Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 49-52)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى قصة زيد وزينب وتطليقه إياها ، وكانت مدخولاً بها ، واعتدت ، وخطبها الرسول ، عليه السلام ، بعد انقضاء عدتها ، بين حال من طلقت قبل المسيس ، وأنها لا عدة عليها . ومعنى { نكحتم } : عقدتم عليهن . وسمى العقد نكاحاً لأنه سبب إليه ، كما سميت الخمر إثماً لأنها سبب له . قالوا : ولفظ النكاح في كتاب الله لم يرد إلا في العقد ، وهو من آداب القرآن ؛ كما كنى عن الوطء بالمماسة والملامسة والقربان والتغشي والإتيان ، قيل : إلا في قوله : { حتى تنكح زوجاً غيره } [ البقرة : 230 ] ، فإنه بمعنى الوطء ، وقد تقدم الكلام عليه في البقرة . والكتابيات ، وإن شاركت المؤمنات في هذا الحكم ، فتخصيص المؤمنات بالذكر تنبيه على أن المؤمن لا ينبغي أن يتخير لنطفته إلا المؤمنة . وفائدة المجيء بثم ، وإن كان الحكم ثابتاً ، إن تزوجت وطلقت على الفور ، ولمن تأخر طلاقها . قال الزمخشري : نفي التوهم عمن عسى يتوهم تفاوت الحكم بين أن يطلقها ، وهي قريبة العهد من النكاح ، وبين أن يبعد عهدها بالنكاح ، وتتراخى بها المدة في حيالة الزوج ثم يطلقها . انتهى . واستعمل صلة لمن عسى ، وهو لا يجوز ، أو لوحظ في ذلك الغالب . فإن من أقدم على العقد على امرأة ، إنما يكون ذلك لرغبة ، فيبعد أن يطلقها على الفور ، لأن الطلاق مشعر بعدم الرغبة ، فلا بد أن يتخلل بين العقد والطلاق مهلة يظهر فيها للزوج نأيه عن المرأة ، وأن المصلحة في ذلك له . والظاهر أن الطلاق لا يكون إلا بعد العقد ، ولا يصح طلاق من لم يعقد عليها عينها أو قبيلتها أو البلد ، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين . وقالت طائفة كبيرة ، منهم مالك : يصح ذلك . والظاهر أن المسيس هنا كناية عن الجماع ، وأنه إذا خلا بها ثم طلقها ، لا يعقد . وعند أبي حنيفة وأصحابه : حكم الخلوة الصحيحة حكم المسيس . والظاهر أن المطلقة رجعية ، إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ، ثم فارقها قبل أن يمسها ، لا تتم عدتها من الطلقة الأولى ، ولا تستقبل عدة ، لأنها مطلقة قبل الدخول ، وبه قال داود . وقال عطاء وجماعة : تمضي في عدتها عن طلاقها الأول ، وهو أحد قولي الشافعي . وقال مالك : لا تبنى على العدة من الطلاق الأول ، وتستأنف العدة من يوم طلقها الطلاق الثاني ، وهو قول فقهاء جمهور الأمصار . والظاهر أيضاً أنها لو كانت بائناً غير مبتوتة ، فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول ، كالرجعية في قول داود ، ليس عليها عدة ، لا بقية عدة الطلاق الأول ولا استئناف عدة الثاني ، ولها نصف المهر . وقال الحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، وابن شهاب ، ومالك ، والشافعي ، وعثمان البتي ، وزفر : لها نصف الصداق ، وتتم بقية العدة الأولى . وقال الثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وأبو يونس : لها مهر كامل للنكاح الثاني ، وعدة مستقبلة ، جعلوها في حكم المدخول بها ، لاعتدادها من مائة . وقرأ الجمهور : { تعتدونها } ، بتشديد الدال : افتعل من العد ، أي تستوفون عددها ، من قولك : عد الدراهم فاعتدها ، أي استوفى عددها ؛ نحو قولك : كلته واكتاله ، وزنته فاتزنته . وعن ابن كثير وغيره من أهل مكة : بتخفيف الدال ، ونقلها عن ابن كثير ابن خالويه وأبو الفضل الرازي . وقال ابن عطية : وروي عن أبي برزة ، عن ابن كثير : بتخفيف الدال من العدوان ، كأنه قال : فما لكم عدة تلزمونها عدواناً وظلماً لهنّ ، والقراءة الأولى أشهر عن ابن كثير ، وتخفيف الدال وهم من أبي برزة . انتهى . وليس بوهم ، إذ قد نقلها عن ابن كثير ابن خالويه وأبو الفضل الرازي في ( كتاب اللوامح في شواذ القراءات ) ، ونقلها الرازي المذكور عن أهل مكة وقال : هو من الإعتداد لا محالة ، لكنهم كرهوا التضعيف فخففوه . فإن جعلت من الاعتداء الذي هو الظلم ضعف ، لأن الاعتداء يتعدى بعلى . انتهى . وإذا كان يتعدى بعلى ، فيجوز أن لا يحذف على ، ويصل الفعل إلى الضمير ، نحو قوله : @ تحن فتبدى ما بها من صبابة وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني @@ أي : لقضى علي . وقال الزمخشري : وقرىء : تعتدونها مخففاً ، أي تعتدون فيها ، كقوله : ويوماً شهدناه . والمراد بالاعتداء ما في قوله : { ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا } [ البقرة : 231 ] . انتهى . ويعني أنه اتصل بالفعل لما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى ضمير العدة ، كقوله : @ ويوماً شهدناه سليماً وعامراً @@ أي : شهدنا فيه . وأما على تقدير على ، فالمعنى : تعتدون عليهنّ فيها . وقرأ الحسن : بإسكان العين كغيره ، وتشديد الدال جمعاً بين الساكنين . وقوله : { فما لكم } يدل على أن العدة حق الزوج فيها غالب ، وإن كانت لا تسقط بإسقاطه ، لما فيه من حق الله تعالى . والظاهر أن من طلقت قبل المسيس لها المتعة مطلقاً ، سواء كانت ممدودة أم مفروضاً لها . وقيل : يختص هذا الحكم بمن لا مسمى لها . والظاهر أن الأمر في { فمتعوهنّ } للوجوب ، وقيل : للندب ، وتقدم الكلام مشبعاً في المتعة في البقرة . والسراج الجميل : هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب . وقيل : أن لا يطالبها بما آتاها . ولما بين تعالى بعض أحكام أنكحة المؤمنين ، أتبعه بذكر طرف من نساء النبي صلى الله عليه وسلم . والأجور : المهور ، لأنه أجر على الاستمتاع بالبضع وغيره مما يجوز به الاستمتاع . وفي وصفهنّ بـ { اللاتي آتيت أجورهنّ } ، تنبيه على أن الله اختار لنبيه الأفضل والأولى ، لأن إيتاء المهر أولى وأفضل من تأخيره ، ليتفصى الزوج عن عهدة الدين وشغل ذمته به ، ولأن تأخيره يقتضي أنه يستمتع بها مجاناً دون عوض تسلمته ، والتعجيل كان سنة السلف ، لا يعرف منهم غيره . ألا ترى إلى " قوله ، عليه السلام ، لبعض الصحابة حين شكا حالة التزوج : فأين درعك الحطمية " وكذلك تخصيص ما ملكت يمينه بقوله : { مما أفاء الله عليك } ، لأنها إذا كانت مسبية ، فملكها مما غنمه الله من أهل دار الحرب كانت أحل وأطيب مما تشترى من الجلب . فما سبي من دار الحرب قيل فيه سبي طيبة ، وممن له عهد قيل فيه سبي خبيثة ، وفيء الله لا يطلق إلا على الطيب دون الخبيث . والظاهر أن قوله : { إنا أحللنا لك أزواجك } ، مخصوص لفظة أزواجك بمن كانت في عصمته ، كعائشة وحفصة ، ومن تزوجها بمهر . وقال ابن زيد : أي من تزوجها بمهر ، ومن تزوجها بلا مهر ، وجميع النساء حتى ذوات المحارم من ممهورة ورقيقة وواهبة نفسها مخصوصة به . ثم قال بعد { ترجي من تشاء منهنّ } : أي من هذه الأصناف كلها ، ثم الضمير بعد ذلك يعم إلى قوله : { ولا أن تبدل بهنّ من أزواج } ، فينقطع من الأول ويعود على أزواجه التسع فقط ، وفي التأويل الأول تضييق . وعن ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج أي النساء شاء ، وكان ذلك يشق على نسائه . فلما نزلت هذه الآية ، وحرم عليه بها النساء ، إلا من سمي سر نساؤه بذلك ، وملك اليمين إنما يعلقه في النادر ، وبنات العم ، ومن ذكر معهنّ يسير . ومن يمكن أن يتزوج منهن محصور عند نسائه ، ولا سيما وقد قرن بشرط الهجرة ، والواجب أيضاً من النساء قليل ، فلذلك سر بانحصار الأمر . ثم مجيء { ترجي من تشاء منهن } ، إشارة إلى ما تقدم ، ثم مجيء { ولا أن تبدل بهن من أزواج } ، إشارة إلى أن أزواجه اللواتي تقدم النص عليهن بالتحليل ، فيأتي الكلام مثبتاً مطرداً أكثر من اطراده على التأويل الآخر . { وبنات عمك } ، قالت أم هانىء ، بنت أبي طالب : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاعتذرت إليه فعذرني ، ثم نزلت هذه الآية فحرمتني عليه ، لأني لم أهاجر معه ، وإنما كنت من الطلقاء . والتخصيص بـ { اللاتي هاجرن معك } ، لأن من هاجر معه من قرابته غير المحارم أفضل من غير المهاجرات . وقيل : شرط الهجرة في التحليل منسوخ . وحكى الماوردي في ذلك قولين : أحدهما : أن الهجرة شرط في إحلال الأزواج على الإطلاق . والثاني : أنه شرط في إحلال قرابات المذكورات في الآية دون الأجنبيات ، والمعية هنا : الاشتراك في الهجرة لا في الصحبة فيها ، فيقال : دخل فلان معي وخرج معي ، أي كان عمله كعملي وإن لم يقترنا في الزمان . ولو قلت : فرجعنا معاً ، اقتضى المعنيان الاشتراك في الفعل ، والاقتران في الزمان . وأفرد العم والخال لأنه اسم جنس ، والعمة والخالة كذلك ، وهذا حرف لغوي قاله أبو بكر بن العربي القاضي . { وامرأة مؤمنة } ، قال ابن عباس ، وقتادة : هي ميمونة بنت الحارث . وقال علي بن الحسين ، والضحاك ، ومقاتل : هي أم شريك . وقال عروة ، والشعبي : هي زينب بنت خزيمة ، أم المساكين ، امرأة من الأنصار . وقال عروة أيضاً : هي خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية . واختلف في ذلك . فعن ابن عباس : لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد منهن بالهبة . وقيل : الموهبات أربع : ميمونة بنت الحارث ، ومن ذكر معها قبل . وقرأ الجمهور : { وامرأة } ، بالنصب ؛ { إن وهبت } ، بكسر الهمزة : أي أحللناها لك . { إن وهبت } ، { إن أراد } ، فهنا شرطان ، والثاني في معنى الحال ، شرط في الإحلال هبتها نفسها ، وفي الهبة إرادة استنكاح النبي ، كأنه قال : أحللناها لك إن وهبت لك نفسها ، وأنت تريد أن تستنكحها ، لأن إرادته هي قبوله الهبة وما به تتم ، وهذان الشرطان نظير الشرطين في قوله : { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ، إن كان الله يريد أن يغويكم } [ هود : 34 ] . وإذا اجتمع شرطان ، فالثاني شرط في الأول ، متأخر في اللفظ ، متقدم في الوقوع ، ما لم تدل قرينة على الترتيب ، نحو : إن تزوجتك أو طلقتك فعبدي حر . واجتماع الشرطين مسألة فيها خلاف وتفصيل ، وقد استوفينا ذلك في ( شرح التسهيل ) ، في باب الجوازم . وقرأ أبو حيوة : وامرأة مؤمنة ، بالرفع على الابتداء ، والخبر محذوف : أي أحللناها لك . وقرأ أبي ، والحسن ، والشعبي ، وعيسى ، وسلام : أن بفتح الهمزة ، وتقديره : لأن وهبت ، وذلك حكم في امرأة بعينها ، فهو فعل ماض ، وقراءة الكسر استقبال في كل امرأة كانت تهب نفسها دون واحدة بعينها . وقرأ زيد بن علي : اذ وهبت ، إذ ظرف لما مضى ، فهو في امرأة بعينها . وعدل عن الخطاب إلى الغيبة في النبي ، { إن أراد النبي } ، ثم رجع إلى الخطاب في قوله : { خالصة لك } ، للإيذان بأنه مما خص به وأوثر . ومجيئه على لفظ النبي ، لدلالة على أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوة ، وتكريره تفخيم له وتقرير لاستحقاقه الكرامة لنبوته . واستنكاحها : طلب نكاحها والرغبة فيه . والجمهور : على أن التزويج لا يجوز بلفظ الإجارة ولا بلفظ الهبة . وقال أبو الحسن الكرخي : يجوز بلفظ الإجارة لقوله : { اللاتي آتيت أجورهن } ، وحجة من منع : أن عقد الإجارة مؤقت ، وعقد النكاح مؤبد ، فتنافيا . وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى جواز عقد النكاح بلفظ الهبة إذا وهبت ، فأشهد على نفسه بمهر ، لأن رسول الله وأمته سواء في الأحكام ، إلا فيما خصه الدليل . وحجة الجمهور : أنه ، عليه السلام ، خص بمعنى الهبة ولفظها جميعاً ، لأن اللفظ تابع للمعنى ، والمدعى للاشتراك في اللفظ يحتاج إلى دليل . وقرأ الجمهور : { خالصة } ، بالنصب ، وهو مصدر مؤكد ، كـ { وعد الله } [ غافر : 77 ] ، و { صبغة الله } [ البقرة : 138 ] ، أي أخلص لك إخلاصاً . { أحللنا } ، { خالصة } بمعنى خلوصاً ، ويجىء المصدر على فاعل وعلى فاعلة . وقال الزمخشري : والفاعل والفاعلة في المصادر على غير عزيزين ، كالخارج والقاعد والعاقبة والكاذبة . انتهى ، وليس كما ذكر ، بل هما عزيزان ، وتمثيله كالخارج يشير إلى قول الفرزدق : @ ولا خارجا من في زور كلام @@ والقاعد إلى أحد التأويلين في قوله : @ أقاعداً وقد سار الركب @@ والكاذبة إلى قوله تعالى : { ليس لوقعتها كاذبة } [ الواقعة : 2 ] . وقد تتأول هذه الألفاظ على أنها ليست مصادر . وقرىء : خالصة ، بالرفع ، فمن جعله مصدراً ، قدره ذلك خلوص لك ، وخلوص من دون المؤمنين . والظاهر أن قوله : { خالصة لك } من صفة الواهبة نفسها لك ، فقراءة النصب على الحال ، قاله الزجاج : أي أحللناها خالصة لك ، والرفع خبر مبتدأ : أي هي خالصة لك ، أي هبة النساء أنفسهنّ مختص بك ، لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لغيرك . وأجمعوا على أن ذلك غير جائز لغيره ، عليه السلام . ويظهر من كلام أبيّ بن كعب أن معنى قوله : { خالصة لك } يراد به جميع هذه الإباحة ، لأن المؤمنين قصروا على مثنى وثلاث ورباع . وقال الزمخشري : والدليل على أنها وردت في أثر الإحلالات الأربع مخصوصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، على سبيل التوكيد لها قوله : { قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم } ، بعد قوله : { من دون المؤمنين } ، وهي جملة اعتراضية . وقوله : { لكيلا يكون عليك حرج } متصل بـ { خالصة لك من دون المؤمنين } في الأزواج الإماء ، وعلى أي حد وصفه يجب أن يفرض عليهم ، ففرضه وعلم المصلحة في اختصاص رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اختصه به ، ففعل . ومعنى { لكيلا يكون عليك حرج } : أي لكيلا يكون عليك ضيق في دينك ، حيث اختصصناك بالتنزيه ، واختصاص ما هو أولى وأفضل في دنياك ، حيث أحللنا لك أجناس المنكوحات ، وزدناك الواهبة نفسها ؛ ومن جعل خالصة نعتاً للمرأة ، فعلى مذهبه هذه المرأة خالصة لك من دونهم . انتهى . والظاهر أن { لكيلا } متعلق بقوله : { أحللنا لك أزواجك } . وقال ابن عطية : { لكيلا يكون } ، أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لكي لا يكون عليك حرج ، ويظن بك أنك قد أثمت عند ربك ، ثم آنس جميع المؤمنين بغفرانه ورحمته . وقال الزمخشري : { غفوراً } للواقع في الحرج إذا تاب ، { رحيماً } بالتوسعة على عباده . انتهى ، وفيه دسيسه اعتزالية . { قد علمنا ما فرضنا عليهم } الآية ، معناه : أن ما ذكرنا فرضك وحكمك مع نسائك ، وأما حكم أمتك فعندنا علمه ، وسنبينه لهم . وإنما ذكر هذا لئلا يحمل واحد من المؤمنين نفسه على ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإن له في النكاح والتسري خصائص ليست لغيره . وقال مجاهد : { ما فرضنا عليهم } ، هو أن لا يجاوزوا أربعاً . وقال قتادة : هو الولي والشهود والمهر . وقيل : ما فرضنا من المهر والنفقة والكسوة . { وما ملكت أيمانهم } ، قيل : لا يثبت الملك إلا إذا كانت ممن يجوز سبيها . وقيل : ما أبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور ، والمعنى : قد علمنا إصلاح كل منك ومن أمتك ، وما هو الأصلح لك ولهم ، فشرعنا في حقك وحقهم على وفق ما علمنا . روي أن أزواجه عليه السلام لما تغايرن وابتغين زيادة النفقة ، فهجرهن شهراً ، ونزل التخيير ، فأشفقن أن يطلقن فقلن : يا رسول الله ، افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت . وتقدم الكلام في معنى ترجي في قوله : { وآخرون مرجون لأمر الله } [ الآية : 106 ] في سورة براءة . والظاهر أن الضمير في { منهن } عائد على أزواجه عليه السلام ، والإرجاء : الإيواء . قال ابن عباس ، والحسن : في طلاق ممن تشاء ممن حصل في عصمتك ، وإمساك من تشاء . وقالت فرقة : في تزوج من تشاء من الواهبات ، وتأخير من تشاء . وقال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك : وتقرر من شئت في القسمة لها ، وتؤخر عنك من شئت ، وتقلل لمن شئت ، وتكثر لمن شئت ، لا حرج عليك في ذلك ، فإذا علمن أن هذا حكم الله وقضاؤه ، زالت الإحنة والغيرة عنهن ورضين وقرت أعينهن ، وهذا مناسب لما روي في سبب هذه الآية المتقدم ذكره . { ومن ابتغيت ممن عزلت } : أي ومن طلبتها من المعزولات ومن المفردات ، { فلا جناح عليك } في ردها وإيوائها إليك . ويجوز أن يكون ذلك توكيداً لما قبله ، أي ومن ابتغيت ممن عزلت ومن عزلت سواء ، لا جناح عليك . كما تقول : من لقيك ممن لم يلقك ، جميعهم لك شاكر ، تريد من لقيك ومن لم يلقك ، وفي هذا الوجه حذف المعطوف ، وغرابة في الدلالة على هذا المعنى بهذا التركيب ، والراجح القول الأول . وقال الحسن : المعنى : من مات من نسائك اللواتي عندك ، أو خليت سبيلها ، فلا جناح عليك أن تستبدل عوضها من اللاتي أحللت لك ، فلا تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك . وقال الزمخشري : بمعنى تترك مضاجع من تشاء منهن وتضاجع من تشاء ، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء ، أو لا تقسم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت ، أو تترك من تشاء من أمتك وتتزوج من شئت . وعن الحسن : كان النبي ، صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها ، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض ، لأنه إما أن يطلق ، وأما أن يمسك . فإذا أمسك ضاجع ، أو ترك وقسم ، أو لم يقسم . وإذا طلق وعزل ، فإما أن يخلي المعزولة لا يتبعها ، أو يتبعها . وروي أنه أرجأ منهن : سودة ، وجويرية ، وصفية ، وميمونة ، وأم حبيبة . فكان يقسم لهن ما شاء كما شاء ، وكانت ممن أوى إليه : عائشة ، وحفصة ، وأم سملة ، وزينب ، أرجأ خمساً وأوى أربعاً . وروي أنه كان يسوي بينهن مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة ، فإنها وهبت نفسها لعائشة وقالت : لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك . انتهى . ذلك التفويض إلى مشيئتك أدنى إلى قرة عيونهن وانتفاء حزنهن ووجود رضاهن ، إذا علمت أن ذلك التفويض من عند الله ، فحالة كل منهن كحالة الأخرى في ذلك . وقرأ الجمهور : { أن تقر أعينهن } : مبنياً للفاعل من قرت العين ؛ وابن محيصن : يقر من أقر أعينهن بالنصب ، وفاعل تقر ضميرالخطاب ، أي أنت . وقرىء : تقر مبنياً للمفعول ، وأعينهن بالرفع . وقرأ الجمهور : { كلهن } بالرفع ، تأكيداً النون { يرضين } ؛ وأبو إياس حوبة بن عائذ : بالنصب تأكيداً لضمير النصب في { آتيتهن } . { والله يعلم ما في قلوبكم } : عام . قال ابن عطية : والإشارة به ههنا إلى ما في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من محبة شخص دون شخص ، ويدخل في المعنى المؤمنون . وقال الزمخشري ، وعبيدة : من لم يرض منهن بما يريد الله من ذلك ، وفوض إلى مشيئة رسوله ، وبعث على تواطؤ قلوبهن ، والتصافي بينهن ، والتوافق على طلب رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما فيه طيب نفسه . انتهى . { وكان الله عليماً } بما انطوت عليه القلوب ، { حليماً } : يصفح عما يغلب على القلب من المسؤول ، إذ هي مما لا يملك غالباً . واتفقت الروايات على أنه عليه الصلاة والسلام ، كان يعدل بينهن في القسمة حتى مات ، ولم يستعمل شيئاً مما أبيح له ، ضبطاً لنفسه وأخذاً بالفضل ، غير ما جرى لسودة مما ذكرناه . { لا يحل لك النساء من بعد } : الظاهر أنها محكمة ، وهو قول أبيّ بن كعب وجماعة ، منهم الحسن وابن سيرين ، واختاره الطبري . ومن بعد المحذوف منه مختلف فيه ، فقال أبيّ ، وعكرمة ، والضحاك : ومن بعد اللواتي أحللنا لك في قوله : { إنا أحللنا لك أزواجك } . فعلى هذا المعنى ، لا تحل لك النساء من بعد النساء اللاتي نص عليهن أنهن يحللن لك من الأصناف الأربعة : لا أعرابية ، ولا عربية ، ولا كتابية ، ولا أمة بنكاح . وقال ابن عباس ، وقتادة : من بعد ، لأن التسع نصاب رسول الله من الأزواج ، كما أن الأربع نصاب أمته منهن . قال : لما خيرن فاخترن الله ورسوله ، جازاهن الله أن حظر عليه النساء غيرهن وتبديلهن ، ونسخ بذلك ما أباحه له قبل من التوسعة في جميع النساء . وقال مجاهد ، وابن جبير : وروي عن عكرمة : من بعد ، أي من بعد إباحة النساء على العموم ، ولا تحل لك النساء غير المسلمات من يهودية ولا نصرانية . وكذلك : { ولا أن تبدل بهن من