Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 41-48)
Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱنْفِرُواْ خِفَافًا } في النفور لنشاطكم له { وَثِقَالاً } عنه لمشقته عليكم ، أو خفافاً لقلة عيالكم وثقالاً لكثرتها ، أو خفافاً من السلاح وثقالاً منه ، أو ركباناً ومشاة أو شباباً وشيوخاً ، أو مهازيل وسماناً ، أو صحاحاً ومراضاً { وَجَـٰهِدُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ } إيجاب للجهاد بهما إن إمكن ، أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ } الجهاد { خَيْرٌ لَّكُمْ } من تركه { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } كون ذلك خيراً فبادروا إليه . ونزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين { لَوْ كَانَ عَرَضًا } هو ما عرض لك من منافع الدنيا ، يقال : الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر أي لو كان ما دعوا إليه مغنماً { قَرِيبًا } سهل المأخذ { وَسَفَرًا قَاصِدًا } وسطاً مقارباً ، والقاصد والقصد المعتدل { لاَّتَّبَعُوكَ } لوافقوك في الخروج { وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } المسافة الشاطة الشاقة { وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ } . من دلائل النبوة لأنه أخبر بما سيكون بعد القفول فقالوا كما أخبر ، و { بِٱللَّهِ } متعلق بـ { سَيَحْلِفُونَ } ، أو هو من جملة كلامهم ، والقول مراد في الوجهين أي سيحلفون يعني المتخلفين عند رجوعك من غزوة تبوك معتذرين يقولون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم ، أو سيحلفون بالله يقولون لو استطعنا . وقوله { لخرجنا } سد مسد جوابي القسم و { لَوْ } جميعاً . ومعنى الاستطاعة استطاعة العدة أو استطاعة الأبدان كأنهم تمارضوا { يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ } بدل من { سَيَحْلِفُونَ } أو حال منه أي مهلكين ، والمعنى أنهم يهلكونها بالحلف الكاذب ، أو حال من { لَخَرَجْنَا } أي لخرجنا معكم وإن أهلكنا أنفسنا وألقيناها في التهلكة بما نحملها على المسير في تلك الشقة { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ } فيما يقولون . { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } كناية عن الزلة لأن العفو رادف لها وهو من لطف العتاب بتصدير العفو في الخطاب ، وفيه دلالة فضله على سائر الأنبياء عليهم السلام حيث لم يذكر مثله لسائر الأنبياء عليهم السلام { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } بيان لما كنى عنه بالعفو ، ومعناه مالك أذنت لهم في القعود عن الغزو حين استأذنوك واعتلّوا لك بعللهم وهلا استأنيت بالإذن ! { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } يتبين لك الصادق في العذر من الكاذب فيه . وقيل : شيئان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين ، وأخذه الفدية من الأسارى ، فعاتبه الله . وفيه دليل جواز الاجتهاد للأنبياء عليهم السلام لأنه عليه السلام إنما فعل ذلك بالاجتهاد ، وإنما عوتب مع أن له ذلك لتركه الأفضل وهم يعاتبون على ترك الأفضل { لا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَـٰهِدُواْ } ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا { بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } عدة لهم بأجزل الثواب . { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } يعني المنافقين وكانوا تسعة وثلاثين رجلاً { وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } شكوا في دينهم واضطربوا في عقيدتهم { فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } يتحيرون لأن التردد ديدن المتحير كما أن الثبات ديدن المتبصر { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ } للخروج أو للجهاد { عُدَّةً } أهبة لأنهم كانوا مياسير ، ولما كان { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ } معطياً معنى نفي خروجهم واستعدادهم للغزو قيل : { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ } نهوضهم للخروج كأنه قيل : ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكراهة انبعاثهم { فَثَبَّطَهُمْ } فكسلهم وضعف رغبتهم في الانبعاث والتثبيط التوقيف عن الأمر بالتزهيد فيه { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ } أي قال بعضهم لبعض ، أو قاله الرسول عليه السلام غضباً عليهم ، أو قاله الشيطان بالوسوسة { مَعَ ٱلْقَـٰعِدِينَ } هو ذم لهم وإلحاق بالنساء والصبيان والزمني الذين شأنهم القعود في البيوت . { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ } بخروجهم معكم { إِلاَّ خَبَالاً } إلا فساداً وشراً ، والاستثناء متصل لأن المعنى ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً ، والاستثناء المنقطع أن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه كقولك « ما زداوكم خيراً إلا خبالاً » والمستثنى منه في هذا الكلام غير مذكور ، وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من الشيء فكان استثناء متصلاً لأن الخبال بعضه { ولأَوْضَعُواْ خِلَـٰلَكُمْ } ولسعوا بينكم بالتضريب والنمائم وإفساد ذات البين . يقال : وضع البعير وضعاً إذا أسرع . وأوضعته أنا . والمعنى ولأوضعوا ركائبهم بينكم ، والمراد الإسراع بالنمائم لأن الراكب أسرع من الماشي . وخط في المصحف { وَلاَ أوضعوا } بزيادة الألف لأن الفتحة كانت تكتب ألفاً قبل الخط العربي ، والخط العربي اخترع قريباً من نزول القرآن وقد بقي من تلك الألف أثر في الطباع فكتبوا صورة الهمزة ألفاً وفتحها ألفاً أخرى ونحوه { أَوْ لاَ أذبحنه } [ النمل : 21 ] { يَبْغُونَكُمُ } حال من الضمير في { أوضعوا } { إِلَى ٱلْفِتْنَةَ } أي يطلبون أن يفتنوكم بأن يوقعوا الخلاف فيما بينكم ويفسدوا نياتكم في مغزاكم { وَفِيكُمْ سَمَّـٰعُونَ لَهُمْ } أي نمامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّـٰلِمينَ } بالمنافقين { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ } بصد الناس أو بأن يفتكوا به عليه السلام ليلة العقبة ، أو بالرجوع يوم أحد { مِن قَبْلُ } من قبل غزوة تبوك { وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ } ودبروا لك الحيل والمكايد ودوّروا الآراء في إبطال أمرك { حَتَّىٰ جَاءَ ٱلْحَقُّ } وهو تأييدك ونصرك { وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ } وغلب دينه وعلا شرعه { وَهُمْ كَـٰرِهُونَ } أي على رغم منهم .