Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 46-60)
Tafsir: Lubāb at-taʾwīl fī maʿānī at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ادخلوها } أي يقال لهم : ادخلوها والقائل هو الله تعالى أو بعض ملائكته { بسلام آمنين } يعني ادخلوا الجنة مع السلامة والأمن من الموت ومن جميع الآفات { ونزعنا ما في صدورهم من غل } الغل الحقد الكامن في القلب . ويطلق على الشحناء والعداوة والبغضاء والحقد والحسد ، وكل هذه الخصال المذمومة داخلة في الغل لأنها كامنة في القلب يروى أن المؤمنين يحبسون على باب الجنة فيقتص بعضهم من بعض ثم يؤمر بهم إلى الجنة ، وقد نقيت قلوبهم من الغل والغش والحقد والحسد { إخواناً } يعني في المحبة والمودة والمخالطة ، وليس المراد منه إخوة النسب { على سرر } جمع سرير . قال بعض أهل المعاني : السرير مجلس رفيع عدل مهيأ للسرور وهو مأخوذ منه لأنه مجلس سرور . وقال ابن عباس : على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير مثل صنعاء إلى الجابية { متقابلين } يعني يقابل بعضهم بعضاً لا ينظر أحد منهم في قفا صاحبه ، وفي بعض الأخبار أن المؤمن في الجنة إذا أراد أن يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان { لايمسهم فيها } يعني في الجنة { نصب } أي تعب ولا إعياء { وما هم منها } يعني من الجنة { بمخرجين } هذا نص من الله في كتابه على خلود أهل الجنة في الجنة ، والمراد منه خلود بلا زوال وبقاء بلا فناء ، وكمال بلا نقصان وفوز بلا حرمان . قوله سبحانه وتعالى { نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم } قال ابن عباس : يعني لمن تاب منهم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يضحكون فقال : " أتضحكون وبين أيديكم النار فنزل جبريل بهذه الآية وقال : يقول لك ربك يا محمد مم تقنط عبادي " ذكره البغوي بغير سند { وأن عذابي هو العذاب الأليم } قال قتادة بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام ولو يعلم العبد قدر عذابه لبخع نفسه " يعني لقتل نفسه خ عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله سبحانه وتعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة ، وأدخل في خلقه كلهم رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار " وفي الآية لطائف منها أنه سبحانه وتعالى أضاف العباد إلى نفسه بقوله نبىء عبادي وهذا تشريف وتعظيم لهم ، ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لم يزد على قوله { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً } [ الإِسراء : 1 ] فكل من اعترف على نفسه بالعبودية لله تعالى فهو داخل في هذا التشريف العظيم ، ومنها أنه سبحانه وتعالى لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة أولها قوله : أني وثانيها أنا وثالثها إدخال الألف واللام في الغفور الرحيم ، وهذا يدل على تغليب جانب الرحمة والمغفرة . ولما ذكر العذاب لم يقل إني أنا المعذب ، وما وصف نفسه بذلك . بل قال : وأن عذابي هو العذاب الأليم على سبيل الإخبار ، ومنها أنه سبحانه وتعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عباده هذا المعنى فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة . قوله سبحانه وتعالى : { ونبئهم عن ضيف إبراهيم } هذا معطوف على ما قبله أي وأخبر يا محمد عبادي عن ضيف إبراهيم . وأصل الضيف الميل يقال ضفت إلى كذا إذا ملت إليه والضيف من مال إليك نزولاً بك وصارت الضيافة متعارفة في القرى وأصل الضيف مصدر ، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع في عامة كلامهم ، وقد يجمع فيقال أضياف وضيوف وضيفان وضيف إبراهيم هم الملائكة الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى ، ليبشروا إبراهيم بالولد ويهلكوا قوم لوط { إذ دخلوا عليه } يعني إذ دخل الأضياف على إبراهيم عليه السلام { فقالوا سلاماً } أي نسلم سلاماً { قال } يعني إبراهيم { إنا منكم وجلون } أي خائفون وإنما خاف إبراهيم منهم لأنهم لم يأكلوا طعامه { قالوا لا توجل } يعني لا تخف { إنا نبشرك بغلام عليم } يعني أنهم بشروه بولد ذكر غلام في صغره عليم في كبره ، وقيل عليم بالأحكام والشرائع والمراد به إسحاق عليه السلام فلما بشروه بالولد عجب إبراهيم من كبره وكبر امرأته { قال أبشرتموني } يعني بالولد { على أن مسني الكبر } يعني على حالة الكبر ، قاله على طريق التعجب { فبم تبشرون } يعني فبأي شيء تبشرون ، وهو استفهام بمعنى التعجب كأنه عجب من حصول الولد على الكبر { قالوا بشرناك بالحق } يعني بالصدق الذي قضاه الله بأن يخرج منك ولداً ذكراً ، تكثر ذريته وهو إسحاق { فلا تكن من القانطين } يعني فلا تكن من الآيسين من الخير . والقنوط : هو الإياس من الخير { قال } يعني إبراهيم { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } يعني من ييأس من رحمة ربه إلا المكذبون ، وفيه دليل على أن إبراهيم عليه السلام لم يكن من القانطين ، ولكنه استبعد حصول الولد على الكبر فظنت الملائكة أن به قنوطاً فنفى ذلك عن نفسه ، وأخبر أن القانط من رحمة الله تعالى من الضالين لأن القنوط من رحمة الله كبيرة ، كالأمن من مكر الله ولا يحصل إلا عند من يجهل كون الله تعالى قادراً على ما يريد ، ومن يجهل كونه سبحانه وتعالى عالماً بجميع المعلومات فكل هذه الأمور سبب للضلالة { قال } يعني إبراهيم { فما خطبكم } يعني فما شأنكم وما الأمر الذي جئتم فيه { أيها المرسلون } والمعنى ما الأمر الذي جئتم به سوى ما بشرتموني به من الولد { قالوا } يعني الملائكة { إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } يعني لهلاك قوم مجرمين { إلا آل لوط } يعني أشياعه وأتباعه من أهل دينه { إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته } يعني امرأة { لوط قدرنا } يعني قضينا وإنما أسند الملائكة القدر إلى أنفسهم وإن كان ذلك لله عز وجل ، لاختصاصهم بالله وقربهم منه كما تقول خاصة الملك نحن أمرنا ، ونحن فعلنا وإن كان قد فعلوه بأمر الملك { إنها لمن الغابرين } يعني لمن الباقين في العذاب والاستثناء من النفي إثبات ، ومن الإثبات نفي فاستثناء امرأة لوط من الناجين يلحقها بالهالكين .