Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 88-89)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المزجاة : المدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً من أزجيته إذا دفعته وطردته ، والريح تزجي السحاب . وقال حاتم الطائي : @ لبيك على ملحان ضيف مدفع وأرملة تزجي مع الليل أرملا @@ { فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين . قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون } : في الكلام حذف تقديره : فذهبوا من الشام إلى مصر ودخلوها ، فلما دخلوا عليه ، والضمير في عليه عائد على يوسف ، وكان آكد ما حدثوه فيه شكوى ما أصابهم من الجهد قبل ما وصاهم به من تحسس نبأ يوسف وأخيه . والضر : الهزال من الشدة والجوع ، والبضاعة كانت زيوفاً قاله ابن عباس . وقال الحسن : قليلة . وقال ابن جبير : ناقصة . وقيل : كانت عروضاً . قيل : كانت ضوفاً وسمناً . وقيل : صنوبراً وحبة الخضراء وهي الفستق قاله : أبو صالح ، وزيد بن أسلم ، وقيل : سويق المقل والأقط ، وقيل : قديد وحش . وقيل : حبالاً وأعدالاً وأقتاباً ، ثم التمسوا منه إيفاء الكيل . وقد استدل بهذا على أن الكيل على البائع ولا دليل فيه . وتصدق علينا أي : بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة ، أو زدنا على حقنا ، فسموا ما هو فضل وزيادة لا تلزمه صدقة . قيل : لأن الصدقات محرمة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقيل : كانت تحل لغير نبينا صلى الله عليه وسلم . وسئل ابن عيينة عن ذلك فقال : ألم تسمع وتصدق علينا ، أراد أنها كانت حلالاً لهم . وقال الزمخشري : والظاهر أنهم تمسكنوا له وطلبوا أن يتصدق عليهم ، ومن ثم رق لهم وملكته الرحمة عليهم ، فلم يتمالك أن عرفهم نفسه . وقوله إنّ الله يجزي المتصدقين شاهد ، لذلك لذكر الله وجزائه انتهى . وقيل : كانت الصدقة محرمة ، ولكن قالوها تجوز استعطافاً منهم له في المبايعة كما تقول لمن ساومته في سلعة : هبني من ثمنها كذا ، فلم يقصد أن يهبك ، وإنما حسنت معه الأفعال حتى يرجع منك إلى سومك . وقال ابن جريج : إنما خصوا بقولهم : وتصدق علينا أمر أخيهم بنيامين أي : أوف لنا الكيل في المبايعة ، وتصدق علينا برد أخينا على أبيه . وقال النقاش في قوله : إن الله يجزي المتصدقين ، هي من المعاريض التي هي مندوحة عن الكذب ، وذلك أنهم كانوا يعتقدونه ملكاً كافراً على غير دينهم . ولو قالوا : إن الله يجزيك بصدقتك في الآخرة كذبوا ، فقالوا له لفظاً يوهم أنهم أرادوه ، وهم يصح لهم إخراجه منه بالتأويل . وروي أنهم لما قالوا له : مسنا وأهلنا الضر واستعطفوه ، رق لهم ورحمهم . قال ابن إسحاق : وارفض دمعه باكياً ، فشرع في كشف أمره إليهم . فيروي أنه حسر قناعة وقال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه أي : من التفريق بينهما في الصغر ، وإذاية بنيامين بعد مغيب يوسف ؟ وكانوا يذلونه ويشتمونه . قال ابن عطية : ونسبهم إما إلى جهل المعصية ، وإما إلى جهل السيآت وقلة الحنكة . وقال الزمخشري : أتاهم من جهة الدين وكان حليماً موفقاً ، فكلمهم مستفهماً عن معرفة وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب فقال : هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون لا تعلمون قبحه ، فلذلك أقدمتم عليه يعني : هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه ؟ لأنّ علم القبح يدعو إلى الاستقباح ، والاستقباح يجر التوبة ، فكان كلامه شفقة عليهم وتنصحاً لهم في الدين ، وإيثاراً لحق الله على حق نفسه في ذلك المقام الذي يتنفس فيه المكروب وينفث المصدور ويشتفي المغيظ المحنق ويدرك ثأره الموتور ، فلله أخلاق الأنبياء ما أوطاها وأسمحها ، ولله حصى عقولهم ما أرزنها وأرجحها انتهى ! وقيل : لم يرد نفي العلم عنهم لأنهم كانوا علماء ، ولكنهم لما فعلوا ما لا يقتضيه العلم ، وتقدم عليه إلا جاهل سماهم جاهلين . وفي التحرير ما لخص منه وهو أن قول الجمهور : هل علمتم استفهام معناه التقريع والتوبيخ ، ومراده تعظيم الواقعة أي : ما أعظم ما ارتكبتم من يوسف . كما يقال : هل تدري من عصيت ؟ وقيل : هل بمعنى قد ، لأنهم كانوا عالمين ، وفعلتم بيوسف إفراده من أبيهم ، وقولهم : بأن الذئب أكله ، وإلقاؤه في الجب وبيعه بثمن بخس إن كانوا هم الذين باعوه ، وقولهم : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ، والذي فعلوا بأخيه أذاهم له وجفاؤهم له ، واتهامه بسرقة الصاع ، وتصريحهم بأنه سرق ، ولم يذكر لهم ما إذ واجه أباهم تعظيماً لقدره وتفخيماً لشأنه أن يذكره مع نفسه وأخيه . قال ابن عباس ، والحسن : جاهلون صبيان . وقال مقاتل : مذنبون . وقيل : جاهلون بما يجب من بر الأب ، وصلة الرحم ، وترك الهوى . وقيل : جاهلون بما يؤول إليه أمر يوسف . وقيل : جاهلون بالفكر في العاقبة ، وعدم النظر إلى المصلحة . وقال المفسرون : وغرض يوسف توبيخ إخوته وتأنيبهم على ما فعلوا في حق أبيهم وفي حق أخويهم ، قال : والصحيح أنه قال ذلك تأنيساً لقلوبهم ، وبسط عذر كأنه قال : إنما أقدمكم على ذلك الفعل القبيح جهالة الصبا أو الغرور ، وكأنه لقنهم الحجة كقوله : { ما غرك بربك الكريم } [ الانفطار : 6 ] وما حكاه ابن الهيصم في قصة من أنه صلبهم ، والثعلبي في حكايته أنه غضب عليهم فأمر بقتلهم فبكوا وجزعوا ، فرق لهم وقال : هل علمتم الآية : لا يصح البتة ، وكان يوسف من أرق خلق الله وأشفقهم على الأجانب ، فكيف مع إخوته ولما اعترفوا بالخطأ قال : لا تثريب عليكم الآية .