Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 141-147)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَهُوَ ٱلَّذِي أَنشَأَ } خلق { جَنَّـٰتٍ } من الكروم { مَّعْرُوشَـٰتٍ } مسموكات مرفوعات { وَغَيْرَ مَعْرُوشَـٰتٍ } متروكات على وجه الأرض لم تعرش ، يقال عرشت الكرم إذا جعلت له دعائم وسمكاً تعطف عليه القضبان { وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفًا } في اللون والطعم والحجم والرائحة ، وهو حال مقدرة لأن النخل وقت خروجه لا أكل فيه حتى يكون مختلفاً وهو كقوله { فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ } [ الزمر : 73 ] { أَكُلُهُ } { أَكْله } حجازي وهو ثمره الذي يؤكل ، والضمير للنخل ، والزرع داخل في حكمه لأنه معطوف عليه ، أو لكل واحد { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَـٰبِهاً } في اللون { وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } في الطعم { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } من ثمر كل واحد ، وفائدة { إِذَا أَثْمَرَ } أن يعلم أن أول وقت الإباحة وقت إطلاع الشجر الثمر ولا يتوهم أنه لا يباح إلا إذا أدرك { وَءَاتُواْ حَقَّهُ } عشره وهو حجة أبي حنيفة رحمه الله في تعميم العشر { يَوْمَ حَصَادِهِ } بصري وشامي وعاصم ، وبكسر الحاء غيرهم . وهما لغتان { وَلاَ تُسْرِفُواْ } بإعطاء الكل وتضييع العيال . وقوله { كُلُواْ } إلى { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } اعتراض { وَمِنَ ٱلأَنْعَـٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشًا } عطف على { جَنَّـٰت } أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح ، أو الحمولة الكبار التي تصلح للحمل والفرش الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها { كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } أي ما أحل الله لكم منها ولا تحرموها كما في الجاهلية { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } طرقه في التحليل والتحريم كفعل أهل الجاهلية { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } فاتهموه على دينكم { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } بدل من { حَمُولَةً وَفَرْشًا } { مّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ } زوجين اثنين يريد الذكر والأنثى ، والواحد إذا كان وحده فهو فرد ، وإذا كان معه غيره من جنسه سمي كل واحد منهما زوجاً وهما زوجان بدليل قوله { خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ النجم : 45 ] ويدل عليه قوله { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } ثم فسرها بقوله { مّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ } { وَمِنَ ٱلإِبِلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ } والضأن والمعز جمع ضائن وماعز كتاجر وتجر . وفتح عين المعز : مكي وشامي وأبو عمرو وهما لغتان . والهمزة في { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ } للإنكار . والمراد بالذكرين الذكر من الضأن والذكر من المعز ، وبالأنثيين الأنثى من الضأن والأنثى من المعز والمعنى إنكار أن يحرم الله من جنسي الغنم ضأنها ومعزها شيئاً من نوعي ذكورها وإناثها ولا مما تحمل الإناث ، وذلك أنهم كانوا يحرمون ذكورة الأنعام تارة وإناثها طوراً وأولادها كيفما كانت ذكوراً أو إناثاً أو مختلطة تارة ، وكانوا يقولون : قد حرمها الله فأنكر ذلك عليهم . وانتصب { آلذكرين } بـ { حَرَّمَ } وكذا { أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ } أي أم حرم الأنثيين وكذا « ما » في { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ } { نَبّئُونِي بِعِلْمٍ } أخبروني بأمر معلوم من جهة الله يدل على تحريم ما حرمتم { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } في أن الله حرمه . { وَمِنَ ٱلإِبِلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ } منهما { حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ } منهما { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ } أم ما تحمل إناثها { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ } « أم » منقطعة أي بل أكنتم شهداء { إِذْ وَصَّـٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } يعني أم شاهدتم ربكم حين أمركم بهذا التحريم . ولما كانوا لا يؤمنون برسول الله وهم يقولون الله حرم هذا الذي نحرمه تهكم بهم في قوله { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ } على معنى أعرفتم التوصية به مشاهدين لأنكم لا تؤمنون بالرسل { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } فنسب إليه تحريم ما لم يحرم { لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي الذين في علمه أنهم يختمون على الكفر . ووقع الفاصل بين بعض المعدود وبعضه اعتراضاً غير أجنبي من المعدود ، وذلك أن الله تعالى مَنَّ على عباده بإنشاء الأنعام لمنافعهم وبإباحتها لهم ، فالاعتراض بالاحتجاج على من حرمها يكون تأكيداً للتحليل ، والاعتراضات في الكلام لا تساق إلا للتوكيد . { قُل لا أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ } أي في ذلك الوقت أو في وحي القرآن لأن وحي السنة قد حرم غيره ، أو من الأنعام لأن الآية في رد البحيرة وأخواتها . وأما الموقوذة والمتردية والنطيحة فمن الميتة ، وفيه تنبيه على أن التحريم إنما يثبت بوحي الله وشرعه لا يهوى الأنفس { مُحَرَّمًا } حيواناً حرم أكله { عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } على آكل يأكله { إِلا أَن يَكُونَ مَيْتَةً } إلا أن يكون الشيء المحرم ميتة { أَن تَكُونَ } مكي وشامي وحمزة { مَيْتَةً } شامي { أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا } مصبوباً سائلاً فلا يحرم الدم الذي في اللحم والكبد والطحال { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } نجس { أَوْ فِسْقًا } عطف على المنصوب قبله . وقوله { فَإِنَّهُ رِجْسٌ } اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه { أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } منصوب المحل صفة لـ { فِسْقًا } أي رفع الصوت على ذبحه باسم غير الله ، وسمي بالفسق لتوغله في باب الفسق { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } فمن دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات { غَيْرَ بَاغٍ } على مضطر مثله تارك لمواساته { وَلاَ عَادٍ } متجاوز قدر حاجته من تناوله { فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لا يؤاخذه { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ } أي ماله أصبع من دابة أو طائر ويدخل فيه الإبل والنعام { وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا } أي حرمنا عليهم لحم كل ذي ظفر وشحمه وكل شيء منه ، ولم يحرم من البقر والغنم إلا الشحوم وهي الثروب وشحوم الكلى { إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا } إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب من السَّحفة { أَوِ ٱلْحَوَايَا } أو ما اشتمل على الأمعاء واحدها حاوياء أو حوية { أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ } وهو الألية أو المخ { ذٰلِكَ } مفعول ثان لقوله { جَزَيْنَـٰهُم } والتقدير جزيناهم ذلك { بِبَغْيِهِمْ } بسبب ظلمهم { وِإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ } فيما أخبرنا به وكيف نشكر من سبب معصيتهم لتحريم الحلال ومعصية سالفنا لتحليل الحرام حيث قال : وعفا عنكم فالآن باشروهن { } [ البقرة : 187 ] { فَإِن كَذَّبُوكَ } فيما أوحيت إليك من هذا { فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وٰسِعَةٍ } بها يمهل المكذبين ولا يعاجلهم بالعقوبة { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ } عذابه مع سعة رحمته { عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } إذا جاء فلا تغتر بسعة رحمته عن خوف نقمته .