Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 140-150)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قال أغير الله أبغيكم إلهاً } أي أغير المستحق للعبادة أطلب لكم معبوداً { وهو فضّلكم على العالمين } حال أي على عالمي زمانكم { وإذ أنجيناكم مّن ءال فرعون } { أنجاكم } شامي { يسومونكم سوء العذاب } يبغونكم شدة العذاب من سام السلعة إذا طلبها ، وهو استئناف لا محل له ، أو حال من المخاطبين ، أو من { آل فرعون } { يقتّلون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم } { يقتلون } نافع { وفي ذلكم } أي في الإنجاء أو في العذاب { بلآءٌ } نعمة أو محنة { مّن رّبّكم عظيمٌ ووٰعدنا موسىٰ ثلاثين ليلةً } لإعطاء التوراة { وأتممناها بعشرٍ } روي أن موسى عليه الصلاة والسلام وعد بني إسرائيل وهو بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله ، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمره بصوم ثلاثين يوماً وهي شهر ذي القعدة ، فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك ، فأوحى الله إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك فأمره أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك { فتمّ ميقات ربّه } ما وقت له من الوقت وضربه له { أربعين ليلةً } نصب على الحال أي تم بالغاً هذا العدد ، ولقد أجمل ذكر الأربعين في « البقرة » وفصلها هنا { وقال موسىٰ لأخيه هارون } هو عطف بيان { لأخيه } { اخلفني في قومي } كن خليفتي فيهم { وأصلح } ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل { ولا تتّبع سبيل المفسدين } ومن دعاك منهم إلى الإفساد فلا تتبعه ولا تطعه . { ولمّا جآء موسىٰ لميقاتنا } لوقتنا الذي وقتنا له وحددنا . ومعنى اللام الاختصاص أي اختص مجيئه لميقاتنا { وكلّمه ربّه } بلا واسطة ولا كيفية . وروي أنه كان يسمع الكلام من كل جهة . وذكر الشيخ في التأويلات أن موسى عليه السلام سمع صوتاً دالاً على كلام الله تعالى ، وكان اختصاصه باعتبار أنه أسمعه صوتاً تولى تخليقه من غير أن يكون ذلك الصوت مكتسباً لأحد من الخلق ، وغيره يسمع صوتاً مكتسباً للعباد فيفهم منه كلام الله تعالى ، فلما سمع كلامه طمع في رؤيته لغلبة شوقه فسأل الرؤية بقوله { قال ربّ أرني أنظر إليك } ثاني مفعولي { أرني } محذوف أي أرني ذاتك أنظر إليك يعني مكني من رؤيتك بأن تتجلى لي حتى أراك { أرني } مكي . وبكسر الراء مختلسة : أبو عمرو ، وبكسر الراء مشبعة : غيرهما وهو دليل لأهل السنة على جواز الرؤية ، فإن موسى عليه السلام اعتقد أن الله تعالى يرى حتى سأله واعتقاد جواز ما لا يجوز على الله كفر { قال لن تراني } بالسؤال بعين فانية بل بالعطاء والنوال بعين باقية ، وهو دليل لنا أيضر لأنه لم يقل لن أرى ليكون نفياً للجواز ، ولو لم يكن مرئياً لأخبر به بأنه ليس بمرئي إذ الحالة حالة الحاجة إلى البيان { ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه } بقي على حاله { فسوف ترياني } وهو دليل لنا أيضاً لأنه علق الرؤية باستقرار الجبل وهو ممكن ، وتعليق الشيء بما هو ممكن يدل على إمكانه كالتعليق بالممتنع يدل على امتناعه ، والدليل على أنه ممكن قوله { جعله دكاً } ولم يقل « اندك » وما أوجده تعالى كان جائزاً أن لا يوجد لو لم يوجده لأنه مختار في فعله ، ولأنه تعالى ما أيأسه عن ذلك ولا عاتبه عليه ولو كان ذلك محالاً لعاتبه كما عاتب نوحاً عليه السلام بقوله : { إني أعظك أن تكون من الجاهلين } [ هود : 46 ] حيث سأل إنجاء ابنه من الغرق . { فلمّا تجلّىٰ ربّه للجبل } أي ظهر وبان ظهوراً بلا كيف . قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : معنى التجلي للجبل ما قاله الأشعري إنه تعالى خلق في الجبل حياة وعلماً ورؤية حتى رأى ربه ، وهذا نص في إثبات كونه مرئياً ، وبهذه الوجزة يتبين جهل منكري الرؤية وقولهم بأن موسى عليه السلام كان عالماً بأنه لا يرى ولكن طلب قومه أن يريهم ربه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهره } [ البقرة : 55 ] فلطلب الرؤية ليبين الله تعالى أنه ليس بمرئي باطل إذ لو كان كما زعموا لقال أرهم ينظروا إليك ثم يقول له : لن يروني . ولأنها لو لم تكن جائزة لما أخر موسى عليه السلام الرد عليهم بل كان يرد عليهم وقت قرع كلامهم سماعه لما فيه من التقرير على الكفر ، وهو عليه السلام بعث لتغييره لا لتقريره ، ألا ترى أنهم لما قالوا له { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } لم يمهلهم بل رد عليهم من ساعته بقوله { إنكم قوم تجهلون } { جعله دكًّا } مدكوكاً مصدر بمصدر بمعنى المفعول كضرب الأمير والدق والدك أخوان . { دكاء } : حمزة وعلي . أي مستوية بالأرض لا أكمة فيها وناقة دكاء لا سنام لها { وخرّ موسىٰ صعقاً } حال أي سقط مغشياً عليه { فلمّآ أفاق } من صعقته { قال سبحانك تبت إليك } من السؤال في الدنيا { وأنا أوّل المؤمنين } بعظمتك وجلالك ، وبأنك لا تعطي الرؤية في الدنيا مع جوازها . وقال الكعبي والأصم : معنى قوله { أرني أنظر إليك } أرني آية أعلمك بها بطريق الضرورة كأني أنظر إليك { لن تراني } لن تطيق معرفتي بهذه الصفة { ولكن انظر إلى الجبل } فإني أظهر له آية ، فإن ثبت الجبل لتجليها و { استقر مكانه } فسوف تثبت لها وتطيقها . وهذا فاسد لأنه قال { أرني أنظر إليك } ولم يقل « إليها » وقال { لن تراني } ولم يقل لن ترى آيتي وكيف يكون معناه لن ترى آيتي وقد أراه أعظم الآيات حيث جعل الجبل دكاً . { قَالَ يَٰمُوسَىٰ إِنَّي اصْطَفيْتُكَ عَلَى النَّاس } اخترتك على أهل زمانك { بِرِسَٰلَتِي } هي أسفار التوراة { برسالتي } : حجازي { وَبِكَلَٰمِي } وبتكليمي إياك { فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ } أعطيتك من شرف النبوة والحكمة { وَكُن مِّنَ الشَّٰكِرِينَ } على النعمة في ذلك فهي من أجل النعم . قيل : خر موسى صعقاً يوم عرفة ، وأعطي التوراة يوم النحر . ولما كان هارون وزيراً وتابعاً لموسى تخصص الاصطفاء بموسى عليه السلام . { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح } الألواح التوراة جمع لوح وكانت عشرة ألواح . وقيل : سبعة وكانت من زمرد . وقيل : من خشب نزلت من السماء فيها التوراة { مِن كُلَّ شَيْءٍ } في محل النصب على أنه مفعول { كتبنا } { مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } بدل منه والمعنى كتبنا له كل شيء كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام . وقيل : أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعبر لم يقرأها كلها إلا أربعة نفر : موسى ويوشع وعزير وعيسى { فَخُذْهَا } فقلنا له خذها عطفاً على { كتبنا } والضمير للألواح أو { لكل شيء } لأنه في معنى الأشياء { بِقُوَّةٍ } بجد وعزيمة فعل أولي العزم من الرسل { وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } أي فيها ما هو حسن وأحسن كالقصاص والعفو والانتصار والصبر ، فمرهم أن يأخذوا بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب كقوله { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } [ الزمر : 55 ] { سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَٰسِقِينَ } دَارَ فرعون وقومه وهي مصر ، ومنازل عاد وثمود والقرون المهلكة كيف أقفرت منهم لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكّل بكم مثل نكالهم أو جهنم { سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَٰتِي } عن فهمها . قال ذو النون قدس الله روحه : أبى الله أن يكرم قلوب الباطلين بمكنون حكمة القرآن { الَّذِينَ يَتكَبَّرُونَ } يتطاولون على الخلق ويأنفون عن قبول الحق . وحقيقته التكلف للكبرياء التي اختصت بالباري عزت قدرته { فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } هو حال أي يتكبرون غير محقين لأن التكبر بالحق لله وحده { وَإِن يَرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ } من الآيات المنزلة عليهم { لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ } طريق صلاح الأمر وطريق الهدى . { الرَّشد } : حمزة وعلي . وهما كالسقم والسقم { لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ } الضلال { يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } ومحل { ذٰلِكَ } الرفع أي ذلك الصرف { بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَٰتِنَا } بسب تكذيبهم { وَكَانُوا عَنْهَا غَٰفِلِينَ } غفلة عناد واعراض لا غفلة سهو وجهل { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِئِايَٰتِنَا وَلِقَآءِ الآخِرةِ } هو من إضافة المصدر إلى المفعول به أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها { حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ } خبر { والذين } { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وهو تكذيب الأحوال بتكذيب