Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 53-58)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الصحيحين ، أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش ، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون ، فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا ، فلما رأى ذلك قام ، وقام من القوم من قام ، وقعد ثلاثة ، فجاء فدخل ، فإذا القوم جلوس ، فرجع وأنهم قاموا فانطلقوا ، وجئت فأخبرته أنهم قد انطلقوا ، فجاء حتى دخل ، وذهبت أدخل ، فألقى الحجاب بيني وبينه ، وأنزل عليه هذه الآية . قال ابن عباس : كان ناس يتحينون طعامه ، عليه الصلاة والسلام ، فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ، ثم يأكلون ولا يخرجون ، وكان يتأذى بهم ، فنزلت . وأما سبب الحجاب ، فعمر قال : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البار والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت . وقال مجاهد : طعم معه بعض أصحابه ، ومعهم عائشة ، فمست يد رجل منهم يد عائشة ، فكره ذلك عليه السلام ، فنزلت آية الحجاب . ولما كان نزول الآية في شيء خاص وقع للصحابة ، لم يدل ذلك على أنه لا يجوز دخول بيوت النبي إلا إن كان عن إذن { إلى طعام غير ناظرين إناه } ، لا يجوز دخول بيوته ، عليه السلام ، إلا بإذن ، سواء كان لطعام أم لغيره . وأيضاً فإذا كان النهي إلا بإذن إلى طعام ، وهو ما تمس الحاجة إليه لجهة الأولى . و { بيوت } : جمع ، وإن كانت الواقعة في بيت واحد خاص يعم جميع بيوته . و { إلا أن يؤذن } ، قال الزمخشري : { إلا أن يؤذن } في معنى الظرف تقديره : وقت أن يؤذن لكم ، و { غير ناظرين } : حال من { لا تدخلوا } ، أوقع الاستثناء على الوقت والحال معاً ، كأنه قيل : لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن ، ولا تدخلوها إلا غير ناظرين إناه . انتهى . فقوله : { إلا أن يؤذن } في معنى الظرف وتقديره : وقت أن يؤذن لكم ، وأنه أوقع الاستثناء على الوقت فليس بصحيح ، وقد نصوا على أن أنْ المصدرية لا تكون في معنى الظرف . تقول : أجيئك صياح الديك وقدوم الحاج ، ولا يجوز : أجيئك أن يصيح الديك ولا أن يقدم الحاج . وأما أن الاستثناء وقع على الوقت والحال معاً ، فلا يجوز على مذهب الجمهور ، ولا يقع بعد إلا في الاستثناء إلا المستثنى ، أو المستثنى منه ، أو صفة المستثنى منه : وأجاز الأخفش والكسائي ذلك في الحال ، أجازا : ما ذهب القوم إلا يوم الجمعة راحلين عنا ، فيجوز ما قاله الزمخشري في الحال . وأما قوله : { إلا أن يؤذن لكم } ، فلا يتعين أن يكون ظرفاً ، لأنه يكون التقدير : إلا بأن يؤذن لكم ، فتكون الباء للسببية ، كقوله : { فأخرجنا به من كل الثمرات } [ الأعراف : 57 ] ، أو للحال ، أي مصحوبين بالإذن . وأما { غير ناظرين } ، كما قرر في قوله : { بالبينات والزبر } [ آل عمران : 184 ، النحل : 44 ] . أرسلناهم بالبينات والزبر ، دل عليه { لا تدخلوا } ، كما دل عليه أرسلناهم قوله : { وما أرسلنا } [ الأعراف : 94 ] . ومعنى { غير ناظرين } فحال ، والعامل فيه محذوف تقديره : ادخلوا بالإذن غير ناظرين . كما قرر في قوله : { بالبينات والزبر } [ آل عمران : 184 ، النحل : 44 ] أي غير منتظرين وقته ، أي وقت استوائه وتهيئته . وقرأ الجمهور : { غير } بالنصب على الحال ؛ وابن أبي عبلة : بالكسر ، صفة لطعام . قال الزمخشري : وليس بالوجه ، لأنه جرى على غير من هو له ، فمن حق ضمير ما هو له أن يبرز من إلى اللفظ ، فيقال : غير ناظرين إناه أنتم ، كقوله : هند زيد ضاربته هي . انتهى . وحذف هذا الضمير جائز عند الكوفيين إذا لم يلبس وأنى الطعام إدراكه ، يقال : أنى الطعام أنى ، كقوله : قلاه قلى ، وقيل : وقته ، أي غير ناظرين ساعة أكله . وقرأ الجمهور : إناه مفرداً ؛ والأعمش : إناءه ، بمدة بعد النون . ورتب تعالى الدخول على أن يدعوا ، فلا يقدمون عليه الدخول حين يدعوا ، ثم أمر بالاستثناء إذا طعموا . { ولا مستأنسين لحديث } : معطوف على { ناظرين } ، فهو مجرور أو