Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 28-35)
Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سبب نزولها أن أزواجه ، صلى الله عليه وسلم ، تغايرن وأردن زيادة في كسوة ونفقة ، فنزلت . ولما نصر الله نبيه وفرق عنه الأحزاب وفتح عليه قريظة والنضير ، ظن أزواجه أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم ، فقعدن حوله وقلن : يا رسول الله ، بنات كسرى وقيصر في الحلى والحلل والإماء والخول ، ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق . وآلمن قلبه بمطالبتهن له بتوسعة الحال ، وأن يعاملهن بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم ، فأمره الله أن يتلو عليهن ما نزل في أمرهن ؛ وأزواجه إذ ذاك تسع : عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وسودة بنت زمعة ، وأم سملة بنت أبي أمية ، وهؤلاء من قريش . ومن غير قريش : ميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، وصفية بنت حيـي بن أخطب الخيبرية . وقال أبو القاسم الصيرفي : " لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة ، فاختار الآخرة ، وأمر بتخيير نسائه ليظهر صدق موافقتهن ، وكان تحته عشر نساء ، زاد الحميرية ، فاخترن الله ورسوله إلا الحميرية . وروي أنه قال لعائشة ، وبدأ بها ، وكانت أحبهن إليه : إن ذاكر لك أمراً ، ولا عليك أن لا تعجلي فيه تستأمري أبويك . ثم قرأ عليها القرآن ، فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، لا تخبر أزواجك أني اخترتك ، فقال : إنما بعثني الله مبلغاً ولم يبعثني متعنتاً " والظاهر أنهن إذا اخترن الحياة الدنيا وزينتها ، متعهن رسول الله وطلقهن ، وأنه ليس باختيارهن ذلك يقع الفراق دون أن يوقعه هو . وقال الأكثرون : هي آية تخيير ، فإذا قال لها : اختاري ، فاختارت زوجها ، لم يكن ذلك طلاقاً . وعن علي : تكون واحدة رجعية ، وإن اختارت نفسها ، وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة وأصحابه ، وهو قول علي ؛ وواحدة رجعية عند الشافعي ، وهو قول عمر وابن مسعود ؛ وثلاث عند مالك . وأكثر الناس ذهبوا إلى أن الآية في التخيير والطلاق ، وهو قول علي والحسن وقتادة ، قال هذا القائل . وأما أمر الطلاق فمرجأ ، فإن اخترن أنفسهن ، نظر هو كيف يسرحهن ، وليس فيها تخيير في الطلاق ، لأن التخيير يتضمن ثلاث تطليقات ، وهو قد قال : { وأسرحكن سراحاً جميلاً } ، وليس مع بت الطلاق سراح جميل . انتهى . والذي يدل عليه ظاهر الآية هو ما ذكرناه أولاً من أنه علق على إرادتهن زينة الحياة الدنيا وقوع التمتيع والتسريح منه ، والمعنى في الآية : أنه كان عظيم همكن ومطلبكن التعمق في الدنيا ونيل نعيمها وزينتها . وتقدم الكلام في : { فتعالين } في قوله تعالى : { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم } [ الآية : 61 ] في آل عمران . { أمتعكن } ، قيل : المتعة واجبة في الطلاق ؛ وقيل : مندوب إليها . والأمر في قوله : { ومتعوهن } [ البقرة : 236 ] يقتضي الوجوب في مذهب الفقهاء ، وتقدم الكلام في ذلك ، وفي تفصيل المذاهب في البقرة . والتسريح