Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 43-56)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذْ يُرِيكَهُمُ ٱللَّهُ } نصب بإضمار « اذكر » ، أو هو متعلق بقوله { لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي بعلم المصالح إذ يقللهم في عينك { فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً } أي في رؤياك ، وذلك أن الله تعالى أراه إياهم في رؤياه قليلاً فأخبر بذلك أصحابه فكان ذلك تشجيعاً لهم على عدوهم { وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ } لجبنتم وهبتم الإقدام { وَلَتَنَـٰزَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } أمر القتال وترددتم بين الثبات والفرار { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ سَلَّمَ } عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع والاختلاف { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } يعلم ما سيكون فيها من الجراءة والجبن والصبر والجزع . { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ } الضميران مفعولان أي وإذ يبصركم إياهم { إِذِ ٱلْتَقَيْتُمْ } وقت اللقاء { فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً } هو نصب على الحال . وإنما قللهم في أعينهم تصديقاً لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم ويجدوا ويثبتوا . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة وكانوا ألفاً { وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ } حتى قال قائل منهم : إنما هم أكلة جزور . قيل : قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء ثم كثرهم فيما بعده ليجترئوا عليه قلة مبالاة بهم ثم تفجأهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا ، ويجوز أن يبصروا الكثير قليلاً بأن يستر الله بعضهم بساتر ، أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين ، قيل لبعضهم : إن الأحول يرى الواحد اثنين وكان بين يديه ديك واحد فقال : مالي لا أرى هذين الديكين أربعة : { لّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مفعولاً وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } فيحكم فيها بما يريد { تَرْجَعُ } شامي وحمزة وعلي . { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } إذا حاربتم جماعة من الكفار وترك وصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار ، واللقاء اسم غالب للقتال { فَٱثْبُتُواْ } لقتالهم ولا تفروا { وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً } في مواطن الحرب مستظهرين بذكره مستنصرين به داعين له على عدوكم : اللهم اخذلهم اللهم اقطع دابرهم { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة ، وفيه إشعار بأن على العبد أن لا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلباً وأكثر ما يكون هماً ، وأن تكون نفسه مجتمعة لذلك وإن كانت متوزعة عن غيره { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في الأمر بالجهاد والثبات مع العدو وغيرهما { وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ } فتجبنوا وهو منصوب بإضمار « أن » ويدل عليه { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أي دولتكم يقال : « هبت رياح فلان » إذا دالت له الدولة ونفذ أمره ، شبهت في نفوذ أمرها وتمشيته بالريح وهبوبها . وقيل : لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله ، وفي الحديث " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور " { وَٱصْبِرُواْ } في القتال مع العدو وغيره { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ } أي معينهم وحافظهم { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَـٰرِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ ٱلنَّاسِ } هم أهل مكة حين نفروا لحماية العير فأتاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم فأبى أبو جهل وقال : حتى نقدم بدراً ونشرب بها الخمور وننحر الجزور وتعزف علينا القيان ونطعم بها العرب ، فذلك بطرهم ورياؤهم الناس بإطعامهم فوافوها فسقوا كأس المنايا مكان الخمر ، وناحت عليهم النوائح مكان القيام ، فنهاهم أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم ، وأن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية الله مخلصين أعمالهم لله . والبطر أن تشغله كثرة النعمة عن شكرها . { وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } دين الله { وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } عالم وهو وعيد . { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } واذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم التي عملوها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون . وغالب مبني نحو « لا رجل » و { لَكُمْ } في موضع رفع خبر « لا » . تقديره : لا غالب كائن لكم { وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ } أي مجير لكم أوهمهم أن طاعة الشيطان مما يجيرهم { فَلَمَّا تَرَاءتِ ٱلْفِئَتَانِ } فلما تلاقى الفريقان { نَكَصَ } الشيطان هارباً { عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } أي رجع القهقرى { وَقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِّنْكُمْ } أي رجعت عما ضمنت لكم من الأمان . روي أن إبليس تمثل لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم في جند من الشياطين معه راية ، فلما رأى الملائكة تنزل نكص فقال له الحارث بن هشام : أتخذلنا في هذه الحالة ؟ فقال : { إِنّي أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } أي الملائكة وانهزموا فلما بلغوا مكة قالوا : هزم الناس سراقة . فبلغ ذلك سراقة فقال : والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم ، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان { إِنّي أَخَافُ ٱللَّهَ } أي عقوبته { وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } اذكروا { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } بالمدينة { وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } هو من صفة المنافقين ، أو أريد والذين هم على حرف ليسوا بثابتي الأقدام في الإسلام { غَرَّ هَٰـؤُلاءِ دِينُهُمْ } يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم فخرجوا وهم ثلثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف . ثم قال جواباً لهم { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } يكل إليه أمره { فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } غالب يسلط القليل الضعيف على الكثير القوي { حَكِيمٌ } لا يسوي بين وليه عدوه . { وَلَوْ تَرَى } ولو عاينت وشاهدت لأن « لو » ترد المضارع إلى معنى الماضي كما ترد « إن » الماضي إلى معنى الاستقبال { إِذْ } نصب على الظرف { يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بقبض أرواحهم { ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } فاعل { يَضْرِبُونَ } حال منهم { وُجُوهُهُمْ } إذا أقبلوا { وَأَدْبَـٰرَهُمْ } ظهورهم وأستاههم إذا أدبروا ، أو وجوههم عند الإقدام وأدبارهم عند الانهزام . وقيل : في { يَتَوَفَّى } ضمير الله تعالى ، و { ٱلْمَلَـٰئِكَةَ } مرفوعة بالابتداء و { يَضْرِبُونَ } خبر والأول الوجه ، لأن الكفار لا يستحقون أن يكون الله متوفيهم بلا واسطة دليله قراءة ابن عامر { تتوفى } بالتاء { وَذُوقُواْ } ويقولون لهم ذوقوا معطوف على { يَضْرِبُونَ } { عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي مقدمة عذاب النار ، أو ذوقوا عذاب الآخرة بشارة لهم به ، أو يقال لهم يوم القيامة : ذوقوا . وجواب « لو » محذوف أي لرأيت أمراً فظيعاً . { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أي كسبت وهو رد على الجبرية ، وهو من كلام الله تعالى أو من كلام الملائكة . و { ذٰلِكَ } رفع بالابتداء و { بِمَا قَدَّمَتْ } خبره { وَأَنَّ ٱللَّهَ } عطف عليه أي ذلك العذاب بسببين : بسبب كفركم ومعاصيكم ، وبأن الله { لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } لأن تعذيب الكفار من العدل . وقيل : ظلام للتكثير لأجل العبيد ، أو لنفي أنواع الظلم . الكاف في { كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ } في محل الرفع أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون ، ودأبهم عادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه أي داوموا عليه { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من قبل قريش أو من قبل آل فرعون { كَفَرُواْ } تفسير لدأب آل فرعون { بِـئَايَـٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } والمعنى جروا على عادتهم في التكذيب فأجرى عليه مثل ما فعل بهم في التعذيب { ذٰلِكَ } العذاب أو الانتقام { بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } بسبب أن الله لم يصح في حكمته أن يغير نعمته عند قوم حتى يغيروا مابهم من الحال ، نعم لم يكن لآل فرعون ومشركي مكة حال مرضية فيغيروها إلى حال مسخوطة ، لكن لما تغيرت الحال المرضية إلى المسخوطة تغيرت الحال المسخوطة إلى أسخط منها ، وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول إليهم كفرة عبدة أصنام ، فلما بعث إليهم بالآيات فكذبوه وسعوا في إراقة دمه ، غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت فغير الله ما أنعم به عليهم من الإمهال وعاجلهم بالعذاب { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لما يقولوا مكذبو الرسل { عَلِيمٌ } بما يفعلون { كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ } تكرير للتأكيد ، أو لأن في الأولى الأخذ بالذنوب بلا بيان ذلك ، وهنا بين أن ذلك هو الإهلاك والاستئصال { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبِّهِمْ } وفي قوله { بآيَـٰتِ رَبِّهِمْ } زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق { فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَونَ } بماء البحر { وَكُلٌّ } وكلهم من غرقى القبط وقتلى قريش { كَانُواْ ظَـٰلِمِينَ } أنفسهم بالكفر والمعاصي . { إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي أصروا على الكفر فلا يتوقع منهم الإيمان { ٱلَّذِينَ عَـٰهَدْتَّ مِنْهُمْ } بدل من { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي الذين عاهدتهم من الذين كفروا وجعلهم شر الدواب ، لأن شر الناس الكفار وشر الكفار المصرون وشر المصرين الناكثون للعهود { ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ } في كل معاهدة { وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ } لا يخافون عاقبة الغدر ولا يبالون بما فيه من العار والنار .