Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 72-74)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون } قال الحسن ، والسدي : تواطأ اثنا عشر حبراً من يهود خيبر وقرى عرينة ، وقال بعضهم لبعض : ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ، واكفروا به في آخر النهار ، وقولوا إنا نظرنا في كتبنا ، وشاورنا علماءنا ، فوجدنا محمداً ليس كذلك ، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه ، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم ، وقالوا : هم أهل الكتاب فهم أعلم منا ، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم ، فنزلت . وقال مجاهد ، ومقاتل ، والكلبي : هذا في شأن القبلة ، لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود ، فقال كعب بن الأشرف وأصحابه : صلوا إليها أول النهار ، وارجعوا إلى كعبتكم الصخرة آخره ، فنزلت . وقال ابن عباس ، ومجاهد : صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم ارجعوا آخر النهار فصلوا صلاتهم ليرى الناس أنه قد بدت لهم منه ضلالة بعد أن كانوا اتبعوه ، فنزلت . وقال السدي : قالت اليهود لسفلتهم : آمنوا بمحمد أول النهار ، فإذا كان بالعشي قولوا : قد عرفنا علماؤنا أنكم لستم على شيء ، فنزلت . وحكى ابن عطية ، عن الحسن : أن يهود خيبر قالت ذلك ليهود المدينة . انتهى . جعلت اليهود هذا سبباً إلى خديعة المسلمين . والمقول لهم محذوف ، فيحتمل أن يكون بعض هذه الطائفة لبعض ، ويحتمل أن يكون المقول لهم ليسوا من هذه الطائفة ، والمراد : بآمنوا ، أظهروا الإيمان ، ولا يمكن أن يراد به التصديق ، وفي قوله : { بالذي أنزل على الذين آمنوا } حذف أي : على زعمهم ، وإلاَّ فهم يكذبون ، ولا يصدقون أن الله أنزل شيئاً على المؤمنين . وانتصب : وجه النهار ، على الظرف ومعناه : أول النهار ، شبه بوجه الإنسان إذ هو أول ما يواجه منه . وقال الربيع بن زياد العبسي في مالك بن زهير بن خزيمة العبسي : @ من كان مسروراً بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهار @@ والضمير في : آخره ، عائد على النهار ، أي : آخر النهار . والناصب للظرف الأول : آمنوا ، وللآخر : اكفروا . وقيل : الناصب لقوله : وجه النهار ، أنزل . أي : بالذي أنزل على الذين آمنوا في أول النهار ، والضمير في : آخره ، يعود على الذي أنزل ، أي : واكفروا آخر المنزل ، وهذا فيه بعد ومخالفة لأسباب النزول ، ومتعلق الرجوع محذوف أي : يرجعون عن دينهم . وظاهر الآية الدلالة على هذا القول ، وأما امتثال الأمر ممن أمر به فسكوت عن وقوعه ، وأسباب النزول تدل على وقوعه ، وهذا القول طمعوا أن ينخدع العرب به ، أو يقول قائلهم : هؤلاء أهل الكتاب القديم وجودة النظر والإطلاع ، دخلوا في هذا الأمر ورجعوا عنه ، وفيه تثبيت أيضاً لضعفائهم على دينهم . { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } اللام في : لمن ، قيل : زائدة للتأكيد ، كقوله { عسى أن يكون ردف لكم } [ النمل : 72 ] أي ردفكم ، وقال الشاعر : @ ما كنت أخدع للخليل بحله حتى يكون لي الخليل خدوعاً @@ أراد : ما كنت أخدع الخليل ، والأجود أن لا تكون : اللام ، زائدة بل ضمن ، آمن معنى : أقر واعترف ، فعدى باللام . وقال أبو علي : وقد تعدّى آمن باللام في قوله { فما آمن لموسى إلا ذرية } [ يونس : 83 ] و { آمنتم له } [ طه : 71 ] { ويؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين } [ التوبة : 61 ] انتهى . والأجود ما ذكرناه من جملة قول طائفة اليهود ، لأنه معطوف على كلامهم ، ولذلك قال ابن عطية : لا خلاف بين أهل التأويل أن هذا القول من كلام الطائفة . انتهى . وليس كذلك ، بل من المفسرين من ذهب إلى أن ذلك من كلام الله ، يثبت به قلوب المؤمنين لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم ، فأما إذا كان من كلام طائفة اليهود ، فالظاهر أنه انقطع كلامهم إذ لا خلاف ، ولا شك أن قوله : { قل إن الهدى هدى الله } من كلام الله مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وما بعده يظهر أنه من كلام الله ، وأنه من جملة قوله لنبيه وأن يؤتى مفعول من أجله ، وتقدير الكلام : قل يا محمد لأولئك اليهود الذين قالوا : إن الهدى هدى الله ، لا ما رمتم من الخداع بتلك المقالة ، وذاك الفعل ، لمخافة { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم } قلتم ذلك القول ودبرتم تلك المكيدة ، أي : فعلتم ذلك حسداً وخوفاً من أن تذهب رئاستكم ، ويشارككم أحد فيما أوتيتم من فضل العلم ، أو يحاجوكم عند ربكم ، أي : يقيمون الحجة عليكم عند الله إذ كتابكم طافح ، بنبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وملزم لكم أن تؤمنوا به وتتبعوه ، ويؤيد هذا المعنى قوله : { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } إلى آخره ، ويؤيد هذا المعنى أيضاً قراءة ابن كثير أن يؤتى على الاستفهام الذي معناه الإنكار عليهم والتقرير والتوبيخ والاستفهام الذي معناه الإنكار هو مثبت من حيث المعنى ، أي ألمخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ؟ أو يحاجوكم عند ربكم قلتم ذلك وفعلتموه ؟ ويكون : أو يحاجوكم ، معطوفاً على : يؤتى ، وأو : للتنويع ، وأجازوا أن يكون : هدى الله ، بدلاً من : الهدى . لا خبراً لأن . والخبر قوله : { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } أي أن هدى الله إيتاء أحد مثل ما أوتيتم من العلم ، ويكون : أو يحاجوكم ، منصوباً بإضمار : أن ، بعد أو بمعنى : حتى ، أي : حتى يحاجوكم عند ربكم فيغلبوكم ويدحضوا حجتكم عند الله ، لأنكم تعلمون صحة دين الإسلام ، وأنه يلزمكم اتباع هذا النبي ، ولا يكون : أو يحاجوكم ، معطوفاً على : يؤتى ، وداخلاً في خبر إن ، و : أحد ، في هذين القولين ليس الذي يأتي في العموم مختصاً به ، لأن ذلك شرطه أن يكون في نفي ، أو في خبر نفي ، بل : أحد ، هنا بمعنى : واحد ، وهو مفرد ، إذ عنى به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما جمع الضمير في : يحاجوكم ، لأنه عائد على الرسول وأتباعه ، لأن الرسالة تدل على الأتباع . وقال بعض النحويين : إن ، هنا للنفي بمعنى : لا ، التقدير : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، ونقل ذلك أيضاً عن الفراء ، وتكون : أو ، بمعنى إلاَّ ، والمعنى إذ ذاك : لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلاَّ أن يحاجوكم ، فإن إيتاءه ما أوتيتم مقرون بمغالبتكم ومحاجتكم عند ربكم ، لأن من آتاه الله الوحي لا بد أن يحاجهم عند ربهم في كونهم لا يتبعونه ، فقوله : أو يحاجوكم ، حال من جهة المعنى لازمة ، إذ لا يوحي الله إلى رسول إلاَّ وهو محاج مخالفيه . وفي هذا القول يكون ، أحد ، هو الذي للعموم . لتقدّم النفي عليه ، وجمع الضمير في : يحاجوكم ، حملاً على معنى : أحد ، كقوله تعالى { فما منكم من أحد عنه حاجزين } [ الحاقة : 47 ] جمع حاجزين حملاً على معنى : أحد ، لا على لفظه ، إذ لو حمل على لفظه لأفرد . لكن في هذا القول القول بأن : أن ، المفتوحة تأتي للنفي بمعنى لا ، ولم يقم على ذلك دليل من كلام العرب . والخطاب في : أوتيتم ، وفي : يحاجوكم ، على هذه الأقوال الثلاثة للطائفة السابقة ، القائلة : { آمنوا بالذي أنزل } وأجاز بعض النحويين أن يكون المعنى : أن لا يؤتى أحد ، وحذفت : لا ، لأن في الكلام دليلاً على الحذف . قال كقوله : { يبين الله لكم أن تضلوا } [ النساء : 176 ] أي : أن لا تضلوا . وردّ ذلك أبو العباس ، وقال : لا تحذف : لا ، وإنما المعنى : كراهة أن تضلوا ، وكذلك هنا : كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أي : ممن خالف دين الإسلام ، لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين . والخطاب في : أوتيتم ، و : يحاجوكم ، لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا : أن يؤتى مفعول من أجله على حذف كراهة ، ويحتاج إلى تقدير عامل فيه ، ويصعب تقديره ، إذ قبله جملة لا يظهر تعليل النسبة فيها بكراهة الإيتاء المذكور . