Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 62-72)

Tafsir: Madārik at-tanzīl wa-ḥaqāʾiq at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ } الخطاب للمسلمين ، وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن أو يتخلفون عن الجهاد ثم يأتونهم فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالحلف ليعذروهم ويرضوا عنهم فقيل لهم { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } أي إن كنتم مؤمنين كما تزعمون ، فأحق من أرضيتم الله ورسوله بالطاعة والوفاق . وإنما وحد الضمير لأنه لا تفاوت بين رضا الله ورضا رسول الله فكانا في حكم شيء واحد كقولك « إحسان زيد وإجماله نعشني » أو والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك . { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ } أن الأمر والشأن { مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يجاوز الحد بالخلاف وهي مفاعلة من الحد كالمشاقة من الشق { فَأَنَّ لَهُ } على حذف الخبر أي فحق أن له { نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ * يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } خبر بمعنى الأمر أي ليحذر المنافقون { أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ } { تُنَزَّلَ } بالتخفيف : مكي وبصري { تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } من الكفر والنفاق ، والضمائر للمنافقين لأن السورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم دليله { قُلِ ٱسْتَهْزِءُواْ } ، أو الأولان للمؤمنين ، والثالث للمنافقين ، وصح ذلك لأن المعنى يقود إليه { قُلِ ٱسْتَهْزِءواْ } أمر تهديد { إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } مظهر ما كنتم تحذرونه أي تحذرون إظهاره من نفاقكم ، وكانوا يحذرون أن يفضحهم الله بالوحي فيهم وفي استهزائهم بالإسلام وأهله حتى قال بعضهم : وددت أني قدّمت فجلدت مائة وأنه لا ينزل فينا شيء يفضحنا { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } بينا رسول الله يسير في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا : انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونها ، هيهات هيهات . فأطلع الله نبيه على ذلك فقال : احبسوا عليّ الركب فأتاهم فقال : قلتم كذا وكذا . فقالوا : يا نبي الله لا والله ما كنا في شيء من أمرك ولا من أمر أصحابك ، ولكن كنا في شيء مما يخوض فيه الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر ، أي ولئن سألتهم وقلت لهم لم قلتم ذلك ؟ لقالوا : إنما كنا نخوض ونلعب { قُلْ } يا محمد { قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءَايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } لم يعبأ باعتذارهم لأنهم كانوا كاذبين فيه ، فجعلوا كأنهم معترفون ، باستهزائهم وبأنه موجود فيهم حتى وبخوا بإخطائهم موقع الاستهزاء حيث جعل المستهزأ به يلي حرف التقرير ، وذلك إنما يستقيم بعد ثبوت الاستهزاء { لاَ تَعْتَذِرُواْ } لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة فإنها لا تنفعكم بعد ظهور سركم { قَدْ كَفَرْتُمْ } قد أظهرتم كفركم باستهزائكم { بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ } بعد إظهاركم الإيمان { إن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مّنْكُمْ } بتوبتهم وإخلاصهم الإيمان بعد النفاق { نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } مصرين على النفاق غير تائبين منه { أَن يُعفَ تُعَذّبَ طَائِفَةٌ } غير عاصم . { ٱلْمُنَـٰفِقُونَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتُ } الرجال المنافقون كانوا ثلثمائة والنساء المنافقات مائة وسبعين { بَعْضُهُمْ مّن بَعْضٍ } أي كأنهم نفس واحدة ، وفيه نفي أن يكونوا من المؤمنين وتكذيبهم في قولهم { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } [ التوبة : 56 ] وتقرير لقوله { وَمَا هُم مّنكُمْ } [ التوبة : 56 ] ثم وصفهم بما يدل على مضادة حالهم لحال المؤمنين فقال { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ } بالكفر والعصيان { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } عن الطاعة والإيمان { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } شحاً بالمبارّ والصدقات والإنفاق في سبيل الله { نَسُواْ ٱللَّهَ } تركوا أمره أو أغفلوا ذكره { فَنَسِيَهُمْ } فتركهم من رحمته وفضله { إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ هُمُ الْفَـٰسِقُونَ } هم الكاملون في الفسق الذي هو التمرد في الكفر والانسلاخ عن كل خير ، وكفى المسلم زاجراً أن يلم بما يكسبه هذا الاسم الفاحش الذي وصف به المنافقون حين بالغ في ذمهم { وَعَدَ الله الْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } مقدرين الخلود فيها { هِىَ } أي النار { حَسْبُهُمْ } فيه دلالة على عظم عذابها وأنه بحيث لا يزاد عليه { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } وأهانهم مع التعذيب وجعلهم مذمومين ملحقين بالشياطين الملاعين { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } دائم معهم في العاجل لا ينفكون عنه وهو ما يقاسونه من تعب النفاق ، والظاهر المخالف للباطن خوفاً من المسلمين وما يحذرونه أبداً من الفضيحة ونزول العذاب إن اطلع على أسرارهم . الكاف في { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوٰلاً وَأَوْلَـٰدًا فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلَـٰقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلـٰقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلَـٰقِهِمْ } محلها رفع أي أنتم مثل الذين من قبلكم ، أو نصب على فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم وهو أنكم استمتعتم بخلاقكم كما استمتعوا بخلاقهم أي تلذذوا بملاذ الدنيا . والخلاق النصيب مشتق من الخلق وهو التقدير أي ما خلق للإنسان بمعنى قدر من خير { وَخُضْتُمْ } في الباطل { كَٱلَّذِي خَاضُواْ } كالفوج الذي خاضوا ، أو كالخوض الذي خاضوا . والخوض الدخول في الباطل واللهو ، وإنما قدم { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلَـٰقِهِمْ } وقوله ( كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم مغن عنه ليذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة وطلب الفلاح في الآخرة ، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم { أُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلأخِرَةِ } في مقابلة قوله { وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } [ العنكبوت : 27 ] { وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } ثم ذكر نبأ من قبلهم فقال : { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ } هو بدل من { ٱلَّذِينَ } { وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرٰهِيمَ وِأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ } وأهل مدين وهم قوم شعيب { وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ } مدائن قوم لوط ، وائتفاكهن انقلاب أحوالهن عن الخير إلى الشر { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } فما صح منه أن يظلمهم بإهلاكهم لأنه حكيم فلا يعاقبهم بغير جرم { وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بالكفر وتكذيب الرسل { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } في التناصر والتراحم { يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } بالطاعة والإيمان { وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } عن الشرك والعصيان { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد في « سأنتقم منك يوماً » { إِنَّ ٱللَّهَ عزيزٌ } غالب على كل شيء قادر عليه فهو يقدر على الثواب والعقاب { حَكِيمٌ } واضع كلا موضعه { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَمَسَـٰكِنَ طَيّبَةً } يطيب فيها العيش وعن الحسن رحمه الله : قصوراً من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد { فِى جَنَّـٰتِ عَدْنٍ } هو علم بدليل قوله { جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدَ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ مريم : 61 ] وقد عرفت أن « الذي » و « التي » وضعا لوصف المعارف بالجمل وهي مدينة في الجنة { وَرِضْوٰنٌ مّنَ ٱللَّهِ } وشيء من رضوان الله { أَكْبَرُ } من ذلك كله لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما وعد أو إلى الرضوان { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } وحده دون ما يعده الناس فوزاً .