Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 21-31)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ قَالُواْ سَمِعْنَا } أي ادعوا السماع وهم المنافقون وأهل الكتاب { وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } لأنهم ليسوا بمصدقين فكأنهم غير سامعين ، والمعنى أنكم تصدقون بالقرآن والنبوة فإذا توليتم عن طاعة الرسول في بعض الأمور من قسمة الغنائم وغيرها أشبه سماعكم سماع من لا يؤمن . ثم قال { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } أي إن شر من يدب على وجه الأرض البهائم ، وإن شر البهائم الذين هم صم عن الحق لا يعقلونه ، جعلهم من جنس البهائم ثم جعلهم شرها لأنهم عاندوا بعد الفهم وكابروا بعد العقل { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ } في هؤلاء الصم والبكم { خَيْرًا } صدقاً ورغبة { لأسْمَعَهُمْ } لجعلهم سامعين حتى يسمعوا سماع المصدقين { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ } عنه أي ولو أسمعهم وصدقوا لارتدوا بعد ذلك ولم يستقيموا { وَهُم مُّعْرِضُونَ } عن الإيمان . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ } وحد الضمير أيضاً كما وحده فيما قبله ، لأن استجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كاستجابته ، والمراد بالاستجابة الطاعة والامتثال وبالدعوة البعث والتحريض { لِمَا يُحْيِيكُمْ } من علوم الديانات والشرائع لأن العلم حياة كما أن الجهل موت قال الشاعر @ لا تعجبنّ الجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن @@ أو لمجاهدة الكفار لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم ، أو للشهادة لقوله تعالى { بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ } [ آل عمران : 169 ] { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ } أي يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ، فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله ، أو بينه وبين ما تمناه بقلبه من طول الحياة فيفسخ عزائمه { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } واعلموا أنكم إليه تحشرون فيثيبكم على حسب سلامة القلوب وإخلاص الطاعة { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً } عذاباً { لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } هو جواب للأمر أي إن أصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم ، وجاز أن تدخل النون المؤكدة في جواب الأمر لأن فيه معنى النهي كما إذا قلت « انزل عن الدابة لا تطرحك » وجاز « لا تطرحنك » . و « من » في { مّنكُمْ } للتبعيض { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } إذا عاقب . { وَٱذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ } « إذ » مفعول به لا ظرف أي واذكروا وقت كونكم أقلة أذلة { مُّسْتَضْعَفُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أرض مكة قبل الهجرة : يستضعفكم قريش { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ } لأن الناس كانوا لهم أعداء مضادين { فأوٰكُم } إلى المدينة { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } بمظاهرة الأنصار وبإمداد الملائكة يوم بدر { وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } من الغنائم ولم تحل لأحد قبلكم { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } هذه النعم . { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ } بأن تعطلوا فرائضه { وَٱلرَّسُولِ } بأن لا تستنوا به { وَتَخُونُواْ } جزم عطف على { لاَ تَخُونُواْ } أي ولا تخونوا { أَمَـٰنَـٰتِكُمْ } فيما بينكم بأن لا تحفظوها { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } تبعه ذلك ووباله ، أو وأنتم تعلمون أنكم تخونون يعني أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو ، أو وأنتم علماء تعلمون حسن الحسن وقبح القبيح ، ومعنى الخون النقص كما أن معنى الإيفاء التمام ، ومنه تخوّنه إذا انتقصه ، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء ، لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه { وَٱعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ } أي سبب الوقوع في الفتنة وهي الإثم والعذاب ، أو محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } فعليكم أن تحرصوا على طلب ذلك وتزهدوا في الدنيا ولا تحرصوا على جمع المال وحب الولد { يِـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا } نصراً لأنه يفرق بين الحق والباطل ، وبين الكفر بإذلال حزبه والإسلام بإعزاز أهله ، أو بياناً وظهوراً يشهر أمركم ويبث صيتكم وآثاركم في أقطار الأرض من قولهم « سطع الفرقان » أي طلع الفجر ، أو مخرجاً من الشبهات وشرحاً للصدور ، أو تفرقة بينكم وبين غيركم من أهل الأديان وفضلاً ومزية في الدنيا والآخرة { وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ } أي الصغائر { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ذنوبكم أي الكبائر { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } على عباده . { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } لما فتح الله عليه ذكّره مكر قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله في نجاته من مكرهم واستيلائه عليهم . والمعنى واذكر إذ يمكرون بك ، وذلك أن قريشاً لما أسلمت الأنصار فرقوا أن يتفاقم أمره فاجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره ، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال : أنا شيخ من نجد دخلت مكة فسمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً . فقال أبو البختري : رأيي أن تحبسوه في بيت وتشدوا وثاقه وتسدوا بابه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها وتتربصوا به ريب المنون . فقال إبليس : بئس الرأي ، يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم . فقال هشام بن عمرو : رأيي أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضركم ما صنع واسترحتم . فقال إبليس : بئس الرأي ، يفسد قوماً غيركم ويقاتلكم بهم . فقال أبو جهل لعنه الله : أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاماً وتعطوه سيفاً فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل ، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم ، فإذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا . فقال اللعين : صدق هذا الفتى هو أجودكم رأياً ، فتفرقوا على رأي أبي جهل مجتمعين على قتله ، فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن له الله في الهجرة ، فأمر علياً فنام في مضجعه وقال له : اتشح ببردتي فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه . وباتوا مترصدين ، فلما أصبحوا ثاروا إلى مضجعه فأبصروا علياً فبهتوا وخيب الله سعيهم واقتفوا أثره فأبطل الله مكرهم { لِيُثْبِتُوكَ } ليحبسوك ويوثقوك { أَوْ يَقْتُلُوكَ } بسيوفهم { أَوْ يُخْرِجُوكَ } من مكة { وَيَمْكُرُونَ } ويخفون المكايد له { وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ } ويخفي الله ما أعد لهم حتى يأتيهم بغتة { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } أي مكره أنفذ من مكر غيره وأبلغ تأثيراً . كان عليه السلام يقرأ القرآن ويذكر أخبار القرون الماضي في قراءته فقال النضر بن الحارث : لو شئت لقلت مثل هذا . وهو الذي جاء من بلاد فارس بنسخة حديث رستم وأحاديث العجم فنزل { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُنَا } أي القرآن { قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } وهذا صلف منهم ووقاحة ، لأنهم دعوا إلى أن يأتوا بسورة واحدة من مثل هذا القرآن فلم يأتوا به .