Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 90-93)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الإيثار : لفظ يعم جميع التفضل وأنواع العطايا . التثريب : التأنيب والعتب ، وعبر بعضهم عنه بالتعبير . ومنه « إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب » أي لا يعبر . وأصله من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش ، ومعناه : إزالة الثرب ، كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع ، لأنه إذا ذهب كان ذلك غاية الهزال ، فضرب مثلاً للتقريع الذي يمزق الأعراض ، ويذهب بهاء الوجه . { قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهـذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين . قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين . قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين . اذهبوا بقميصي هـذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وأتوني بأهلكم أجمعين } : لما خاطبهم بقوله : هل علمتم ؟ أدركوا أنه لا يستفهم ملك لم ينشأ عندهم ، ولا تتبع أحوالهم ، وليس منهم فيما يظهر إلا وعنده علم بحالهم فيقال : إنه كان يكلمهم من وراء حجاب ، فرفعه ووضع التاج وتبسم ، وكان يضيء ما حوله من نور تبسمه أو رأوا لمعة بيضاء كالشامة في فرقه حين وضع التاج وكان مثلها لأبيه وجده وسارة ، فتوسموا أنه يوسف ، واستفهموه استفهام استخبار . وقيل : استفهام تقرير ، لأنهم كانوا عرفوه بتلك العلامات التي سبق ذكرها . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : كيف عرفوه ؟ ( قلت ) : رأوا في روائه وشمائله حين كلمهم بذلك ما شعروا به أنه هو ، مع علمهم بأن ما خاطبهم به لا يصدر إلا عن حنيف مسلم من نسل إبراهيم عليه السلام ، لا عن بعض أعزاء مصر . وقرأ الجمهور : أئنك على الاستفهام ، والخلاف في تحقيق الهمزتين ، أو تليين الثانية وإدخال ألف في التلين ، أو التحقيق مذكور في القراآت السبع . وقرأ قتادة ، وابن محيصن ، وابن كثير : إنك بغير همزة استفهام ، والظاهر أنها مرادة . ويبعد حمله على الخبر المحض ، وقد قاله بعضهم لتعارض الاستفهام والخبر إن اتحد القائلون في القول وهو الظاهر ، فإن قدر أنّ بعضاً استفهم وبعضاً أخبر ، ونسب في كل من القراءتين إلى المجموع قول بعضهم : أمكن ، وهو مع ذلك بعيد . وقرأ أبي : أئنك أو أنت يوسف . وخرجه ابن جني على حذف خبر إن وقدره : أئنك لأنت يوسف ، أو أنت يوسف . وقدره الزمخشري : أئنك يوسف ، أو أنت يوسف ، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال : وهذا كلام مستعجب مستغرب لما يسمع ، فهو يكرر الاستثبات انتهى . وحكى أبو عمرو الداني في قراءة أبي بن كعب قالوا : أو أنت يوسف ؟ وفي قراءة الجمهور : أئنك لأنت ، يجوز أن تكون اللام دخلت على أنت ، وهو فصل : وخبر إنّ يوسف كما تقول : إنْ كان زيد لهو الفاضل . ويجوز أن تكون دخلت على أنت وهو مبتدأ ، ويوسف خبره ، والجملة في موضع خبر إن ، ولا يجوز أن يكون أنت توكيداً للضمير الذي هو اسم إن لحيلولة اللام بينهما . ولما استفهموه أجابهم فقال : أنا يوسف كاشفاً لهم أمره ، وزادهم في الجواب قوله : وهذا أخي ، لأنه سبق قوله : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه ؟ وكان في ذكر أخيه بيان لما سألوا عنه ، وإن كان معلوماً عندهم وتوطئة لما ذكر بعد من قوله : قد منَّ الله علينا أي : بالاجتماع بعد الفرقة والأنس بعد الوحشة . ثم ذكر أنّ سبب منِّ الله عليه هو بالتقوى والصبر ، والأحسن أن لا تخص التقوى بحالة ولا الصبر . وقال مجاهد : من يتقي في تركه المعصية ويصبر في السجن . وقال النخعي : من يتقي الزنا ويصبر على العزوبة . وقيل : ومن يتق الله ويصبر على المصائب . وقال الزمخشري : من يتق ، من يخف الله . وعقابه ، ويصبر عن المعاصي ، وعلى الطاعات . وقيل : من يتقي معاصي الله ، ويصبر على أذى الناس ، وهذه كلها تخصيصات بحسب حالة يوسف ونوازله . وقرأ قنبل : من يتقي ، فقيل : هو مجزوم بحذف الياء التي هي لام الكلمة ، وهذه الياء إشباع . وقيل : جزمه بحذف الحركة على لغة من يقول : لم يرمي زيد ، وقد حكوا ذلك لغة . وقيل : هو مرفوع ، ومن موصول بمعنى الذي ، وعطف عليه مجزوم وهو : ويصبر ، وذلك على التوهم . كأنه توهم أن من شرطية ، ويتقي مجزوم . وقيل : ويصبر مرفوع عطفاً على مرفوع ، وسكنت الراء لا للجزم ، بل لتوالي الحركات ، وإن كان ذلك من كلمتين ، كما سكنت في يأمركم ، ويشعركم ، وبعولتهن ، أو مسكناً للوقف ، وأجرى الوصل مجرى الوقف . والأحسن من هذه الأقوال أن يكون يتقي مجزوماً على لغة ، وإن كانت قليلة ، ولا يرجع إلى قول أبي علي قال : وهذا مما لا يحمل عليه ، لأنه إنما يجيء في الشعر لا في الكلام ، لأن غيره من رؤساء النحويين قد نقلوا أنه لغة . والمحسنين : عام يندرج فيه من تقدم ، أو وضع موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين كأنه قيل : لا يضيع أجرهم . وآثرك : فضلك بالملك ، أو بالصبر ، والعلم قالهما ابن عباس ، أو بالحلم والصفح ذكره أبو سليمان الدمشقي ، أو بحسن الخلق والخلق ، والعلم ، والحلم ، والإحسان ، والملك ، والسلطان ، وبصبرك على أذاناً قاله : صاحب الغنيان . أو بالتقوى ، والصبر وسيرة المحسنين قاله : الزمخشري ، وهو مناسب لقوله : { إنه من يتق } الآية وخطابهم إياه بذلك استنزال لإحسانه ، واعتراف بما صدر منهم في حقه . وخاطئين : من خطىء إذا تعمد . وأما أخطأ فقصد الصواب ولم يوفق له . ولا تثريب : لا لوم ولا عقوبة . وتثريب اسم لا ، وعليكم الخبر ، واليوم منصوب بالعامل في الخبر أي : لا تثريب مستقر عليكم اليوم . وقال الزمخشري : ( فإن قلت ) : بم تعلق اليوم ؟ ( قلت ) : بالتثريب ، أو بالمقدر في عليكم من معنى الاستقرار ، أو بيغفر . والمعنى : لا أثربكم اليوم ، وهذا اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام ! ثم ابتدأ فقال : يغفر الله لكم ، فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم . يقال : غفر الله لك ، ويغفر الله لك على لفظ الماضي والمضارع جميعاً ، ومنه قول المشمت : يهديكم الله ويصلح بالكم . أو اليوم يغفر الله لكم بشارة بعاجل الغفران ، لما تجدد يومئذ من توبتهم وندمهم على خطيئتهم انتهى . أما قوله : إن اليوم يتعلق بالتثريب ، فهذا لا يجوز ، لأنّ التثريب مصدر ، وقد فصل بينه وبين معموله بقوله : وعليكم . إما أن يكون خبراً ، أو صفة لتثريب ، ولا يجوز الفصل بينهما ، لأنّ معمول المصدر من تمامه . وأيضاً لو كان اليوم متعلقاً بتثريب لم يجز بناؤه ، وكان يكون من قبيل المشبه بالمضاف ، وهو الذي يسمى المطول ، ويسمى الممطول ، فكان يكون معرباً منوناً . وأما تقديره الثاني فتقدير حسن ، ولذلك وقف على قوله اليوم أكثر القراء . وابتدأوا بيغفر الله لكم على جهة الدعاء ، وهو تأويل ابن إسحاق والطبري . وأما تقديره الثالث وهو أن يكون اليوم متعلقاً بيغفر فمقول ، وقد وقف بعض القراء على عليكم ، وابتدأ اليوم يغفر الله لكم . قال ابن عطية : والوقف على اليوم أرجح في المعنى ، لأنّ الآخر فيه حكم على مغفرة الله ، اللهم إلا أن يكون ذلك بوحي . وأما قوله : فبشارة إلى آخره ، فعلى طريقة المعتزلة ، فإنّ الغفران لا يكون إلا لمن تاب . قال ابن الأنباري : إنما أشار إلى ذلك اليوم لأنه أول أوقات العفو ، وسبيل العافي في مثله أن لا يراجع عقوبة . وأجاز الحوفي أن يكون عليكم في موضع الضفة لتثريب ، ويكون الخبر اليوم ، وهو وجه حسن . وقيل : عليكم بيان كلك في قولهم : سقياً لك ، فيتعلق بمحذوف . ونصوا على أنه لا يجوز أن يتعلق عليكم بتثريب ، لأنه كان يعرب ، فيكون منوناً لأنه يصير من باب المشبه بالمضاف . ولو قيل : إن الخبر محذوف ، وعليكم متعلق بمحذوف يدل عليه تثريب ، وذلك المحذوف هو العامل في اليوم وتقديره : لا تثريب عليكم اليوم ، كما قدروا في { لا عاصم اليوم من أمر الله } [ هود : 43 ] أي : يعصم اليوم ، لكان وجهاً قوياً ، لأنّ خبر لا إذا علم كثر حذفه عند أهل الحجاز ، ولم يلفظ به بنو تميم . ولما دعا لهم بالمغفرة أخبر عن الله بالصفة التي هي سبب الغفران ، وهو أنه تعالى أرحم الرحماء ، فهو يرجو منه قبول دعائه لهم بالمغفرة . والباء في بقميصي الظاهر أنها للحال أي : مصحوبين أو ملتبسين به . وقيل : للتعدية أي : اذهبوا بقميصي ، أي احملوا قميصي . قيل : هو القميص الذي توارثه يوسف وكان في عنقه ، وكان من الجنة ، أمره جبريل عليه السلام أنْ يرسله إليه فإن فيه ريح الجنة ، لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عوفي . وقيل : كان لابراهيم كساه الله إياه من الجنة حين خرج من النار ، ثم لإسحاق ، ثم ليعقوب ، ثم ليوسف . وقيل : هو القميص الذي قدّ من دبر ، أرسله ليعلم يعقوب أنه عصم من الفاحشة . والظاهر أنه قميص من ملبوس يوسف بمنزلة قميص كل واحد ، قال ذلك : ابن عطية . وهكذا تتبين الغرابة في أنْ وجد يعقوب ريحه من بعد ، ولو كان من قمص الجنة ما كان في ذلك غرابة ولوجده كل أحد . وقوله : فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً ، يدل على أنه علم أنه عمى من الحزن ، إما بإعلامهم ، وإما بوحي . وقوله : يأت بصيراً ، يظهر أنه بوحي . وأهلوه الذين أمر بأن يؤتي بهم سبعون ، أو ثمانون ، أو ثلاثة وتسعون ، أو ستة وتسعون ، أقوال أولها للكلبي وثالثها المسروق . وفي واحد من هذا العدد حلوا بمصر ونموا حتى خرج من ذريتهم مع موسى عليه السلام ستمائة ألف . ومعنى : يأت ، يأتيني ، وانتصب بصيراً على الحال .