Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 49-61)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لّي وَلاَ تَفْتِنّي } ولا توقعني في الفتنة وهي الإثم بأن لا تأذن لي فإني إن تخلفت بغير إذنك أثمت ، أولا تلقني في الهلكة فإني إذا خرجت معك هلك مالي وعيالي . وقيل : قال الجد بن قيس المنافق : قد علمت الأنصار إني مستهتر بالنساء فلا تفتني ببنات الأصفر يعني نساء الروم ولكني أعينك بمالي فاتركني { أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } يعني أن الفتنة هي التي سقطوا فيها وهي فتنة التخلف { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَـٰفِرِينَ } الآن لأن أسباب الإحاطة معهم أو هي تحيط بهم يوم القيامة { إِن تُصِبْكَ } في بعض الغزوات { حَسَنَةٌ } ظفر وغنيمة { تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ } نكبة وشدة في بعضها نحو ما جرى يوم أحد { يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا } الذي نحن متسمون به من الحذ والتيقط والعمل بالحزم { مِن قَبْلُ } من قبل ما وقع { وَيَتَوَلَّواْ } عن مقام التحدث بذلك إلى أهاليهم { وَّهُمْ فَرِحُونَ } مسرورون { قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا } أي قضى من خير أو شر { هُوَ مَوْلَـٰنَا } أي الذي يتولانا ونتولاه { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } وحق المؤمنين أن لا يتوكلوا على غير الله { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا } تنتظرون بنا { إِلا إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ } وهما النصرة والشهادة { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ } إحدى السوءيين إما { أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مّنْ عِندِهِ } وهو قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود { أَوْ } بعذاب { بِأَيْدِينَا } وهو القتل على الكفر { فَتَرَبَّصُواْ } بنا ما ذكرنا { إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } ما هو عاقبتكم { قُلْ أَنفِقُواْ } في وجوه البر { طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } طائعين أو مكرهين نصب على الحال . { كَرْهاً } حمزة وعلي وهو أمر في معنى الخبر ومعناه { لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } أنفقتم طوعاً أو كرهاً ونحوه { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] وقوله @ أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت @@ أي لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ، ولا نلومك أسأت إلينا أو أحسنت ، وقد جاز عكسه في قولك « رحم الله زيداً » ، ومعنى عدم القبول أنه عليه السلام يردها عليهم ولا يقبلها أو لا يثيبها الله . وقوله { طَوْعاً } أي من غير إلزام من الله ورسوله و { كَرْهاً } أي ملزمين ، وسمي الإلزام إكراهاً لأنهم منافقون فكان إلزامهم الإنفاق شاقاً عليهم كالإكراه { إِنَّكُمْ } تعليل لرد إنفاقهم { كُنتُمْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } متمردين عاتين . { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَـٰتُهُمْ } وبالياء : حمزة وعلي { إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُواْ } أنهم فاعل « منع » وهم و { أَن تُقْبَلَ } مفعولاه أي وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم { بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ } جمع كسلان { وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَـٰرِهُونَ } لأنهم لا يريدون بهما وجه الله تعالى ، وصفهم بالطوع في قوله { طَوْعاً } وسلبه عنهم ههنا لأن المراد بطوعهم أنهم يبذلونه من غير إلزام من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو من رؤسائهم ، وما طوعهم ذلك إلا عن كراهة واضطرار لا عن رغبة واختبار . { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } الإعجاب بالشيء أن تسر به سرور راضٍ به متعجب من حسنه ، والمعنى فلا تستحسن ما أوتوا من زينة الدنيا فإن الله إنما أعطاهم ما أعطاهم ليعذبهم بالمصائب فيها ، أو بالإنفاق منه في أبواب الخير وهم كارهون له ، أو بنهب أموالهم وسبي أولادهم ، أو بجمعها وحفظها وحبها والبخل بها والخوف عليها وكل هذا عذاب { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَـٰفِرُونَ } وتخرج أرواحهم ، وأصل الزهوق الخروج بصعوبة ، ودلت الآية على بطلان القول بالأصلح لأنه أخبر أن إعطاء الأموال والأولاد لهم للتعذيب والأماتة على الكفر وعلى إرادة الله تعالى المعاصي ، لأن إرادة العذاب بإرادة ما يعذب عليه ، وكذا إرادة الإماتة على الكفر { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } لمن جملة المسلمين { وَمَا هُم مّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } يخافون القتل وما يفعل بالمشركين فيتظاهرون بالإسلام تقية { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً } مكاناً يلجئون إليه متحصنين من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة { أَوْ مَغَـٰرَاتٍ } أو غيراناً { أَوْ مُدَّخَلاً } أو نفقاً يندسون فيه وهو مفتعل من الدخول { لَّوَلَّوَاْ إِلَيْهِ } لأقبلوا نحوه { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } يسرعون إسراعاً لا يردهم شيء من الفرس الجموح { وَمِنْهُمُ } ومن المنافقين { مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَـٰتِ } يعيبك في قسمة الصدقات ويطعن عليك { فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } « إذا » للمفاجأة أي وإن لم يعطوا منها فاجئوا السخط ، وصفهم بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم لا للدين وما فيه صلاح أهله ، لأنه عليه السلام استعطف قلوب أهل مكة يومئذ بتوفير الغنائم عليهم فضجر المنافقون منه . { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى ٱللَّهِ رٰغِبُونَ } جواب « لو » محذوف تقديره : ولو أنهم رضوا لكان خيراً لهم ، والمعنى ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفوسهم وإن قل نصيبهم وقالوا : كفانا فضل الله وصنعه ، وحسبنا ما قسم لنا سيرزقنا غنيمة أخرى فيؤتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما آتانا اليوم إنا إلى الله في أن يغنمنا ويخولنا فضله لراغبون . ثم بين مواضعها التي توضع فيها فقال : { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَاء وَٱلْمَسَـٰكِينِ } قصر جنس الصدقات على الأصناف المعدودة أي هي مختصة بهم لا تتجاوز إلى غيرهم كأنه قيل : إنما هي لهم لا لغيرهم كقولك « إنما الخلافة لقريش » تريد لا تتعداهم ولا تكون لغيرهم ، فيحتمل أن تصرف إلى الأصناف كلها ، وأن تصرف إلى بعضها كما هو مذهبنا ، وعن حذيفة وابن عباس وغيرهما من الصحابة والتابعين أنهم قالوا : في أي صنف منها وضعتها أجزأك . وعند الشافعي رحمه الله : لا بد من صرفها إلى الأصناف وهو المروي عن عكرمة . ثم الفقير الذي لا يسأل لأن عنده ما يكفيه للحال والمسكين الذي يسأل لأنه لا يجد شيئاً فهو أضعف حالاً منه ، وعند الشافعي رحمه الله على العكس { وَٱلْعَـٰمِلِينَ عَلَيْهَا } هم السعادة الذين يقبضونها { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } على الإسلام أشراف من العرب ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم على أن يسلموا وقوم منهم أسلموا فيعطيهم تقريراً لهم على الإسلام { وَفِي ٱلرِّقَابِ } هم المكاتبون يعانون منها { وَٱلْغَـٰرِمِينَ } الذين ركبتهم الديون { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فقراء الغزاة أو الحجيج المنقطع بهم { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } المسافر المنقطع عن ماله ، وعدل عن اللام إلى « في » في الأربعة الأخيرة للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره ، لأن « في » للوعاء ، فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنة لها . وتكرير « في » في قوله { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } فيه فضل وترجيح لهذين على الرقاب والغارمين . وإنما وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ليدل بكون هذه الأصناف مصارف الصدقات حاصة دون غيرهم على أنهم ليسوا منهم ، حسماً لأطماعهم وإشعاراً بأنهم بعداء عنها وعن مصارفها ، فما لهم وما لها ، وما سلطهم على التكلم فيها ولمز قاسمها ! وسهم المؤلفة قلوبهم سقط بإجماع الصحابة في صدر خلافة أبي بكر رضي الله عنه لأن الله أعز الإسلام وأغنى عنهم ، والحكم متى ثبت معقولاً لمعنى خاص يرتفع وينتهي بذهاب ذلك المعنى { فَرِيضَةً مّنَ ٱللَّهِ } في معنى المصدر المؤكد لأن قوله { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلْفُقَرَاءِ } معناه فرض الله الصدقات لهم { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } بالمصلحة { حَكِيمٌ } في القسمة . { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ } الأذن الرجل الذي يصدق كل ما يسمع ويقبل قول كل أحد ، سمي بالجارحة التي هي آلة السماع كأن جملته أذن سامعة ، وإيذاؤهم له هو قولهم فيه { هُوَ أُذُنٌ } قصدوا به المذمة وأنه من أهل سلامة القلوب والعزة ، ففسره الله تعالى بما هو مدح له وثناء عليه فقال { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } كقولك « رجل صدق » تريد الجودة والصلاح كأنه قيل : نعم هو أذن ولكن نعم الأذن ، ويجوز أن يريد هو أذن في الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله وليس بأذن في غير ذلك . ثم فسر كونه أذن خير بأنه { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } أي يصدق بالله لما قام عنده من الأدلة { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } ويقبل من المؤمنين الخلص من المهاجرين والأنصار ، وعدي فعل الإيمان بالباء إلى الله ، لأنه قصد به التصديق بالله الذي هو ضد الكفر به ، وإلى المؤمنين باللام لأنه قصد السماع من المؤمنين وأن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقه لكونهم صادقين عنده ، ألا ترى إلى قوله { وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [ يوسف : 17 ] كيف ينبو عن الباء { وَرَحْمَةٌ } بالعطف على { أذن } { وَرَحْمَةٌ } : حمزة عطف على { خَيْرٍ } أي هو أذن خير وأذن رحمة لا يسمع غيرها ولا يقبله { لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ } أي وهو رحمة الذين آمنوا منكم أي أظهروا الإيمان أيها المنافقون حيث يقبل إيمانكم الظاهر ولا يكشف أسراركم ولا يفعل بكم ما يفعل بالمشركين ، أو هو رحمة للمؤمنين حيث استنقذهم من الكفر إلى الإيمان ويشفع لهم في الآخرة بإيمانهم في الدنيا { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الدارين .