Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 36-48)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الجمهور ، وابن عباس ، وقتادة ، ومجاهد ، وغيرهم : " خطب الرسول لزيد زينب بنت جحش ، فأبت وقالت : لست بناكحة ، فقال : بلى فأنكحيه فقد رضيته لك " ، فأبت ، فنزلت . وذكر أنها وأخاها عبد الله كرها ذلك ، فلما نزلت الآية رضيا . وقال ابن زيد : وهبت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وهي أول امرأة " وهبت للنبي صلى الله عليه وسلم نفسها ، فقال : قد قبلتك وزوجتك زيد بن حارثة " ، فسخطت هي وأخوها ، قالا : إنما أردناه فزوجنا عبده ، فنزلت ، والسبب الأول أصح . ومناسبة هذه الآية أنه لما ذكر تلك الأوصاف السابقة من الإسلام فما بعده ، عقب ذلك بما صدر من بعض المسلمين ، إذ أشار الرسول بأمر وقع منهم الإباء له ، فأنكر عليهم ، إذ طاعته ، عليه السلام ، من طاعة الله ، وأمره من أمره . و { الخيرة } : مصدر من تخير على غير قياس ، كالطيرة من تطير . وقرىء : بسكون الياء ، ذكره عيسى بن سليمان . وقرأ الحرميان ، والعربيان ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعرج ، وعيسى : أن تكون ، بتاء التأنيث ؛ والكوفيون ، والحسن ، والأعمش ، والسلمي : بالياء . ولما كان قوله : { لمؤمن ولا مؤمنة } ، يعم في سياق النفي ، جاء الضمير مجموعاً على المعنى في قوله : { لهم } ، مغلباً فيه المذكر على المؤنث . وقال الزمخشري : كان من حق الضمير أن يوحد ، كما تقول : ما جاءني من رجل ولا امرأة إلا كان من شأنه كذا . انتهى . ليس كما ذكر ، لأن هذا عطف بالواو ، فلا يجوز إفراد الضمير إلا على تأويل الحذف ، أي : ما جاءني من رجل إلا كان من شأنه كذا ، وتقول : ما جاء زيد ولا عمرو إلا ضربا خالداً ، ولا يجوز إلا ضرب إلا على الحذف ، كما قلنا . { وإذ تقول } : الخطاب للرسول ، عليه السلام . { للذي أنعم الله عليه } ، بالإسلام ، وهو أجل النعم ، وهو زيد بن حارثة الذي كان الرسول تبناه . { وأنعمت عليه } : وهو عتقه ، وتقدّم طرف من قصته في أوائل السورة . { أمسك عليك زوجك } : وهي زينب بنت جحش ، وتقدّم أن الرسول كان خطبها له . وقيل : أنعم الله عليه بصحبتك ومودتك ، وأنعمت عليه بتبنيه . " جاء زيد فقال : يا رسول الله ، إني أريد أن أفارق صاحبتي ، فقال : أرابك منها شيء قال : لا والله ولكنها تعظم علي لشرفها وتؤذيني بلسانها ، فقال : { أمسك عليك زوجك } ، أي لا تطلقها ، وهو أمر ندب ، { واتق الله } في معاشرتها " فطلقها ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد انقضاء عدّتها . وعلل تزويجه إياها بقوله : { لكي لا يكون على المؤمنين حرج } في أن يتزوجوا زوجات من كانوا تبنوه إذا فارقوهن ، وأن هؤلاء الزوجات ليست داخلات فيما حرم في قوله : { وحلائل أبنائكم } [ النساء : 23 ] . وقال علي بن الحسين : كان قد أوحى الله إليه أن زيداً سيطلقها ، وأنه يتزوجها بتزويج الله إياها . فلما شكا زيد خلقها ، وأنها لا تطيعه ، وأعلمه بأنه يريد طلاقها ، قال : له « { أمسك عليك زوجك واتق الله } » ، على طريق الأدب والوصية ، وهو يعلم أنه سيطلقها . وهذا هو الذي أخفى في نفسه ، ولم يرد أنه يأمره بالطلاق . ولما علم من أنه سيطلقها ، وخشي رسول الله أن يلحقه قول من الناس في أن يتزوج زينب بعد زيد ، وهو مولاه ، وقد أمره بطلاقها ، فعاتبه الله على هذا القدر في شيء قد أباحه الله بأن قال ؛ { أمسك } ، مع علمه أنه يطلق ، فأعلمه