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون قوله : أن يؤتى ، بدلا من قوله : هدى الله ، ويكون المعنى : قل إن الهدى هدى الله وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن . ويكون قوله : أو يحاجوكم ، بمعنى : أو فليحاجوكم ، فإنهم يغلبونكم . انتهى هذا القول . وفيه الجزم بلام الأمر وهي محذوفة ولا يجوز ذلك على مذهب البصريين إلاَّ في الضرورة . وقال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب : أن يؤتى ، بفعل مضمر يدل عليه قوله { ولا تؤمنوا إلاَّ لمن تبع دينكم } كأنه قيل : { قل إن الهدى هدى الله } فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا . انتهى كلامه . وهو بعيد ، لأن فيه حذف حرف النهي ومعموله ، ولم يحفظ ذلك من لسانهم . وأجازوا أن يكون قوله { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم } ليس داخلاً تحت قوله : قل ، بل هو من تمام قول الطائفة ، متصل بقوله : { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } ويكون قوله : { قل إن الهدى هدى الله } جملة اعتراضية بين ما قبلها وما بعدها . ويحتمل هذا القول وجوها : أحدهما : أن يكون المعنى : ولا تصدّقوا تصديقاً صحيحاً وتؤمنوا إلاَّ لمن جاء بمثل دينكم ، مخافة أن يؤتى أحد من النبوّة والكرامة مثل ما أوتيتم ، ومخافة أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم يستمروا عليه ، وهذا القول ، على هذا المعنى ، ثمرة الحسد والكفر مع المعرفة بصحة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم . الثاني : أن يكون التقدير : أن لا يؤتى ، فحذفت : لا ، لدلالة الكلام ، ويكون ذلك منتفياً داخلاً في حيز : إلاَّ ، لا مقدراً دخوله قبلها ، والمعنى : ولا تؤمنوا لأحد بشيء إلاَّ لمن تبع دينكم ، بانتفاء أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، وانتفاء أن يحاجوكم عند ربكم أي : إلاَّ بانتفاء كذا . الثالث : أن يكون التقدير : بأن يؤتى ، ويكون متعلقاً بتؤمنوا ، ولا يكون داخلاً في حيز إلاَّ ، والمعنى : ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلاَّ لمن تبع دينكم ، وجاء بمثله ، وعاضداً له ، فإن ذلك لا يؤتاه غيركم . ويكون معنى : { أو يحاجوكم عند ربكم } بمعنى : إلاَّ أن يحاجوكم ، كما تقول : أنا لا أتركك أو تقضيني حقي ، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة التكذيب لمحمد صلى الله عليه وسلم ، على اعتقاد أن النبوّة لا تكون إلاَّ في بني إسرائيل . الرابع : أن يكون المعنى : لا تؤمنوا بمحمد وتقروا بنبوّته إذ قد علمتم صحتها إلاَّ لليهود الذين هم منكم ، و { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } صفة لحال محمد صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى : تستروا بإقراركم أن قد أوتي أحد مثل أوتيتم ، أو فإنهم يعنون العرب ، يحاجونكم بالإقرار عند ربكم . وقال الزمخشري في هذا الوجه ، وبدأ به ما نصه : ولا تؤمنوا ، متعلق بقوله : أن يؤتى أحد ، و : ما بينهما اعتراض ، أي : ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلاَّ لأهل دينكم دون غيرهم ، أرادوا : أسِرُّوا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا لأشياعكم وحدهم دون المسلمين ، لئلا يزيدوا ثباتاً ، ودون المشركين لئلا