الجميل إما في دون البيت ، أو جميل الثناء ، والمعتقد وحسن العشرة إن كان تاماً . وقرأ الجمهور : { أمتعكن } ، بالتشديد من متع ؛ وزيد بن علي : بالتخفيف من أمتع ، ومعنى { أعد } : هيأ ويسر ، وأوقع الظاهر موقع المضمر تنبيهاً على الوصف الذي ترتب لهن به الأجر العظيم ، وهو الإحسان ، كأنه قال : أعد لكن ، لأن من أراد الله ورسوله والدار الآخرة كان محسناً . وقراءة حميد الخراز : { أمتعكن وأسرحكن } ، بالرفع على الاستئناف ؛ والجمهور : بالجزم على جواب الأمر ، أو على جواب الشرط ، ويكون { فتعالين } جملة اعتراض بين الشرط وجزائه ، ولا يضر دخول الفاء على جملة الاعتراض ، ومثل ذلك قول الشاعر : @ واعلم فعلم المرء ينفعه إن سوف يأتي كل ما قدرا @@ ثم نادى نساء النبي ، ليجعلن بالهن مما يخاطبن به ، إذا كان أمراً يجعل له البال . وقرأ زيد بن علي ، والجحدري ، وعمرو بن فائد الأسواري ، ويعقوب : تأت ، بتاء التأنيث ، حملاً على معنى من ؛ والجمهور : بالياء ، حملاً على لفظ من . { بفاحشة مبينة } : كبيرة من المعاصي ، ولا يتوهم أنها الزنا ، لعصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من ذلك ، ولأنه وصفها بالتبيين والزنا مما يتستر به ، وينبغي أن تحمل الفاحشة على عقوق الزوج وفساد عشرته . ولما كان مكانهن مهبط الوحي من الأوامر والنواهي ، لزمهن بسبب ذلك . وكونهن تحت الرسول أكثر مما يلزم غيرهن ، فضوعف لهن الأجر والعذاب . وقرأ نافع ، وحمزة ، وعاصم ، والكسائي : { يضاعف } ، بألف وفتح العين ؛ والحسن ، وعيسى ، وأبو عمرو : بالتشديد وفتح العين ؛ والجحدري ، وابن كثير ، وأبو عامر : بالنون وشد العين مكسورة ؛ وزيد بن علي ، وابن محيصن ، وخارجة ، عن أبي عمرو : بالألف والنون والكسر ؛ وفرقة : بياء الغيبة والألف والكسر . ومن فتح العين رفع { العذاب } ، ومن كسرها نصبه . { ضعفين } : أي عذابين ، فيضاف إلى عذاب سائر الناس عذاب آخر . وقال أبو عبيدة ، وأبو عمرو فيما حكى الطبري عنهما : إنه يضاف إلى العذاب عذابان ، فتكون ثلاثة . وكون الأجر مرتين بعد هذا القول ، لأن العذاب في الفاحشة بإزاء الأجر في الطاعة . { وكان ذلك } : أي تضعيف العذاب عليهن ، { على الله يسيراً } : أي سهلاً ، وفيه إعلام بأن كونهن نساء ، مع مقارفة الذنب ، لا يغني عنهن شيئاً ، وهو يغني عنهن ، وهو سبب مضاعفة العذاب . { ومن يقنت } : أي يطع ويخضع بالعبودية لله ، وبالموافقة لرسوله . وقرأ الجمهور : ومن يقنت بالمذكر ، حملاً على لفظ من ، وتعمل بالتاء حملاً على المعنى . { نؤتها } : بنون العظمة . وقرأ الجحدري ، والأسواري ، ويعقوب ، في رواية : ومن تقنت بتاء التأنيث ، حملاً على المعنى ، وبها قرأ ابن عامر في رواية ، ورواها أبو حاتم عن أبي جعفر وشيبة ونافع . وقال ابن خالويه : ما سمعت أن أحداً قرأ : ومن يقنت ، إلا بالتاء . وقرأ السلمي ، وابن وثاب ، وحمزة ، والكسائي : بياء من تحت في ثلاثتها . وذكر أبو البقاء أن بعضهم قرأ : ومن يقنت بالياء ، حملاً على المعنى ، ويعمل بالياء حملاً على لفظ من قال ؛ فقال بعض النحويين : هذا ضعيف ، لأن التذكير أصل لا يجعل