أن الله أحق بالخشية ، أي في كل حال . انتهى . وهذا المروي عن علي بن الحسين ، هو الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين ، كالزهري ، وبكر بن العلاء ، والقشيري ، والقاضي أبي بكر بن العربي وغيرهم . والمراد بقوله : { وتخشى الناس } ، إنما هو إرجاف المنافقين في تزويج نساء الأبناء ، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم في حركاته وسكناته . ولبعض المفسرين كلام في الآية يقتضي النقص من منصب النبوة ، ضربنا عنه صفحاً . وقيل ؛ قوله { واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه } : خطاب من الله عز وجل ، أو من النبي صلى الله عليه وسلم لزيد ، فإنه أخفى الميل إليها ، وأظهر الرغبة عنها ، لما توهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن تكون من نسائه . انتهى . وللزمخشري : في هذه الآية كلام طويل ، وبعضه لا يليق ذكره بما فيه غير صواب مما جرى فيه على مذهب الاعتزال وغيره ، واخترت منه ما أنصه . قال : كم من شيء يتحفظ منه الإنسان ويستحيـي من إطلاع الناس عليه ، وهو في نفسه مباح متسع وحلال مطلق ، لا مقال فيه ولا عيب عند الله . وربما كان الدخول في ذلك المباح سلماً إلى حصول واجبات ، لعظم أثرها في الدين ، ويجل ثوابها ، ولو لم يتحفظ منه ، لأطلق كثير من الناس فيه ألسنتهم ، إلا من أوتي فضلاً وعلماً وديناً ونظراً في حقائق الأشياء ولبابها دون قشورها . ألا ترى أنهم كانوا إذا طمعوا في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقوا مرتكزين في مجالسهم لا يديمون مستأنسين بالحديث . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذيه قعودهم ، ويضيق صدره حديثهم ، والحياء يصدّه أن يأمرهم بالانتشار حتى نزلت : { إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق } [ الأحزاب : 53 ] . ولو أبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم مكنون ضميره ، وأمرهم أن ينتشروا ، لشق عليهم ، ولكان بعض المقالة . فهذا من ذلك القبيل ، لأن طموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته ، من امرأة أو غيرها ، غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع . وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضاً ، وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ، ولا طلب إليه . ولم يكن مستنكراً عندهم أن ينزل الرجل منهم عن امرأته لصديقه ، ولا مستهجناً إذا نزل عنها أن ينكحها الآخر . فإن المهاجرين حين دخلوا المدينة ، استهم الأنصار بكل شيء ، حتى أن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجر . وإذا كان الأمر مباحاً من جميع جهاته ، ولم يكن فيه وجه من وجوه القبح ، ولا مفسدة ولا مضرة بزيد ولا بأحد ، بل كان مستجراً مصالح ؛ ناهيك بواحدة منها : أن بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمنت الأيمة والضيعة ونالت الشرف وعادت أماً من أمّهات المؤمنين ، إلى ما ذكر الله عز وجل من المصلحة العامّة في قوله : { لكي لا يكون } الآية . انتهى ما اخترناه من كلام الزمخشري . وقوله : { أمسك عليك } فيه وصول الفعل الرافع الضمير المتصل إلى الضمير المجرور وهما لشخص واحد ، فهو كقوله : @ هوّن عليك ودع عنك نهياً صيح في حجراته @@ وذكروا في مثل هذا التركيب أن على وعن اسمان ، ولا يجوز أن يكونا حرفين ، لامتناع فكر فيك ، وأعني بك ، بل هذا مما يكون فيه النفس ، أي فكر في نفسك ، وأعني بنفسك ، وقد