخلّدون في عذاب النار الأبد كله إلا ما شاء اللّه إلا الأوقات التي ينقلون فيها من عذاب السعير إلى عذاب الزمهرير { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ } فيما يفعل بأوليائه وأعدائه { عَلِيمٌ } بأعمالهم فيجزي كلاً على وفق عمله { وَكَذٰلِكَ نُوَلّي بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } نتبع بعضهم بعضاً في النار ، أو نسلط بعضهم على بعض أو نجعل بعضهم أولياء بعض { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي ، ثم يقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ { يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنّ وَٱلإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } عن الضحاك : بعث إلى الجن رسلا منهم كما بعث إلى الإنس رسلاً منهم لأنهم بهم آنس وعليه ظاهر النص ، وقال آخرون : الرسل من الإنس خاصة وإنما قيل { رُسُلٌ مّنكُمْ } لأنه لما جمع الثقلين في الخطاب صح ذلك وإن كان من أحدهما كقوله : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] أو رسلهم رسل نبينا كقوله { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [ الأحقاف : 29 ] { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِي } يقرءون كتبي { وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } يعني يوم القيامة { قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا } بوجوب الحجة علينا وتبليغ الرسل إلينا { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ } بالرسل . { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك { أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَـٰفِلُونَ } تعليل أي الأمر ما قصصنا عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم على أن « أن » مصدرية ، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة ، والمعنى لأن الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم بسبب ظلم أقدموا عليه أو ظالماً ، على أنه لو أهلكهم وهم غافلون لم ينبهوا برسول وكتاب لكان ظالماً وهو متعال عنه { وَلِكُلٍّ } من المكلفين { دَرَجَـٰتٌ } منازل { مّمَّا عَمِلُواْ } من جزاء أعمالهم ، وبه استدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله على أن للجن الثواب بالطاعة لأنه ذكر عقيب ذكر الثقلين { وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } بساه عنه وبالتاء شامي . { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ } عن عباده وعن عبادتهم { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } عليهم بالتكليف ليعرِّضهم للمنافع الدائمة { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أيها الظلمة { وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ } من الخلق المطيع { كَمَا أَنشَأَكُمْ مّن ذُرّيَّةِ قَوْمٍ ءَاخَرِينَ } من أولاد قوم آخرين لم يكونوا على مثل صفتكم وهم أهل سفينة نوح عليه السلام { إِنَّ مَا } ما بمعنى الذي { تُوعَدُونَ } من البعث والحساب والثواب والعقاب { لآتٍ } خبر « إن » أي لكائن { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } بفائتين رد لقولهم من مات فقد فات . المكانة تكون مصدراً يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن ، وبمعنى المكان يقال مكان ومكانة ومقام ومقامة وقوله { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ } يحتمل اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، واعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها ، ويقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حاله : على مكانتك يا فلان أي اثبت على ما أنت عليه { إِنّي عَـٰمِلٌ } على مكانتي التي أنا عليها أي اثبتوا على كفركم وعداوتكم لي فإني ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم وهو أمر تهديد ووعيد ، دليله قوله { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَـٰقِبَةُ ٱلدَّارِ } أي فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة المحمودة ، وهذا طريق لطيف في الإنذار { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي الكافرون { مكاناتكم } حيث كان : أبو بكر { يَكُونَ } حمزة وعلي . وموضع { منْ } رفع إذا كان بمعنى « أي » وعلق عنه فعل العلم ، أو نصب إذا كان بمعنى الذي { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } أي وللأصنام نصيباً فاكتفى بدلالة قوله تعالى { فَقَالُواْ هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَائِنَا } { يزعمهم } علي . وكذا ما بعده أي زعموا أنه لله والله لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة { لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ } أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين { وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ } من إنفاقهم عليها والإجراء على سدنتها . رُوي أنهم كانوا يعينون أشياء من حرث ونتاج لله وأشياء منهما لآلهتهم ، فإذا رأوا ما جعلوا لله زاكياً نامياً رجعوا فجعلوه للأصنام ، وإذا زكا ما جعلوه للأصنام تركوه لها وقالوا : إن الله غني ، وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها . وفي قوله { مِمَّا ذَرَأَ } إشارة إلى أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي لأنه هو الذي ذرأه . ثم ذم صنيعهم بقوله { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } في إيثار آلهتهم على الله وعملهم على ما لم يشرع لهم . وموضع « ما » رفع أي ساء الحكم . حكمهم بأو نصب أي ساء حكماً حكمهم . { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي كما زين لهم تجزئة المال زين وأد البنات { قَتْلَ } هو مفعول زين { أَوْلَـٰدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ } هو فاعل زين ، { زُيِّنَ } بالضم { قَتْلَ } بالرفع { أَوْلَـٰدُهُمْ } بالنصب { شُرَكَائِهِمْ } بالجر : شامي على إضافة القتل إلى الشركاء أي الشياطين والفصل بينهما بغير الظرف وهو المفعول وتقديره : زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم { لِيُرْدُوهُمْ } ليهلكوهم بالإغواء { وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } وليخلطوا عليهم ويشوبوه ودينهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل حتى زلوا عنه إلى الشرك { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ } وفيه دليل على أن الكائنات كلها بمشيئة الله تعالى { فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } وما يفترونه من الإفك ، أو وافتراءهم لأن ضرر ذلك الافتراء عليهم لا عليك ولا علينا { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَـٰمٌ وَحَرْثٌ } للأوثان { حِجْرٍ } حرام فعل بمعنى المفعول كالذبح والطحن ويستوي في الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والجمع لأن حكمه حكم الأسماء غير الصفات ، وكانوا إذا عينوا أشياء من حرثهم وأنعامهم لآلهتهم قالوا { لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَاءُ بِزَعْمِهِمْ } يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء ، والزعم قول بالظن يشوبه الكذب { وَأَنْعَـٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } هي البحائر والسوائب والحوامي { وَأَنْعَـٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } حالة الذبح وإنما يذكرون عليها أسماء الأصنام { ٱفْتِرَاءً عَلَيْهِ } هو مفعول له أو حال أي قسموا أنعامهم قسم حجر ، وقسم لا يركب ، وقسم لا يذكر اسم الله عليها ونسبوا ذلك إلى الله افتراء عليه { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } وعيد { وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا } كانوا يقولون في أجنة البحائر والسوائب : ما ولد منها حياً فهو خالص للذكور لا يأكل منه الإناث ، وما ولد ميتاً اشترك فيه الذكور والإناث . وأنث { خَالِصَةٌ } وهو خبر « ما » للحمل على المعنى لأن « ما » في معنى الأجنة ، وذكر { وَمُحَرَّمٌ } حملاً على اللفظ أو التاء للمبالغة كنسابة { وَإِن يَكُن مَّيْتَةً } أي وإن يكن ما في بطونها ميتة . { وَأَنْ تَكُنْ مَيْتَةً } أبو بكر أي وإن تكن الأجنة ميتة ، { وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةً } شامي على « كان » التامة ، { يَكُن مَّيْتَةً } مكي لتقدم الفعل . وتذكير الضمير في { فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ } لأن الميتة اسم لكل ميت ذكر أو أنثى فكأنه قيل : وإن يكن ميت فهم فيه شركاء { سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ } جزاء وصفهم الكذب على الله في التحريم { إِنَّهُ حَكِيمٌ } في جزائهم { عَلِيمٌ } باعتقادهم { قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلَـٰدَهُمْ } كانوا يئدون بناتهم مخافة السبي والفقر { قَـتَّلُواْ } مكي وشامي { سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ } لخفة أحلامهم وجهلهم بأن الله هو رازق أولادهم لاهم { وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ } من البحائر والسوائب وغيرها { ٱفْتِرَاءً عَلَى ٱللَّهِ } مفعول له { قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } إلى الصواب .