Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 148-157)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } إخبار بما سوف يقولونه { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } أن لا نشرك { مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ءَابَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } ولكن شاء فهذا عذرنا ، يعنون أن شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله لهم بمشيئته ولولا مشيئته لم يكن شيء من ذلك { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي كتكذيبهم إياك . كان تكذيب المتقدمين رسلهم وتشبثوا بمثل هذا فلم ينفعهم ذلك إذ لم يقولوه عن اعتقاد بل قالوا ذلك استهزاء ، ولأنهم جعلوا مشيئته حجة لهم على أنهم معذورون به وهذا مردود لا الإقرار بالمشيئة ، أو معنى المشيئة هنا الرضا كما قال الحسن : أي رضي الله منا ومن آبائنا الشرك والشرك مراد لكنه غير مرضي ، ألا ترى أنه قال { فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أخبر أنه لو شاء منهم الهدى لآمن كلهم ولكن لم يشأ من الكل الإيمان بل شاء من البعض الإيمان ومن البعض الكفر ، فيجب حمل المشيئة هنا على ما ذكرناه دفعاً للتناقض { حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا } حتى أنزلنا عليهم العذاب { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ } من أمر معلوم يصح الاحتجاج به فيما قلتم { فَتُخْرِجُوهُ لَنَا } فتظهروه { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ } تكذبون { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ } عليكم بأوامره ونواهيه ولا حجة لكم على الله بمشيئته { فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } أي فلو شاء هدايتكم وبه تبطل صولة المعتزلة { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ } هاتوا شهداءكم وقربوهم ، ويستوي في هذه الكلمة الواحد والجمع والمذكر والمؤنث عند الحجازيين ، وبنو تميم تؤنث وتجمع { ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا } أي ما زعموه محرماً { فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم لأنه إذا سلم لهم فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم فكان واحداً منهم { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } من وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن من كذب بآيات الله فهو متبع للهوى إذ لو تبع الدليل لم يكن إلا مصدقاً بالآيات موحداً لله { وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } هم المشركون { وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } يسوون الأصنام . { قُلْ } للذين حرموا الحرث والأنعام { تَعَالَوْاْ } هو من الخاص الذي صار عاماً وأصله أن يقول : من كان في مكان عالٍ لمن هو أسفل منه ثم كثر حتى عم { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } الذي حرمه ربكم { عَلَيْكُمْ } من صلة حرم { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } « أن » مفسرة لفعل التلاوة و « لا » للنهي { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَانًا } وأحسنوا بالوالدين إحساناً . ولما كان إيجاب الإحسان تحريماً لترك الإحسان ذكر في المحرمات وكذا حكم ما بعده من الأوامر { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلَـٰدَكُمْ مِّنْ إمْلَـٰقٍ } من أجل فقر ومن خشيته كقوله { خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ } [ الإسراء : 31 ] { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } لأن رزق العبيد على مولاهم { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } ما بينك وبين الخلق { وَمَا بَطَنَ } ما بينك وبين الله ، ما ظهر بدل من الفواحش { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ } كالقصاص والقتل على الردة والرجم { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ } أي المذكور مفصلاً أمركم ربكم بحفظه { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } لتعقلوا عظمها عند الله { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } إلا بالخصلة التي هي أحسن وهي حفظه وتثميره { حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } أشده مبلغ حلمه فادفعوه إليه وواحده شد كفلس وأفلس { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } بالسوية والعدل { لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } إلا ما يسعها ولا تعجز عنه ، وإنما أتبع الأمر بإيفاء الكيل والميزان ذلك لأن مراعاة الحد من القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان مما فيه حرج فأمر ببلوغ الوسع وأن ما وراءه معفو عنه { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ } فاصدقوا { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة القائل كقوله { وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } [ النساء : 135 ] { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ } يوم الميثاق أو في الأمر والنهي والوعد والوعيد والنذر واليمين { أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ } أي ما مر { وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } بالتخفيف حيث كان : حمزة وعلي وحفص على حذف إحدى التاءين . غيرهم بالتشديد أصله « تتذكرون » فأدغم التاء الثانية في الذال أي أمركم به لتتعظوا . { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي } ولأن هذا صراطي فهو علة الاتباع بتقدير اللام ، { وَأَنْ } بالتخفيف شامي ، وأصله وأنه على أن الهاء ضمير الشأن والحديث . { وَإنْ } على الابتداء : حمزة وعلي { مُّسْتَقِيماً } حال { فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ } الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر البدع والضلالات { فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } فتفرقكم أيادي سبأ عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام . رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط خطاً مستوياً ثم قال " هذا سبيل الرشد وصراط الله فاتبعوه " ثم خط على كل جانب ستة خطوط ممالة ثم قال " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه فاجتنبوها " وتلا هذه الآية . ثم يصير كل واحد من الاثني عشر طريقاً ستة طرق فتكون اثنين وسبعين ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب . وعن كعب : إن هذه الآيات لأول شيء في التوراة { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } لتكونوا على رجاء إصابة التقوى . ذكر أولاً { تَعْقِلُونَ } ثم { تَذَكَّرُونَ } ثم { تَتَّقُونَ } لأنهم إذا عقلوا تفكروا ثم تذكروا أي اتعظوا فاتقوا المحارم { ثُمَّ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ تَمَامًا } أي ثم أخبركم إنا آتينا أو هو عطف على { قُلْ } أي ثم قل آتينا ، و « ثم » مع الجملة تأتي بمعنى الواو كقوله { ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ } [ يونس : 46 ] { عَلَى ٱلَّذِي أَحْسَنَ } على من كان محسناً صالحاً يريد جنس المحسنين دليله قراءة عبد الله { عَلَى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } أو أراد به موسى عليه السلام أي تتمة للكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ في كل ما أمر به { وَتَفْصِيلاً لّكُلِّ شَيْءٍ } وبياناً مفصلاً لكل ما يحتاجون إليه في دينهم { وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم } أي بني إسرائيل { بِلِقَاء رَبّهِمْ يُؤْمِنُونَ } يصدقون أي بالبعث والحساب وبالرؤية . { وَهَـٰذَا } أي القرآن { كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ } كثير الخير { فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ } مخالفته { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } لترحموا { أَن تَقُولُواْ } كراهة أن تقولوا أو لئلا تقولوا { إِنَّمَا أُنزِلَ ٱلْكِتَـٰبُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } أي أهل التوراة وأهل الإنجيل ، وهذا دليل على أن المجوس ليسوا بأهل كتاب { وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ } عن تلاوة كتبهم { لَغَـٰفِلِينَ } لا علم لنا بشيء من ذلك « إن » مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية والأصل : وإنه كنا عن دراستهم غافلين على أن الهاء ضمير الشأن ، والخطاب لأهل مكة والمراد إثبات الحجة عليهم بإنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم كيلا يقولوا يوم القيامة : إن التوراة والإنجيل أنزلا على طائفتين من قبلنا وكنا غافلين عما فيهما { أَوْ تَقُولُواْ } كراهة أن تقولوا { لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَـٰبُ لَكُنَّا أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا وغزارة حفظنا لأيام العرب { فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيّنَةٌ مّن رَّبِّكُمْ } أي إن صدقتم فيما كنتم تعدون من أنفسكم فقد جاءكم ما فيه البيان الساطع والبرهان القاطع ، فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } بعدما عرف صحتها وصدقها { وَصَدَفَ عَنْهَا } أعرض { سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنَا سُوءَ ٱلْعَذَابِ } وهو النهاية في النكاية { بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } بإعراضهم .