تكلمنا على هذا في قوله : { وهزي إليك } [ مريم : 25 ] ، { واضمم إليك جناحك } [ القصص : 32 ] . وقال الحوفي : { وتخفي في نفسك } : مستأنف ، { وتخشى } : معطوف على وتخفي . وقال الزمخشري : واو الحال ، أي تقول لزيد : { أمسك عليك زوجك } ، مخفياً في نفسك إرادة أن لا يمسكها ، وتخفي خاشياً قاله الناس ، أو واو العطف ، كأنه قيل : وأن تجمع بين قولك : { أمسك } ، وإخفاء قالة ، وخشية الناس . انتهى . ولا يكون { وتخفي } حالاً على إضمار مبتدأ ، أي وأنت تخفي ، لأنه مضارع مثبت ، فلا يدخل عليه الواو إلا على ذلك الإضمار ، وهو مع ذلك قليل نادر ، لا يبنى على مثله القواعد ؛ ومنه قولهم : قمت وأصك عينه ، أي وأنا أصك عينه . { والله أحق أن تخشاه } : تقدّم إعراب نظيره في التوبة . { فلما قضى زيد منها وطراً } : أي حاجة ، قيل : وهو الجماع ، قاله ابن عباس . وروي أبو عصمة : نوح ابن أبي مريم ، بإسناد رفعه إلى زينب أنها قالت : ما كنت أمتنع منه ، غير أن الله منعني منه . وقيل : إنه مذ تزوجها لم يتمكن من الاستمتاع بها . وروي أنه كان يتورم ذلك منه حين يريد أن يقربها . وقال قتادة : الوطر هنا : الطلاق . وقرأ الجمهور : { زوجناكها } ، بنون العظمة ؛ وجعفر بن محمد ، وابن الحنفية ، وأخواه الحسن والحسين ، وأبوهم علي : زوجتكها ، بتاء الضمير للمتكلم . ونفى تعالى الحرج عن المؤمنين في إجراء أزواج المتبنين مجرى أزواج البنين في تحريمهن عليهن بعد انقطاع علائق الزواج بينهم وبينهن . { وكان أمر الله } : أي مقتضى أمر الله ، أو مضمن أمره . قال ابن عطية : وإلا فالأمر قديم لا يوصف بأنه مفعول ، ويحتمل على بعد أن يكون الأمر واحد الأمور التي شأنها أن تفعل . وقال الزمخشري : { وكان أمر الله } الذي يريد أن يكونه ، { مفعولاً } : مكوناً لا محالة ، وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب . ويجوز أن يراد بأمر الله المكون ، لأنه مفعول يكن . ولما نفى الحرج عن المؤمنين فيما ذكر ، واندرج الرسول فيهم ، إذ هو سيد المؤمنين ، نفى عنه الحرج بخصوصه ، وذلك على سبيل التكريم والتشريف ، ونفى الحرج عنه مرتين ، إحداهما بالاندراج في العموم ، والأخرى بالخصوص . { فيما فرض الله له } ، قال الحسن : فيما خص به من صحة النكاح بلا صداق . وقال قتادة : فيما أحل له . وقال الضحاك : في الزيادة على الأربع ، وكانت اليهود عابوه بكثرة النكاح وكثرة الأزواج ، فرد الله عليهم بقوله : { سنة الله } : أي في الأنبياء بكثرة النساء ، حتى كان لسليمان ، عليه السلام ، ثلاثمائة حرة وسبعماية سرية ، وكان لداود مائة امرأة وثلاثمائة سرية . وقيل : الإشارة إلى أن الرسول جمع بينه وبين زينب ، كما جمع بين داود وبين التي تزوجها بعد قتل زوجها . وانتصب { سنة الله } على أنه اسم موضوع موضع المصدر ، قاله الزمخشري ؛ أو على المصدر ؛ أو على إضمار فعل تقديره : ألزم أو نحوه ، أو على الإغراء ، كأنه قال : فعليه سنة الله . قال ابن عطية : وقوله : أو على الإغراء ، ليس بجيد ، لأن عامل الاسم في الإغراء لا يجوز حذفه ، وأيضاً فتقديره : فعليه سنة الله بضمير الغيبة ، ولا يجوز ذلك في الإغراء ، إذ لا يغرى غائب . وما جاء من قولهم : عليه رجلاً ، ليسنى له تأويل ، وهو مع ذلك نادر . و { الذين خلوا } : الأنبياء ، بدليل وصفهم بعد قوله : { الذين يبلغون رسالات الله } . { وكان أمر الله } : أي مأموراته ، والكائنات من أمره ، فهي مقدورة . وقوله : { قدراً } : أي ذا قدر ، أو عن قدر ، أو قضاء مقضياً وحكماً مثبوتاً . و { الذين } : صفة الذين خلوا ، أو مرفوع ، أو منصوب على إضمارهم ، أو على أمدح . وقرأ عبد الله : الذين بلغوا ، جعله فعلاً ماضياً . وقرأ أبي : رسالة الله على التوحيد ؛ والجمهور : يبلغون رسالات جمعاً . { وكفى بالله حسيباً } : أي محاسباً على جميع الأعمال والعقائد ، أو محسباً : أي كافياً . ثم نفى تعالى كون رسوله { أبا أحد من رجالكم } ، بينه وبين من تبناه من حرمة الصهارة والنكاح ما يثبت بين الأب وولده . هذا مقصود هذه الجملة ، وليس المقصود أنه لم يكن له ولد ، فيحتاج إلى الاحتجاج في أمر بنيه بأنهم كانوا ماتوا ، ولا في أمر الحسن والحسين بأنهما كانا طفلين . وإضافة رجالكم إلى ضمير المخاطبين يخرج من كان من بنيه ، لأنهم رجاله ، لا رجال المخاطبين . وقرأ الجمهور ؛ { ولكن رسول } ، بتخفيف لكن ونصب رسول على إضمار كان ، لدلالة كان المتقدّمة عليه ؛ قيل : أو على العطف على { أبا أحد } . وقرأ عبد الوارث ، عن أبي عمرو : بالتشديد والنصب على أنه خبر لكن ، والخبر محذوف تقديره : { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } هو ، أي محمد صلى الله عليه وسلم . وحذف خبر لكن واخواتها جائز إذا دل عليه الدليل . ومما جاء في ذلك قول الشاعر : @ فلو كنت ضبياً عرفت قرابتي ولكنّ زنجياً عظيم المشافر @@ أي : أنت لا تعرف قرابتي . وقرأ زيد بن علي ، وابن أبي عبلة : بالتخفيف ، ورفع ورسوله وخاتم ، أي ولكن هو رسول الله ، كما قال الشاعر : @ ولست الشاعر السقاف فيهم ولكن مدرة الحرب العوال @@ أي : لكن أنا مدرة . وقرأ الجمهور : { خاتم } ، بكسر التاء ، بمعنى أنه ختمهم ، أي جاء آخرهم . وروي عنه أنه قال : أنا خاتم ألف نبي ، وعنه : أنا خاتم النبيين في حديث واللبنة . وروي عنه ، عليه السلام ، ألفاظ تقتضي نصاً أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم ، والمعنى أن لا يتنبأ أحد بعده ، ولا يرد نزول عيسى آخر الزمان ، لأنه ممن نبىء قبله ، وينزل عاملاً على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مصلياً إلى قبلته كأنه بعض أمته . قال ابن عطية : وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى بالهداية ، من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف ، وما ذكره الغزالي في هذه الآية ، وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد ، وتطرق إلى ترك تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوة ، فالحذر الحذر منه ، والله الهادي برحمته . وقرأ الحسن ، والشعبي ، وزيد بن علي ، والأعرج : بخلاف ؛ وعاصم : بفتح التاء بمعنى : أنهم به ختموا ، فهو كالخاتم والطابع لهم . ومن ذهب إلى أن النبوة مكتسبة لا تنقطع ، أو إلى أن الولي أفضل من النبي ، فهو زنديق يجب قتله . وقد ادعى النبوة ناس ، فقتلهم المسلمون على ذلك . وكان في عصرنا شخص من الفقراء ادعى النبوة بمدينة مالقة ، فقتله السلطان بن الأحمر ، ملك الأندلس بغرناطة ، وصلب إلى أن تناثر لحمه . { وكان الله بكل شيء عليماً } : هذا عام ، والقصد هنا علمه تعالى بما رآه الأصلح لرسوله ، وبما قدّره في الأمر كله ، ثم أمر المؤمنين بذكره بالثناء عليه وتحميده وتقديسه ، وتنزيهه عما لا يليق به . والذكر الكثير ، قال ابن عباس : أن لا ينساه أبداً ، أو التسبيح مندرج في الذكر ، لكنه خص بأنه ينزهه تعالى عما لا يليق به ، فهو أفضل ، أو من أفضل الأذكار . وعن قتادة : قولوا سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . وعن مجاهد : هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب . و { بكرة وأصيلاً } : يقتضيهما اذكروا وسبحوا ، والنصب بالثاني على طريق الإعمال ، والوقتان كناية عن جميع الزمان ، ذكر الطرفين إشعار بالاستغراق . وقال ابن عباس : أي صلوا صلاة الفجر والعشاء . وقال الأخفش : ما بين العصر إلى العشاء . وقال قتادة : الإشارة بهذين الوقتين إلى صلاة الغداة وصلاة العصر ؛ ويجوز أن يكون الأمر بالذكر وإكثاره تكثير الطاعات والإقبال على الطاعات ، فإن كل طاعة وكل خير من جملة الذكر . ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلاً ، وهي الصلاة في جميع أوقاتها ، تفضل الصلاة غيرها ، أو صلاة الفجر والعشاء ، لأن أداءهما أشق . ولما أمرهم بالذكر والتسبيح ، ذكر إحسانه تعالى بصلاته عليهم هو وملائكته . قال الحسن : { يصلي عليكم } : يرحمكم . وقال ابن جبير : يغفر لكم . وقال أبو العالية يثني عليكم . وقيل : يترأف بكم . وصلاة الملائكة الاستغفار ، كقوله تعالى : { ويستغفرون للذين آمنوا } [ غافر : 7 ] . وقال مقاتل : الدعاء ، والمعنى : هو الذي يترحم عليكم ، حيث يدعوكم إلى الخير ، ويأمركم بإكثار الذكر والطاعة ، ليخرجكم من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة . وقال ابن زيد : من الضلالة إلى الهدى . وقال مقاتل : من الكفر إلى الإيمان . وقيل : من النار إلى الجنة ، حكاه الماوردي . وقيل : من القبور إلى البعث . { وملائكته } : معطوف على الضمير المرفوع المستكن في { يصلي } ، فأغنى الفصل بالجار والمجرور عن التأكيد ، وصلاة الله غير صلاة الملائكة ، فكيف اشتركا في قدر مشترك ؟ وهو إرادة وصول الخير إليهم . فالله تعالى يريد برحمته إياهم إيصال الخير إليهم ، وملائكته يريدون بالاستغفار ذلك . وقال الزمخشري : جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة ، كأنهم فاعلون الرحمة والرأفة ، ونظيره قولهم : حياك الله : أي أحياك وأبقاك ، وحييتك : أي دعوت لك بأن يحييك الله ، لأنك لاتكالك على إجابة دعوتك كأنك تبقيه على الحقيقة ؛ وكذلك عمرك الله وعمرتك ، وسقاك الله وسقيتك ، وعليه قوله ؛ { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه } : أي ادعوا له بأن يصلى عليه . { وكان بالمؤمنين رحيماً } : دليل على أن المراد بالصلاة الرحمة . انتهى . وما ذكره من قوله ، كأنهم فاعلون فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز ، وما ذكرناه من أن الصلاتين اشتركتا في قدر مشترك أولى . { تحيتهم يوم يلقونه } : أي يوم القيامة . { سلام } : أي تحية الله لهم . يقول للمؤمنين : السلام عليكم ، مرحباً بعبادي الذين أرضوني باتباع أمري ، قاله الرقاشي . وقيل : يحييهم الملائكة بالسلامة من كل مكروه . وقال البراء بن عازب : معناه أن ملك الموت لا يقبض روح المؤمن حتى يسلم عليه . وقال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال : ربك يقرؤك السلام ، قيل : فعلى هذا الهاء في قوله : { يلقونه } كناية عن غير مذكور ، وقيل : سلام الملائكة عند خروجهم من القبور . وقال قتادة : يوم دخولهم الجنة يحيـي بعضهم بعضاً بالسلام ، أي سلمنا وسلمت من كل مخوف . وقيل : تحييهم الملائكة يومئذ . وقيل : هو سلام ملك الموت والملائكة معه عليهم ، وبشارتهم بالجنة . والتحية مصدر في هذه الأقوال أضيف إلى المفعول ، إلا في قول من قال إنه مصدر مضاف للمحيـي والمحيا ، لا