يدعوهم إلى الإسلام : { أو يحاجوكم عند ربكم } عطف على { أن يؤتى } والضمير في : يحاجوكم ، لأحدَ لأنه في معنى الجميع بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم أن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ، ويغالبونكم عند الله بالحجة . انتهى كلامه . وأما : أحد ، على هذه الأقوال فإن كان الذي للعموم ، وكان ما قبله مقدراً بالنفي ، كقول بعضهم أن المعنى : لا يؤتى ، أو : إن المعنى : أن لا يؤتى أحد ، فهو جار على المألوف في لسان العرب من أنه لا يأتي إلاَّ في النفي أو ما أشبه النفي : كالنهي ، وإن كان الفعل مثبتاً يدخل هنا لأنه تقدم النفي في أول الكلام ، كما دخلت من في قوله : { أن ينزل عليكم من خير } [ البقرة : 105 ] للنفي قبله في قوله : { ما يودّ } [ البقرة : 105 ] . ومعنى الاعتراض على هذه الأوجه أنه أخبر تعالى بأن ما راموا من الكيد والخداع بقولهم : { آمنوا بالذي أنزل } الآية ، لا يجدي شيئاً ، ولا يصدّ عن الإيمان من أراد الله إيمانه ، لأن الهدى هو هدى الله ، فليس لأحد أن يحصله لأحد ، ولا أن ينفيه عن أحد . وقرأ ابن كثير : أن يؤتى أحد ؟ بالمدّ على الاستفهام ، وخرجه أبو عليّ على أنه من قول الطائفة ، ولا يمكن أن يحمل على ما قبله من الفعل ، لأن الإستفهام قاطع ، فيكون في موضع رفع على الإبتداء وخبره محذوف تقديره تصدّقون به ، أو تعترفون ، أو تذكرونه لغيركم ، ونحوه مما يدل عليه الكلام . و : يحاجوكم ، معطوف على : أن يؤتى . قال أبو علي : ويجوز أن يكون موضع : أن ، نصباً ، فيكون المعنى : أتشيعون ، أو : أتذكرون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ؟ ويكون بمعنى : أتحدّثونهم بما فتح الله عليكم ؟ فعلى كلا الوجهين معنى الآية توبيخ من الأحبار للاتباع على تصديقهم بأن محمداً نبي مبعوث ، ويكون : أو يحاجوكم ، في تأويل نصب أن بمعنى : أو تريدون أن يحاجوكم ؟ . قال أبو عليّ وأحد ، على قراءة ابن كثير هو الذي لا يدل على الكثرة ، وقد منع الإستفهام القاطع من أن يشيع لامتناع دخوله في النفي الذي في أول الكلام ، فلم يبق إلاَّ أنه : أحد ، الذي في قولك : أحد وعشرون ، وهو يقع في الإيجاب ، لأنه في معنى : واحد ، وجمع ضميره في قوله : أو يحاجوكم ، حملاً على المعنى ، إذ : لأحد ، المراد بمثل النبوّة أتباع فهو في المعنى للكثرة قال أبو عليّ : وهذا موضع ينبغى أن ترجح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير ، لأن الأسماء المفردة ليس بالمستمر أن يدل على الكثرة . انتهى تخريج أبي علي لقراءة ابن كثير ، وقد تقدم تخريج قراءته على أن يكون قوله : أن يؤتى ، مفعولاً من أجله ، على أن يكون داخلاً تحت القول من قول الطائفة ، وهو أظهر من جعله من قول الطائفة . وقد اختلف السلف في هذه الآية ، فذهب السدّي وغيره إلى أن الكلام كله من قوله : { قل إن الهدى هدى الله } إلى آخر الآية مما أمر الله به محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقوله لأمّته . وذهب قتادة ، والربيع : إلى أن هذا كله من قول الله ، أمره أن يقوله للطائفة التي قالت : { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } وذهب مجاهد وغيره إلى أن قوله { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم } كله من قول الطائفة لأتباعهم ، وقوله { قل إن الهدى هدى الله } اعتراض بين ما قبله وما بعده من قول الطائفة لأتباعهم . وذهب ابن جريج إلى أن قوله : { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } داخل تحت الأمر الذي هو : قل ، يقوله الرسول لليهود ، وتم مقوله في قوله : أوتيتم . وأما قوله : { أو يحاجوكم عند ربكم } فهو متصل بقول الطائفة { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } وعلى هذه ، الانحاء ترتيب الأوجه السابقة . وقرأ الأعمش وشعيب بن أبي حمزة : إن يؤتى ، بكسر الهمزة بمعنى : لم يعط أحد مثل ما أعطيتم من الكرامة ، وهذه القراءة يحتمل أن يكون الكلام خطاباً من الطائفة القائلة ؟ ويكون قولها : أو يحاجوكم ، بمعنى : أو ، فليحاجوكم ، وهذا على التصميم على أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتي ، أو يكون بمعنى : إلاَّ أن يحاجوكم ، وهذا على تجويز : أن يؤتى ، أحد ذلك إذا قامت الحجة له . هذا تفسير ابن عطية لهذه القراءة ، وهذا على أن يكون من قول الطائفة . وقال أيضاً في تفسيرها : كأنه صلى الله عليه وسلم يخبر أمّته أن الله لا يعطي أحداً ، ولا أعطى فيما سلف مثل ما أعطى أمّة محمد من كونها وسطاً ، فهذا التفسير على أنه من كلام محمد صلى الله عليه وسلم لأمّته ، ومندرج تحت : قل . وعلى التفسير الأول فسرها الزمخشري ، قال : وقرىء : إن يؤتى أحد على : إن ، النافية وهو متصل بكلام أهل الكتاب أي : ولا تؤمنوا إلاَّ لمن تبع دينكم وقولوا ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم ، أي : ما يؤتون مثله فلا يحاجوكم . قال ابن عطية : وقرأ الحسن : ان يؤتى أحدٌ ، بكسر التاء على اسناد الفعل إلى : أحد ، والمعنى أن إنعام الله لا يشبهه إنعام أحد من خلقه ، وأظهر ما في هذه القراءة أن يكون خطاباً من محمد صلى الله عليه وسلم لأمته ، والمفعول محذوف تقديره : ان يؤتى أحد أحداً . انتهى . ولم يتعرّض ابن عطية للفظ : ان ، في هذه القراءة : أهي بالكسر أم بالفتح . وقال السجاوندي : وقرأ الأعمش : ان يؤتى ، و : الحسن : ان يؤتى أحداً ، جعلا : ان ، نافية ، وإن لم تكن بعد إلاَّ كقوله تعالى : { فيما إن مكناكم فيه } [ الأحقاف : 26 ] و : أو ، بمعنى : إلاَّ إن ، وهذا يحتمل قول الله عز وجل ، ومع اعتراض : قل ، قول اليهود . انتهى . وفي معنى : الهدى ، هنا قولان : أحدهما : ما أوتيه المؤمنون من التصديق برسول الله صلى الله عليه وسلم . والثاني : التوفيق والدلالة إلى الخير حتى يسلم ، أو يثبت على الإسلام . ويحتمل : عند ربكم ، وجهين : أحدهما : أن ذلك في الآخرة . والثاني : عند كتب ربكم الشاهدة عليكم ولكم ، وأضاف ذلك إلى الرب تشريفاً ، وكان المعنى : أو يحاجوكم عند الحق ، وعلى هذين المعنيين تدور تفاسير الآية ، فيحمل كل منها على ما يناسب من هذين المعنيين . { قل إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء } هذا توكيد لمعنى { قل إنّ الهدى هدى الله } وفي ذلك تكذيب لليهود حيث قالو : شريعة موسى مؤبدة ولن يؤتي الله أحداً مثل ما أوتي بنو إسرائيل من النبوّة ، فالفضل هو بيد الله . أي : متصرّف فيه كالشيء في اليد ، وهذه كناية عن قدرة التصرّف والتمكن فيها والباري تعالى منزه عن الجارحة . ثم أخبر بأنه يعطيه من أراد ، فاختصاصه بالفضل من شاء ، إنما سببه الإرادة فقط ، وفسر : الفضل ، هنا بالنبوّة أشرف أفراده . { والله واسع عليم } تقدّم تفسيره . { يختص برحمته من يشاء } قال الحسن ، ومجاهد ، والربيع : يفرد بنبوّته من يشاء . وقال ابن جريج : بالإسلام والقرآن . وقال ابن عباس ، ومقاتل : الإسلام . وقيل : كثرة الذكر لله تعالى . { والله ذو الفضل العظيم } تقدّم تفسير هذا وتفسير ما قبله في آخر آية : { ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتاب } [ البقرة : 105 ] وتضمنت هذه الآيات من البديع : التجنيس المماثل ، والتكرار في : آمنوا وآمنوا ، وفي الهدى ، هدى الله وفي : يؤتى وأوتيتم ، وفي : ان الفضل ، وذو الفضل . والتكرار أيضاً في : اسم الله ، في أربعة مواضع . والطباق : في آمنوا واكفروا ، وفي وجه النهار وفي آخره ، والإختصاص . في : وجه النهار ، لأنه وقت اجتماعهم بالمؤمنين يراؤونهم ، وآخره لأنه وقت خلوتهم بأمثالهم من الكفار ، والحذف في مواضع .