تبعاً للتأنيث ، وما عللوه به قد جاء مثله في القرآن ، وهو قوله تعالى : { خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا } [ الأنعام : 139 ] . انتهى . وتقدم الكلام على { خالصة } في الأنعام . والرزق الكريم : الجنة . قال ابن عطية : ويجوز أن يكون في ذلك وعد دنياوي ، أي أن أرزاقها في الدنيا على الله ، وهو كريم من حيث هو حلال وقصد ، وبرضا من الله في نيله . وقال بعض المفسرين : العذاب الذي توعد به ضعفين هو عذاب الدنيا ، ثم عذاب الآخرة ؛ وكذلك الأجر ، وهو ضعيف . انتهى . وإنما ضوعف أجرهن لطلبهن رضا رسول الله ، بحسن الخلق وطيب المعاشرة والقناعة والتوقر على عبادة الله . { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء } : أي ليس كل واحدة منكن كشخص واحد من النساء ، أي من نساء عصرك . وليس النفي منصباً على التشبيه في كونهن نسوة . تقول : ليس زيد كآحاد الناس ، لا تريد نفي التشبيه عن كونه إنساناً ، بل في وصف أخص موجود فيه ، وهو كونه عالماً ، أو عاملاً ، أو مصلياً . فالمعنى : أنه يوجد فيكن من التمييز ما لا يوجد في غيركن ، وهو كونكن أمهات المؤمنين وزوجات خير المرسلين . ونزل القرآن فيكن ، فكما أنه عليه السلام ليس كأحد من الرجال ، كما قال عليه السلام : " لست كأحدكم " ، كذلك زوجاته اللاتي تشرفن به . وقال الزمخشري : أحد في الأصل بمعنى وحد ، وهو الواحد ؛ ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه ، والمعنى : لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء ، أي إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة ، لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة ، ومنه قوله عز وجل : { والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم } [ النساء : 152 ] ، يريد بين جماعة واحدة منهم ، تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق المبين . انتهى . أما قوله : أحد في الأصل بمعنى : وحد ، وهو الواحد فصحيح . وأما قوله : ثم وضع ، إلى قوله : وما وراءه ، فليس بصحيح ، لأن الذي يستعمل في النفي العام مدلوله غير مدلول واحداً ، لأن واحد ينطلق على كل شيء اتصف بالوحدة ، وأحد المستعمل في النفي العام مخصوص بمن يعقل . وذكر النحويون أن مادته همزة وحاء ودال ، ومادة أحد بمعنى وحد أصله واو وحاء ودال ، فقد اختلفا مادة ومدلولاً . وأما قوله : { لستن } كجماعة واحدة ، فقد قلنا : إن قوله { لستن } معناه : ليست كل واحدة منكن ، فهو حكم على كل واحدة واحدة ، ليس حكماً على المجموع من حيث هو مجموع . وقلنا : إن معنى كأحد : كشخص واحد ، فأبقينا أحداً على موضوعه من التذكير ، ولم نتأوله بجماعة واحدة . وأما { ولم يفرقوا بين أحد منهم } [ النساء : 152 ] ، فاحتمل أن يكون الذي للنفي العام ، ولذلك جاء في سياق النفي ، فعم وصلحت البينية للعموم . واحتمل أن يكون أحد بمعنى واحد ، ويكون قد حذف معطوف ، أي بين واحد وواحد من رسله ، كما قال الشاعر : @ فما كان بين الخير لوجا سالماً أبو حجر إلا ليال قلائل @@ أي : لستن مثلهن إن اتقيتن الله ، وذلك لما انضاف مع تقوى الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه ، ونزول القرآن في بيتهن وفي حقهن . وقال الزمخشري : { إن اتقيتن } : إن أردتن التقوى ، وإن كن متقيات . { فلا تخضعن بالقول } : فلا تجبن بقولكنّ خاضعاً ، أي ليناً خنثاً ، مثل كلام المريبات والمومسات . { فيطمع الذي في قلبه مرض } : أي ريبة وفجوراً . انتهى . فعلى القول الأول يكون { إن اتقيتن } قيداً في كونهن لسن كأحد من النساء ، ويكون جواب الشرط محذوفاً . وعلى ما قاله الزمخشري ، يكون { إن اتقيتن } ابتداء شرط ، وجوابه { فلا تخضعن } ، وكلا القولين فيهما حمل . { إن اتقيتن } على تقوى الله تعالى ، وهو ظاهر الاستعمال ، وعندي أنه محمول على أن معناه : إن استقبلتن أحداً ، { فلا تخضعن } . واتقى بمعنى : استقبل معروف في اللغة ، قال النابغة : @ سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد @@ أي : استقبلتنا باليد ، ويكون هذا المعنى أبلغ في مدحهن ، إذ لم يعلق فضيلتهن على التقوى ، ولا علق نهيهن عن الخضوع بها ، إذ هن متقيات لله في أنفسهن ، والتعليق يقتضي ظاهره أنهن لسن متحليات بالتقوى . قال ابن عباس : لا ترخصن بالقول . وقال الحسن : لا تكلمن بالرفث . وقال الكلبي : لا تكلمن بما يهوى المريب . وقال ابن زيد : الخضوع بالقول ما يدخل في القلب الغزل . وقيل : لا تلن للرجال القول . أمر تعالى أن يكون الكلام خيراً ، لا على وجه يظهر في القلب علاقة ما يظهر عليه من اللين ، كما كان الحال عليه في نساء العرب من مكالمة الرجال برخيم الصوت ولينه ، مثل كلام المومسات ، فنهاهن عن ذلك ، وقال الشاعر : @ يتكلم لو تستطيع كلامه لانت له أروى الهضاب الصخر @@ وقال آخر : @ لو أنها عرضت لأشمط راهب عبد الإله ضرورة المتعبد لرنا لرؤيتها وحسن حديثها ولحالها رشداً وإن لم يرشد @@ وقرأ الجمهور : { فيطمع } ، بفتح الميم ونصب العين ، جواباً للنهي ؛ وأبان بن عثمان ، وابن هرمز : بالجزم ، فكسرت العين لالتقاء الساكنين ، نهين عن الخضوع بالقول ، ونهى مريض القلب عن الطمع ، كأنه قيل : لا تخضع فلا تطمع . وقراءة النصب أبلغ ، لأنها تقتضي الخضوع بسبب الطمع . وقال أبو عمرو الداني : قرأ الأعرج وعيسى : فيَطمِع ، بفتح الياء وكسر الميم . ونقلها ابن خالويه عن أبي السماك ، قال : وقد روي عن ابن محيصن ، وذكر أن الأعرج ، وهو ابن هرمز ، قرأ : فيُطمِعَ ، بضم الياء وفتح العين وكسر الميم ، أي فيطمع هو ، أي الخضوع بالقول ؛ والذي مفعول ، أو الذي فاعل والمفعول محذوف ، أي فيطمع نفسه . والمرض ، قال قتادة : النفاق ؛ وقال عكرمة : الفسق والغزل . { وقلن قولاً معروفاً } : والمحرم ، وهو الذي لا تنكره الشريعة ولا العقول . قال ابن عباس : المرأة تندب إذا خالطت الأجانب ، عليها بالمصاهرة إلى الغلظة في القول من غير رفع الصوت ، فإنها مأمورة بخفض الكلام . وقال الكلبي : معروفاً صحيحاً ، بلا هجر ولا تمريض . وقال الضحاك : عنيفاً ؛ وقيل : خشناً حسناً ؛ وقيل : معروفاً ، أي قولاً أُذن لكم فيه ؛ وقيل : ذكر الله وما يحتاج إليه من الكلام . وقرأ الجمهور : وقِرن ، بكسر القاف ، من وقر يقر إذا سكن وأصله ، أوقرن ، مثل عدن من وعد . وذكر أبو الفتح الهمداني ، في كتاب التبيان ، وجهاً آخر قال : قار يقار ، إذا اجتمع ، ومنه القارة لاجتماعها . ألا ترى إلى قول عضل والديش : اجتمعوا فكونوا قارة ؟ فالمعنى : اجمعن أنفسكن في بيوتكن . { وقرن } : أمر من قار ، كما تقول : خفن من خاف ؛ أو من القرار ، تقول : قررت بالمكان ، وأصله : واقررت ، حذفت الراء الثانية تخفيفاً ، كما حذفوا لام ظللت ، ثم نقلت حركتها إلى القاف فذهبت ألف الوصل . وقال أبو علي : أبدلت الراء ونقلت حركتها إلى القاف ، ثم حذفت الياء لسكونها وسكون الراء بعدها . انتهى ، وهذا غاية في التحميل كعادته . وقرأ عاصم ونافع : بفتح القاف ، وهي لغة العرب ؛ يقولون : قررت بالمكان ، بكسر الراء وبفتح القاف ، حكاه أبو عبيد والزجاج وغيرهما ، وأنكرها قوم ، منهم المازني ، وقالوا : بكسر الراء ، من قرت العين ، وبفتحها من القرار . وقرأ ابن أبي عبلة : واقررن ، بألف الوصل وكسر الراء الأولى . وتقدم لنا الكلام على قررت ، وأنه بالفتح والكسر من القرار ومن القرة . أمرهن تعالى بملازمة بيوتهن ، ونهاهن عن التبرج ، وأعلم تعالى أنه فعل الجاهلية الأولى ، وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية بكت حتى تبل خمارها ، تتذكر خروجها أيام الجمل تطلب بدم عثمان . وقيل لسودة : لم لا تحجين وتعتمرين كما يفعل إخوانك ؟ فقالت : قد حججت واعتمرت وأمرني الله أن أقر في بيتي ، فما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها . { ولا تبرجن } ، قال مجاهد وقتادة : التبرج : التبختر والتغنج والتكسر . وقال مقاتل : تلقي الخمار على وجهها ولا تشده . وقال المبرد : تبدي من محاسنها ما يجب عليها ستره . و { الجاهلية الأولى } : يدل على أن ثم جاهلية متقدمة وأخرى متأخرة . فقيل : هما ابنان لآدم ، سكن أحدهما الجبل ، فذكور أولاده صباح وإناثهم قباح ؛ والآخر السهل ، وأولاده على عكس ذلك . فسوى لهم إبليس عيداً يجتمع جميعهم فيه ، فمال ذكور الجبل إلى إناث السهل وبالعكس ، فكثرت الفاحشة ، فهو تبرج الجاهلية الأولى . وقال عكرمة والحكم بن عيينة : ما بين آدم ونوح ، وهي ثمانمائة سنة ، كان الرجال صباحاً والنساء قباحاً ، فكانت المرأة تدعو الرجل إلى نفسها . وقال ابن عباس أيضاً : الجاهلية الأولى ما بين إدريس ونوح ، كانت ألف سنة ، تجمع المرآة بين زوج وعشيق . وقال الكلبي وغيره : ما بين نوح وإبراهيم . قال مقاتل : زمن نمروذ ، بغايا يلبسن أرق الدروع ويمشين في الطرق . وقال الزمخشري : والجاهلية الأولى هي القديمة التي يقال لها الجاهلية الجهلاء ، وهي الزمان الذي ولد فيه إبراهيم . كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ ، فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال . وقال أبو العالية : زمن داود وسليمان ، كان للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبين ، يظهر منه الأكعاب والسوأتان . وقال المبرد : كانت المرأة تجمع بين زوجها وحلمها ، للزوج نصفها الأسفل ، وللحلم نصفها ، يتمتع به في التقبيل والترشف . وقيل : ما بين موسى وعيسى . وقال الشعبي : ما بين عيسى ومحمد ، عليهما الصلاة والسلام . وقال مقاتل : الأولى زمن إبراهيم ، والثانية زمن محمد ، عليه الصلاة والسلام ، قبل أن يبعث . وقال الزجاج : الأشبه قول الشعبي ، لأنهم هم الجاهلية المعروفون ، كانوا يتخذون البغايا . وإنما قيل الأولى ، لأنه يقال لكل متقدم ومتقدمة أول وأولى ، وتأويله أنهم تقدموا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهم أولى ، وهم أول من أمة محمد ، عليه الصلاة والسلام . وقال عمر لابن عباس : وهل كانت الجاهلية إلا واحدة ؟ فقال ابن عباس : وهل كانت الأولى إلا ولها آخرة ؟ فقال عمر : لله درك يا ابن عباس . وقال الزمخشري : والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ومحمد ، عليهما الصلاة والسلام . ويجوز أن يكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام ، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام ، فكان المعنى : ولا يجدكن بالتبرج جاهلية في الإسلام يتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر . ويعضده ما روي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لأبي الدرداء : « إن فيك جاهلية » ، قال : جاهلية كفر أم إسلام ؟ فقال : « بل جاهلية كفر » " انتهى . والمعروف في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام إنما قال : " إنك امرؤ فيك جاهلية " ، لأبي ذر ، رضي الله عنه . وقال ابن عطية : والذي يظهر عندي أنه أشار إلى الجاهلية التي خصها ، فأمرن بالنقلة من سيرتهن فيها ، وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفر ، ولأنهم كانوا لا غيرة عندهم ، وكان أمر النساء دون حجبة ، وجعلها أولى بالإضافة إلى حالة الإسلام ، وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى . وقد مر إطلاق اسم الجاهلية على تلك المدة التي قبل الإسلام ، فقالوا : جاهلي في الشعراء . وقال ابن عباس في البخاري : سمعت ، أي في الجاهلية إلى غير هذا . انتهى . { وأقمن الصلاة } : أمرهن أمراً خاصاً بالصلاة والزكاة ، إذ هما عمودا الطاعة البدنية والمالية ، ثم جاء بهما في عموم الأمر بالطاعة ، ثم بين أن نهيهن وأمرهن ووعظهن إنما هو لإذهاب المأثم عنهن وتصونهن بالتقوى . واستعار الرجس للذنوب ، والطهر للتقوى ، لأن عرض المقترف للمعاصي يتدنس بها ويتلوث ، كما يتلوث بدنه بالأرجاس . وأما الطاعات ، فالعرض معها نقي مصون كالثوب الطاهر ، وفي هذه الاستعارة تنفير عما نهى الله عنه ، وترغيب فيما أمر به . والرجس يقع على الإثم ، وعلى العذاب ، وعلى النجاسة ، وعلى النقائص ، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت . وقال الحسن : الرجس هنا : الشرك . وقال السدي : الإثم . وقال ابن زيد : الشيطان . وقال الزجاج : الفسق ؛ وقيل : المعاصي كلها ، ذكره الماوردي . وقيل : الشك ؛ وقيل : البخل والطبع ؛ وقيل : الأهواء والبدع . وانتصب أهل على النداء ، أو على المدح ، أو على الاختصاص ، وهو قليل في المخاطب ، ومنه : @ بك الله نرجو الفضل @@ وأكثر ما يكون في المتكلم ، وقوله : @ نحن بنات طارق نمشي على النمارق @@ ولما كان أهل البيت يشملهن وآباءهن ، غلب المذكر على المؤنث في الخطاب في : { عنكم } ، { ويطهركم } . وقول عكرمة ، ومقاتل ، وابن السائب : أن أهل البيت في هذه الآية مختص بزوجاته عليه السلام ليس بجيد ، إذ لو كان كما قالوا ، لكان التركيب : عنكن ويطهركن ، وإن كان هذا القول مروياً عن ابن عباس ، فلعله لا يصح عنه . وقال أبو سعيد الخدري : هو خاص برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين . وروي نحوه عن أنس وعائشة وأم سلمة . وقال الضحاك : هم أهله وأزواجه . وقال زيد بن أرقم ، والثعلبي : بنو هاشم الذين يحرمون الصدقة آل عباس ، وآل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، ويظهر أنهم زوجاته وأهله ، فلا تخرج الزوجات عن أهل البيت ، بل يظهر أنهن أحق بهذا الاسم لملازمتهن بيته ، عليه الصلاة والسلام . وقال ابن عطية : والذي يظهر أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك ألبتة ، فأهل البيت : زوجاته وبنته وبنوها وزوجها . وقال الزمخشري : وفي هذا دليل على أن نساء النبي من أهل بيته . ثم ذكر لهن أن بيوتهن مهابط الوحي ، وأمرهن أن لا ينسين ما يتلى فيها من الكتاب الجامع بين أمرين : وهو آيات بينات تدل على صدق النبوة ، لأنه معجز بنظمه ، وهو حكمة وعلوم وشرائع . { إن الله كان لطيفاً خبيراً } ، حين علم ما ينفعكم ويصلحكم في دينكم فأنزله عليكم ، أو علم من يصلح لنبوته ومن يصلح لأن تكونوا أهل بيته ، أو حيث جعل الكلام جامعاً بين الغرضين . انتهى . واتصال { واذكرن } بما قبله يدل على أنهن من البيت ، ومن لم يدخلهن قال : هي ابتداء مخاطبة . { واذكرن } ، إما بمعنى احفظن وتذكرنه ، وإما اذكرنه لغيركن واروينه حتى ينقل . و { من آيات الله } : هو القرآن ، { والحكمة } : هي ما كان من حديثه وسنته ، عليه الصلاة والسلام ، غير القرآن ، ويحتمل أن يكون وصفاً للآيات . وفي قوله : { لطيفاً } ، تليين ، وفي { خبيراً } ، تحذير مّا . وقرأ زيد بن علي : ما تتلى بتاء التأنيث ، والجمهور : بالياء . وروي أن نساءه عليه الصلاة والسلام ، قلن : يا رسول الله ، ذكر الله الرجال في القرآن ولم يذكرنا ؛ وقيل : السائلة أم سلمة . وقيل : لما نزل في نسائه ما نزل ، قال نساء المسلمين : فما نزل فينا شيء ، فنزلت : { إن المسلمين } الآية ، وهذه الأوصاف العشرة تقدّم شرحها ، فبدأ أولاً بالانقياد الظاهر ، ثم بالتصديق ، ثم بالأوصاف التي بعدهما تندرج في الإسلام وهو الانقياد ، وفي الإيمان وهو التصديق ، ثم ختمها بخلة المراقبة وهي ذكر الله كثيراً . ولم يذكر لهذه الأوصاف متعلقاً إلا في قوله : { والحافظين فروجهم والذاكرين الله كثيراً } ، نص على متعلق الحفظ لكونه منزلة العقلاء ومركب الشهوة الغالبة ، وعلى متعلق الذكر بالاسم الأعظم ، وهو لفظ الله ، إذ هو العلم المحتوي على جميع أوصافه ، ليتذكر المسلم من تذكره ، وهو الله تعالى ، وحذف من الحافظات والذاكرات المفعول لدلالة ما تقدّم ، والتقدير : والحافظاتها والذاكراته . { أعدّ الله لهم } : غلب الذكور ، فجمع الإناث معهم وأدرجهم في الضمير ، ولم يأت التركيب لهم ولهن .