على جهة العمل ، لأن الضمير الواحد لا يكون فاعلاً مفعولاً ، ولكنه كقوله : { وكنا لحكمهم شاهدين } [ الأنبياء : 78 ] : أي للحكم الذي جرى بينهم ، وليبعث إليهم ، فكذلك هذه التحية الجارية بينهم هي سلام . وفرق المبرد بين التحية والسلام فقال : التحية يكون ذلك دعاء ، والسلام مخصوص ، ومنه : { ويلقون فيها تحية وسلاماً } [ الفرقان : 75 ] . والأجر الكريم : الجنة ، { شاهداً } على من بعثت إليهم ، وعلى تكذيبهم وتصديقهم ، أي مفعولاً قولك عند الله ، وشاهداً بالتبليغ إليهم ، وبتبليغ الأنبياء قولك . وانتصب { شاهداً } على أنه حال مقدّرة ، إذا كان قولك عند الله وقت الإرسال لم يكن شاهداً عليهم ، وإنما يكون شاهداً عند تحمل الشهادة وعند أدائها ، أو لأنه أقرب زمان البعثة ، وإيمان من آمن وتكذيب من كذب كان ذلك وقع في زمان واحد . { وداعياً إلى الله } ، قال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا الله . وقال ابن عيسى : إلى الطاعة . { بإذنه } : أي بتسهيله وتيسيره ، ولا يراد به حقيقة الإذن ، لأنه قد فهم في قوله : إنا أرسلناك داعياً أنه مأذون له في الدعاء . ولما كان دعاء المشرك إلى التوحيد صعباً جداً ، قيل : بإذنه ، أي بتسهيله تعالى . و { سراجاً منيراً } : جلي من ظلمات الشرك ، واهتدى به الضالون ، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير . ويهتدى به إذا مد الله بنور نبوته نور البصائر ، كما يمد بنور السراج نور الأبصار . ووصفه بالإنارة ، لأن من السراج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته . وقال الزجاج : هو معطوف على { شاهداً } ، أي وذا سراج منير ، أي كتاب نير . وقال الفراء : إن شئت كان نصباً على معنى : وتالياً سراجاً منيراً . وقال الزمخشري ؛ ويجوز على هذا التفسير أن يعطف على كاف { أرسلناك } . انتهى . ولا يتضح هذا الذي قاله ، إذ يصير المعنى : أرسلنا ذا سراج منير ، وهو القرآن . ولا يوصف بالإرسال القرآن ، إنما يوصف بالإنزال . وكذلك أيضاً إذا كان التقدير : وتالياً ، يصير المعنى : أرسلنا تالياً سراجاً منيراً ، ففيه عطف الصفة التي للذات على الذات ، كقولك : رأيت زيداً والعالم . إذا كان العالم صفة لزيد ، والعطف مشعر بالتغاير ، لا يحسن مثل هذا التخريج في كلام الله ، وثم حمل على ما تقتضيه الفصاحة والبلاغة . ولما ذكر تعالى أنه أرسل نبيه { شاهداً } إلى آخره ، تضمن ذلك الأمر بتلك الأحوال ، فكأنه قال ؛ فاشهد وبشر وأنذر وادع وانه ، ثم قال ؛ { وبشر المؤمنين } ؛ فهذا متصل بما قبله من جهة المعنى ، وإن كان يظهر أنه منقطع من الذي قبله . والفضل الكبير الثواب من قولهم : للعطايا فضول وفواضل ، أو المزيد على الثواب . وإذا ذكر المتفضل به وكبره ، فما ظنك بالثواب ؟ أو ما فضلوا به على سائر الأمم ، وذلك من جهته تعالى ، أو الجنة وما أوتوا فيها ، ويفسره : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير } [ الشورى : 22 ] . { ولا تطع الكافرين والمنافقين } : نهي له عليه السلام عن السماع منهم في أشياء كانوا يطلبونها مما لا يجب ، وفي أشياء ينتصحون بها وهي غش . { ودع أذاهم } : الظاهر إضافته إلى المفعول . لما نهى عن طاعتهم ، أمر بتركه إذايتهم وعقوبتهم ، ونسخ منه ما يخص الكافرين بآية السيف . { وتوكل على الله } ، فإنه ينصرك ويخذلهم . ويجوز أن يكون مصدراً مضافاً للفاعل ، أي ودع إذايتهم إياك ، أي مجازاة الإذاية من عقاب وغيره حتى تؤمر ، وهذا تأويل مجاهد .