Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 176-191)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ الحرميان وابن عامر : ليكة هنا ، وفي { ص } بغير لام ممنوع الصرف . وقرأ باقي السبعة الأيكة ، بلام التعريف . فأما قراءة الفتح ، فقال أبو عبيد : وجدنا في بعض التفسيران : ليكة : اسم للقرية ، والأيكة : البلاد كلها ، كمكة وبكة ، ورأيتها في الإمام مصحف عثمان في الحجر و { ق } : الأيكة ، وفي الشعراء و { ص } : ليكة ، واجتمعت مصاحف الأمصار كلها بعد على ذلك ولم تختلف . انتهى . وقد طعن في هذه القراءة المبرد وابن قتيبة والزجاج وأبو عليّ الفارسي والنحاس ، وتبعهم الزمخشري ؛ ووهموا القراء وقالوا : حملهم على ذلك كون الذي كتب في هذين الموضعين على اللفظ في من نقل حركة الهمزة إلى اللام وأسقط الهمزة ، فتوهم أن اللام من بنية الكلمة ففتح الياء ، وكان الصواب أن يجيز ، ثم مادّة ل ي ك لم يوجد منها تركيب ، فهي مادّة مهملة . كما أهملوا مادّة خ ذ ج منقوطاً ، وهذه نزعة اعتزالية ، يعتقدون أن بعض القراءة بالرأي لا بالرواية ، وهذه قراءة متواترة لا يمكن الطعن فيها ، ويقرب إنكارها من الردّة ، والعياذ بالله . أما نافع ، فقرأ على سبعين من التابعين ، وهم عرب فصحاء ، ثم هي قراءة أهل المدينة قاطبة . وأما ابن كثير ، فقرأ على سادة التابعين ممن كان بمكة ، كمجاهد وغيره ، وقد قرأ عليه إمام البصرة أبو عمرو بن العلاء ، وسأله بعض العلماء : أقرأت على ابن كثير ؟ قال : نعم ، ختمت على ابن كثير بعدما ختمت على مجاهد ، وكان ابن كثير أعلم من مجاهد باللغة . قال أبو عمرو : ولم يكن بين القراءتين كبير يعني خلافاً . وأما ابن عامر فهو إمام أهل الشام ، وهو عربي قح ، قد سبق اللحن ، أخذ عن عثمان ، وعن أبي الدرداء وغيرهما . فهذه أمصار ثلاثة اجتمعت على هذه القراءة الحرمان مكة والمدينة والشام ، وأما كون هذه المادّة مفقودة في لسان العرب ، فإن صح ذلك كانت الكلمة عجمية ، ومواد كلام العجم مخالفة في كثير مواد كلام العرب ، فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث . وتقدم مدلول الأيكة في الحجر ، وكان شعيب عليه السلام من أهل مدين ، فلذلك جاء : { وإلى مدين أخاهم شعيباً } [ الأعراف : 85 ] . ولم يكن من أهل الأيكة ، فلذلك قال هنا : { إذ قال لهم شعيب } . ومن غريب النقل ما روي عن ابن عباس ، أن { أصحاب الأيكة } هم أصحاب مدين ، وعن غيره ، أن { أصحاب الأيكة } هم أهل البادية ، وأصحاب مدين هم الحاضرة . وروي في الحديث : " أن شعيباً أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة ، أمرهم بإيفاء الكيل ، وهو الواجب ، ونهاهم عن الإخسار ، وهو التطفيف ، ولم يذكر الزيادة على الواجب ، لأن النفوس قد تشح بذلك فمن فعله فقد أحسن ، ومن تركه فلا حرج " وتقدم تفسير القسطاس في سورة الإسراء . وقال الزمخشري : إن كان من القسط ، وهو العدل ، وجعلت العين مكررة ، فوزنه فعلاء ، وإلا فهو رباعي . انتهى . ولو تكرر ما يماثل العين في النطق ، لم يكن عند البصريين إلا رباعياً . وقال ابن عطية : هو مبالغة من القسط . انتهى . والظاهر أن قوله : { وزنوا } ، هو أمر بالوزن ، إذ عادل قوله : { أوفوا الكيل } ، فشمل ما يكال وما يوزن مما هو معتاد فيه ذلك . وقال ابن عباس ومجاهد : معناه عدلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله الله لعباده . { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } : الجملة والتي تليها تقدم الكلام عليهما . ولما تقدم أمره عليه السلام إياهم بتقوى الله ، أمرهم ثانياً بتقوى من أوجدهم وأوجد من قبلهم ، تنبيهاً على أن من أوجدهم قادر على أن يعذبهم ويهلكهم . وعطف عليهم { والجبلة } إيذاناً بذلك ، فكأنه قيل : يصيركم إلى ما صار إليه أولوكم ، فاتقوا الله الذي تصيرون إليه . وقرأ الجمهور : والجبلة بكسر الجيم والباء وشد اللام . وقرأ أبو حصين ، والأعمش ، والحسن : بخلاف عنه ، بضمها والشد للام . وقرأ السلمي : والجبلة ، بكسر الجيم وسكون الباء ، وفي نسخة عنه : فتح الجيم وسكون الباء ، وهي من جبلوا على كذا ، أي خلقوا . قيل : وتشديد اللام في القراءتين في بناءين للمبالغة . وعن ابن عباس : الجبلة : عشرة آلاف . { وما أنت } : جاء هنا بالواو ، وفي قصة هود : { ما أنت } ، بغير واو . فقال الزمخشري : إذا دخلت الواو فقد قصد معنيان ، كلاهما مخالف للرسالة عندهم ، التسحير والبشرية ، وأن الرسول لا يجوز أن يكون مسحراً ، ولا يجوز أن يكون بشراً ، وإذا تركت الواو فلم يقصد إلا معنى واحد ، وهو كونه مسحراً ، ثم قرر بكونه بشراً . انتهى . { وإن نظنك لمن الكاذبين } : إن هي المخففة من الثقيلة ، واللام في لمن هي الفارقة ، خلافاً للكوفيين ، فإن عندهم نافية واللام بمعنى إلا ، وتقدم الخلاف في نحو ذلك في قوله : { وإن كانت لكبيرة } [ البقرة : 143 ] . ثم طلبوا منه إسقاط كسف ، من السماء عليهم ، وليس له ذلك ، فالمعنى : إن كنت صادقاً ، فادع الذي أرسلك أن يسقط علينا كسفاً ، أي قطعة ، أو قطعاً على حسب التسكين والتحريك . وقال الزمخشري : وكلاهما جمع كسفة ، نحو : قطع وشذر . وقيل : الكسف والكسفة ، كالريع والريعة ، وهي القطعة وكسفة : قطعة ، والسماء : السحاب أو المظلة . ودل طلبهم ذلك على التصميم على الجحود والتكذيب . ولما طلبوا منه ما طلبوا ، أحال علم ذلك إلى الله تعالى ، وأنه هو العالم بأعمالكم ، وبما تستوجبون عليها من العقاب ، فهو يعاقبكم بما شاء . { فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة } ، وهو نحو مما اقترحوا . ولم يذكر الله كيفية عذاب يوم الظلة ، حتى أن ابن عباس قال : من حدثك ما عذاب يوم الظلة فقد كذب ، وذكر في حديثها تطويلات . فروى أنه حبس عنهم الريح سبعاً ، فابتلوا بحرّ عظيم يأخذ بأنفاسهم ، لا ينفعهم ظل ولا ماء ، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية ، فأظلتهم سحابة وجدوا لها برداً ونسيماً ، فاجتمعوا تحتها ، فأمطرت عليهم ناراً فأحرقتهم . وكرر ما كرر في أوائل هذه القصص ، تنبيهاً على أن طريقة الأنبياء واحدة لا اختلاف فيها ، وهي الدعاء إلى توحيد الله وعبادته ورفض ما سواه ، وأنهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مشتركون في ذلك ، وأن ما جاء به صلى الله عليه وسلم هو ما جاءت به الرسل قبله ، وتلك عادة الأنبياء . قال ابن عطية : وجاءت الألفاظ في دعاء كل واحد من هؤلاء الأنبياء واحدة بعينها ، إذ كان الإيمان المدعو إليه معنى واحداً بعينه . وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف كرر في هذه السورة في أول كل قصة وآخرها ما كرر ؟ قلت : كل قصة منها كتنزيل برأسه ، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها . فكانت كل واحدة منها تدلى بحق ، إلى أن تفتح بمثل ما افتتحت به صاحبتها ، وأن تختتم بمثل ذلك مما اختتمت به ، ولأن التكرير تقرير للمعاني في النفوس ، وتثبيت لها في الصدور ، ولأن هذه القصص طرقت بهذا آذان ، وقر عن الأنصات للحق ، وقلوب غلف عن تدبره ، فأوثرت بالوعظ والتذكير ، وروجعت بالترديد والتكرير .