Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 32-42)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا } أي القرآن { هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } هذا اسم « كان » و « هو » فصل و { ٱلْحَقّ } خبر « كان » . رُوي أن النضر لما قال { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } قال له النبي عليه الصلاة والسلام " ويلك هذا كلام الله " فرفع النضر رأسه إلى السماء وقال { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } أي إن كان القرآن هو الحق فعاقبنا على إنكاره بالسجيل كما فعلت بأصحاب الفيل { أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } بنوع آخر من جنس العذاب الأليم فقتل يوم بدر صبراً . وعن معاوية أنه قال لرجل من سبأ : ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة ! قال : أجهل من قومي قومك ، قالوا لرسول الله عليه السلام حين دعاهم إلى الحق { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ ٱلسَّمَاء } ولم يقولوا : إن كان هذا هو الحق فاهدنا له { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ } اللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم وأنت بين أظهرهم غير مستقيم لأنك بعثت رحمة للعالمين وسنته أن لا يعذب قوماً عذاب استئصال ما دام نبيهم بين أظهرهم ، وفيه إشعار بأنهم مرصدون بالعذاب إذا هاجر عنهم { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } هو في موضع الحال ومعناه نفي الاستغفار عنهم أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم ، أو معناه وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المستضعفين . { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ ٱللَّهُ } أي وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وهو معذبهم إذا فارقتهم ، وما لهم ألا يعذبهم الله { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن المسجد الحرام كما صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، وإخراجهم رسول الله والمؤمنين من الصد وكانوا يقولون : نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء فقيل { وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ } وما استحقوا مع إشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمر الحرم { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ ٱلْمُتَّقُونَ } من المسلمين . وقيل : الضميران راجعان إلى الله { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ذلك كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند أو أردا بالأكثر الجميع كما يراد بالقلة العدم { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ ٱلْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً } صفيراً كصوت المكاء وهو طائر مليح الصوت ، وهو فعال من مكا يمكوا إذا صفر { وَتَصْدِيَةً } وتصفيقاً تفعلة من الصدى ، وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة وهم مشبكون بين أصابعهم ويصفرون فيها ويصفقون ، وكانوا يفعلون نحو ذلك إذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته يخلطون عليه { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } عذاب القتل والأسر يوم بدر { بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } بسبب كفركم . ونزل في المطعين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلاً وكلهم من قريش ، وكان يطعم كل واحد منهم كل يوم عشر جزر { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي كان غرضهم في الإنفاق الصد عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وهو سبيل الله { فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } ثم تكون عاقبة إنفاقها ندماً وحسرة ، فكأن ذاتها تصير ندماً وتنقلب حسرة { ثُمَّ يُغْلَبُونَ } آخر الأمر وهو من دلائل النبوة لأنه أخبر عنه قبل وقوعه فكان كما أخبر { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } والكافرون منهم { إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه . واللام في { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ } الفريق الخبيث من الكفار { مِنَ ٱلطَّيّبِ } أي من الفريق الطيب من المؤمنين ، متعلقة بـ { يُحْشَرُونَ } { ليميّز } حمزة وعلي { وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ } الفريق الخبيث { بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } فيجمعه { فَيَجْعَلَهُ فِى جَهَنَّمَ } أي الفريق الخبيث { أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الفريق الخبيث { هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } أنفسهم وأموالهم . { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي أبي سفيان وأصحابه { إِن يَنتَهُواْ } عما هم عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتاله بالدخول في الإسلام { يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } لهم من العداوة { وَإِن يَعُودُواْ } لقتاله { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ ٱلأوَّلِينِ } بالإهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى ، أو معناه أن الكفار إذا انتهوا عن الكفر وأسلموا غفر لهم ما قد سلف من الكفر والمعاصي ، وبه احتج أبو حنيفة رحمه الله في أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } إلى أن لا يوجد فيهم شرك قط { وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ } ويضمحل عنهم كل دين باطل ويبقى فيهم دين الإسلام وحده { فَإِنِ انْتَهَوْاْ } عن الكفر وأسلموا { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } يثيبهم على إسلامهم { وَإِن تَوَلَّوْاْ } أعرضوا عن الإيمان ولم ينتهوا { فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ } ناصركم ومعينكم فثقوا بولايته ونصرته { نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } لا يضيع من تولاه { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } لا يغلب من نصره . والمخصوص بالمدح محذوف . { وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم } « ما » بمعنى « الذي » ، ولا يجوز أن يكتب إلا مفصولاً إذ لو كتب موصولاً لوجب أن تكون « ما » كافة و { غَنِمْتُمْ } صلته والعائد محذوف والتقدير : الذي غنمتموه { مِّن شَىْء } بيانه قيل حتى الخيط والمخيط { فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } والفاء إنما دخلت لما في « الذي » من معنى المجازاة و « أن » وما عملت فيه في موضع رفع على أنه خبر مبدأ تقديره : فالحكم أن لله خمسة { وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } فالخمس كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم على خمسة أسهم : سهم لرسول الله ، وسهم لذي قرابته من بني هاشم وبني المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل استحقوه حينئذ بالنصرة لقصة عثمان وجبير بن مطعم ، وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل ، وأما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسهمه ساقط بموته ، وكذلك سهم ذوي القربى ، وإنما يعطون لفقرهم ولا يعطى أغنياؤهم فيقسم على اليتامى والمساكين وابن السبيل . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان على ستة : لله والرسول سهمان ، وسهم لأقاربه حتى قبض فأجرى أبو بكر رضي الله عنه الخمس على ثلاثة ، وكذا عمر ومن بعده من الخلفاء رضي الله عنهم ، ومعنى { لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } لرسول الله كقوله { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] { إِن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بِٱللَّهِ } فاعملوا به وارضوا بهذه القسمة فالإيمان يوجب الرضا بالحكم والعمل بالعلم { وَمَا أَنزَلْنَا } معطوف على { بِٱللَّهِ } أي إن كنتم آمنتم بالله وبالمنزل { عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } يوم بدر { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } الفريقان من المسلمين والكافرين ، والمراد ما أنزل عليه من الآيات والملائكة والفتح يومئذ وهو بدل من { يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } يقدر على أن ينصر القليل على الكثير كما فعل بكم يوم بدر . { إِذْ أَنتُم } بدل من { يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } والتقدير : اذكروا إذ أنتم { بِالْعُدْوَةِ } شط الوادي ، وبالكسر فيهما : مكي وأبو عمرو { ٱلدُّنْيَا } القربى إلى جهة المدينة تأنيث الأدنى { وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } البعدى عن المدينة تأنيث الأقصى ، وكلتاهما فعلى من بنات الواو ، والقياس قلب الواو ياء كالعليا تأنيث الأعلى ، وأما القصوى فكالقود في مجيئه على الأصل { وَٱلرَّكْبُ } أي العير وهو جمع راكب في المعنى { أَسْفَلَ مِنكُمْ } نصب على الظرف أي مكاناً أسفل من مكانكم يعني في أسفل الوادي بثلاثة أميال ، وهو مرفوع المحل لأنه خبر المبتدأ { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ } أنتم وأهل مكة وتواضعتم بينكم على موعد تلتقون فيه للقتال { لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَـٰدِ } لخالف بعضكم بعضاً فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد ، وثبطهم ما في قلوبهم من تهيب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فلم يتفق لكم من التلاقي ما وفقه الله وسبب له { وَلَـٰكِنِ } جمع بينكم بلا ميعاد { لّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } من إعزاز دينه وإعلاء كلمته ، أو اللام تتعلق بمحذوف أي ليقضي الله أمراً كان ينبغي أن يفعل وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه دبر ذلك . قال الشيخ أبو منصور رحمه الله : القضاء يحتمل الحكم أي ليحكم ما قد علم أنه يكون كائناً ، أو ليتم أمراً كان قد أراده ، وما أراد كونه فهو مفعول لا محالة وهو عز الإسلام وأهله وذل الكفر وحزبه ويتعلق بـ { يَقْضِى } { لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ } { حيـي } نافع وأبو عمرو ، فالإدغام لالتقاء المثلين ، والإظهار لأن حركة الثاني غير لازمة ، لأنك تقول في المستقبل « يحيا » والإدغام أكثر . استعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة حتى لا يبقى له على الله حجة ، ويصدر إسلام من أسلم أيضاً عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به ، وذلك أن وقعة بدر من الآيات الواضحة التي من كفر بعدها كان مكابراً لنفسه مغالطاً لها ، ولهذا ذكر فيها مراكز الفريقين ، وأن العير كانت أسفل منهم مع أنهم قد علموا ذلك كله مشاهدة ليعلم الخلق أن النصر والغلبة لا تكون بالكثرة والأسباب بل بالله تعالى ، وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضاً لا بأس بها ، ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الأرجل ولا يمشي فيها إلا بتعب ومشقة ، وكان العيروراء ظهور العدو مع كثرة عددهم وعدتهم وقلة المسلمين وضعفهم ثم كان ما كان { بَيّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ } لأقوالهم { عَلِيمٌ } بكفر من كفر وعقابه وبإيمان من آمن وثوابه .