أزواج } : أي بالمسلمات من أزواج يهوديات ونصرانيات . وقيل : في قوله { ولا أن تبدل } ، هو من البدل الذي كان في الجاهلية . كان يقول الرجل : بادلني بامرأتك وأبادلك بامرأتي ، فينزل كل واحد منهما عن امرأته للآخر . قال معناه ابن زيد ، وأنه كان في الجاهلية ، وأنكر هذا القول الطبري وغيره في معنى الآية ، وما فعلت العرب قط هذا . وما " روي من حديث عيينة بن حصن أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين دخل عليه بغير استئذان ، وعنده عائشة . من هذه الحميراء ؟ فقال : « عائشة » ، فقال عيينة : يا رسول الله ، إن شئت نزلت لك عن سيدة نساء العرب جمالاً : ونسباً ، فليس بتبديل ، ولا أراد ذلك ، وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية " ومن في { من أزواج } زائدة لتأكيد النفي ، وفائدته استغراق جنس الأزواج بالتحريم . وقيل : الآية منسوخة ، واختلف في الناسخ فقيل : بالسنة . قالت عائشة : ما مات حتى حل له النساء . وروي ذلك عن أم سلمة ، وهو قول علي وابن عباس والضحاك ، وقيل بالقرآن ، وهو قوله : { ترجي من تشاء منهن } الآية . قال هبة الله الضرير : في الناسخ والمنسوخ له ، وقال : ليس في كتاب الله ناسخ تقدم المنسوخ سوى هذا . قال ابن عطية : وكلامه يضعف من جهات . انتهى . وقيل : قوله { إنا أحللنا لك أزواجك } الآية ، فترتيب النزول ليس على ترتيب كتابة المصحف . وقد روي عن ابن عباس القولان : إنها محكمة ، وإنها منسوخة . { ولو أعجبك حسنهن } ، قيل : منهن أسماء بنت عميس الخثعمية ، امرأة جعفر بن أبي طالب . والجملة ، قال الزمخشري ، في موضع الحال من الفاعل ، وهو الضمير في { تبدل } ، لا من المفعول الذي هو { من أزواج } ، لأنه موغل في التنكير ، وتقديره : مفروضاً إعجابك لهن ؛ وتقدم لنا في مثل هذا التركيب أنه معطوف على حال محذوفة ، أي { ولا أن تبدل بهن من أزواج } على كل حال ، ولو في هذه الحال التي تقتضي التبدل ، وهي حالة الإعجاب بالحسن . قال ابن عطية : وفي هذا اللفظ { أعجبك حسنهن } ، دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها . انتهى . وقد جاء ذلك في السنة من حديث المغيرة بن شعبة ، وحديث محمد بن مسلمة . { إلا ما ملكت يمينك } : أي فإنه يحل لك . وأما إن كانت موصولة واقعة على الجنس ، فهو استثناء من الجنس ، يختار فيه الرفع على البدل من النساء . ويجوز النصب على الاستثناء ، وإن كانت مصدرية ، ففي موضع نصب ، لأنه استثناء من غير جنس الأول ، قاله ابن عطية ، وليس بجيد ، لأنه قال : والتقدير : إلا ملك اليمين ، وملك بمعنى : مملوك ، فإذا كان بمعنى مملوك صار من جملة النساء لأنه لم يرد حقيقة المصدر ، فيكون الرفع هو أرجح ، ولأنه قال : وهو في موضع نصب ، ولا يتحتم أن يكون في موضع نصب . ولو فرضنا أنه من غير الجنس حقيقة ، بل الحجاز تنصب وتميم تبدل ، لأنه مستثنى ، يمكن توجه العامل عليه ، وإنما يكون النصب متحتماً حيث كان المستثنى لا يمكن توجه العامل عليه نحو : ما زاد المال إلا النقص ، فلا يمكن توجه الزيادة على النقص ، ولأنه قال : استثناء من غير الجنس . وقال مالك : بمعنى مملوك فناقض . { وكان الله على كل شيء رقيباً } : أي راقباً ، أو مراقباً ، ومعناه : حافظ وشاهد ومطلع ، وهو تحذير عن مجاوزة حدوده وتخطي حلاله وحرامه .