الإرسال . { واتّخذ قوم موسىٰ من بعده } من بعد ذهابه إلى الطور { من حليّهم } وإنما نسبت إليهم مع أنها كانت عواري في أيديهم لأن الإضافة تكون لأدنى ملابسة ، وفيه دليل على أن من حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل داراً استعارها يحنث ، على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين كما ملكوا غيرها من أملاكهم . وفيه دليل على أن الاستيلاء على أموال الكفار يوجب زوال ملكهم عنها ، نعم المتخذ هو السامري ولكنهم رضوا به فأسند الفعل إليهم . والحلي جمع « حلى » وهو اسم ما يتحسن به من الذهب والفضة { حليهم } : حمزة وعلي للإتباع { عجلاً } مفعول { اتخذ } { جسداً } بدل منه أي بدناً ذا لحم ودم كسائر الأجساد { لّه خوارٌ } هو صورت البقر والمفعول الثاني محذوف أي إلهاً . ثم عجب من عقولهم السخيفة فقال { ألم يروا } حين اتخذوه إلهاً { أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلاً } لا يقدر على كلام ولا على هداية سبيل حتى لا يختاروه على من { لو كان البحر مداداً لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته } [ الكهف : 109 ] . وهو الذي هدى الخلق إلى سبيل الحق بما ركز في العقول من الأدلة وبما أنزل في الكتب . ثم ابتدأ فقال { اتّخذوه } إلهاً فأقدموا على هذا الأمر المنكر { وكانوا ظالمين ولمّا سقط في أيديهم } ولما اشتد ندمهم على عبادة العجل . وأصله أن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده غماً فتصير يده مسقوطاً فيها لأن فاه وقع فيها وسقط مسند إلى في أيديهم وهو من باب الكناية . وقال الزجاج : معناه سقط الندم في أيديهم أي في قلوبهم وأنفسهم كما يقال « حصل في يده مكروه » وإن استحال أن يكون في اليد تشبيهاً لما يحصل في القلب وفي النفس بما يحصل في اليد ويرى بالعين { ورأوا أنّهم قد ضلّوا } وتبينوا ضلالهم تبيناً كأنهم أبصروه بعيونهم { قالوا لئن لّم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا } { لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا } حمزة وعلي . وانتصاب { ربّنا } على النداء { لنكوننّ من الخاسرين } المغبونين في الدنيا والآخرة . { ولمّا رجع موسىٰ } من الطور { إلىٰ قومه } بني إسرائيل { غضبان } حال من { موسى } { أسفاً } حال أيضاً أي حزيناً { قال بئسما خلفتموني } قمتم مقامي وكنتم خلفائي { من بعدي } والخطاب لعبدة العجل من السامري وأشياعه ، أو لهارون ومن معه من المؤمنين ، ويدل عليه قوله { اخلفني في قومي } والمعنى بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله ، أو حيث لم تكفوا من عبد غير الله ، وفاعل { بئس } مضمر يفسره { ما خلفتموني } والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم . ومعنى { من بعدي } بعد قوله { خلفتموني } من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله ونفي الشركاء عنه ، أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد وأكفهم عن عبادة البقرة حين قالوا { اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة } ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف { أعجلتم } أسبقتم بعبادة العجل { أمر ربّكم } وهو إتياني لكم بالتوراة بعد أربعين ليلة . وأصل العجلة طلب الشيء قبل حينه . وقيل : عجلتم بمعنى تركتم { وألقى الألواح } ضجراً عند استماعه حديث العجل غضباً لله ، وكان في نفسه شديد الغضب وكان هارون ألين منه جانباً ، ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل من موسى ، فتكسرت فرفعت ستة أسباعها وبقي سبع واحد ، وكان فيما رفع تفصيل كل شيء وفيما بقي هدى ورحمة { وأخذ برأس أخيه } بشعر رأسه غضباً عليه حيث لم يمنعهم من عبادة العجل { يجرّه إليه } عتاباً عليه لا هواناً به وهو حال من موسى { قال ابن أمّ } بني الابن مع الأم على الفتح كـ « خمسة عشر » وبكسر الميم : حمزة وعلي وشامي ، لأنه أصله أمي فحذف الياء اجتزاء عنها بالكسرة ، وكان ابن أمه وأبيه . وإنما ذكر الأم لأنها كانت مؤمنة ولأن ذكرها أدعى إلى العطف { إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني } أي إني لم آل جهداً في كفهم بالوعظ والإنذار ولكنهم استضعفوني وهموا بقتلي { فلا تشمت بي الأعدآء } الذين عبدوا العجل أي لا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة إلي { ولا تجعلني مع القوم الظّالمين } أي قريناً لهم بغضبك علي . فلما اتضح له عذر أخيه .