معطوف على { غير } ، فهو منصوب ، أي لا تدخلوها لا ناظرين ولا مستأنسين . وقيل : ثم حال محذوفة ، أي لا تدخلوها أجمعين ولا مستأنسين ، فيعطف عليه . واللام في { لحديث } إما لام العلة ، نهوا أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه ، به أو اللام المقوية لطلب اسم الفاعل للمفعول ، فنهوا أن يستأنسوا حديث أهل البيت . واستئناسه : تسمعه وتوحشه . { إن ذلكم } : أي انتظاركم واستئناسكم ، { يؤذي النبي فيستحيي منكم } : أي من إنهاضكم من البيوت ، أو من إخراجكم منها بدليل قوله : { والله لا يستحيي من الحق } : يعني أن إخراجكم حق ما ينبغي أن يستحيا منه . ولما كان الحياء مما يمنع الحي من بعض الأفعال ، قيل : { لا يستحيي من الحق } بمعنى : لا يمتنع ، وجاء ذلك على سبيل المقابلة لقوله : { فيستحيي منكم } . وعن عائشة ، وابن عباس : حسبك في الثقلاء ، أن الله لم يحتملهم . وقرئت هذه الآية بين يدي إسماعيل بن أبي حكيم فقال : هنا أدب أدب الله به الثقلاء . وقرأت فرقة : فيستحيـي بكسر الحاء ، مضارع استحا ، وهي لغة بني تميم . واختلفوا ما المحذوف ، أعين الكلمة أم لامها ؟ فإن كان العين فوزنها يستفل ، وإن كان اللام فوزنها يستفع ، والترجيح مذكور في النحو . وقرأ الجمهور : بياءين وسكون الحاء ، والمتاع عام في ما يمكن أن يطلب على عرف السكنى والمجاورة من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا . { ذلكم } ، أي السؤال من وراء الحجاب ، { أطهر } : يريد من الخواطر التي تخطر للرجال في أمر النساء ، والنساء في أمر الرجال ، إذ الرؤية سبب التعلق والفتنة . ألا ترى إلى قول الشاعر : @ والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين العين موقوف على الخطر يسر مقلته ما ساء مهجته لا مرحباً بانتفاع جاء بالضرر @@ وذكر أن بعضهم قال : أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب ؟ لئن مات محمد لأتزوجن فلانة . وقال ابن عباس وبعض الصحابة : وفلانة عائشة . وحكى مكي عن معمر أنه قال : هو طلحة بن عبيد الله . قال ابن عطية : وهذا عندى لا يصح على طلحة فإن الله عصمه منه . وفي التحرير أنه طلحة ، فنزلت : { ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً } ، فتاب وأعتق رقبة ، وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله ، وحج ماشياً . وروي أن بعض المنافقين قال : حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم سلمة بعده ، أي بعد سلمة ، وحفصة بعد خنيس بن حذافة : ما بال محمد يتزوج نساءنا ؟ والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه . ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وارتدت العرب ثم رجعت ، تزوج عكرمة ابن أبي جهل قتيلة بنت الأشعث بن قيس ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد تزوجها ولم يبن بها . فصعب ذلك على أبي بكر وقلق ، فقال له عمر : مهلاً يا خليفة رسول الله ، إنها ليست من نسائه ، إنه لم يبن بها ، ولا أرخى عليها حجاباً ، وقد أبانتها منه ردتها مع قومها . فسكن أبو بكر ، وذهب عمر إلى أن لا يشهد جنازة زينب إلا ذو محرم عنها ، مراعاة للحجاب ، فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة ، وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة ، ومنعه عمر . وروي أنه صنع ذلك في جنازة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . { وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله } : عام في كل ما يتأذى به ، { ولا أن تنكحوا } : خاص بعد عام ، لأن ذلك يكون أعظم الأذى ، فحرم الله نكاح أزواجه بعد وفاته . { إن ذلكم } : أي إذايته ونكاح أزواجه ، { كان عند الله عظيماً } : وهذا من أعلام تعظيم الله لرسوله ، وإيجابه حرمته حياً وميتاً ، وإعلامه بذلك مما طيب به نفسه ، فإن نحو هذا مما يحدث به المرء نفسه . ومن الناس من تفرط غيرته على حرمته حتى يتمنى لها الموت ، لئلا تنكح من بعده ، وخصوصاً العرب ، فإنهم أشد الناس غيرة . وحكى الزمخشري أن بعض الفتيان قبَّل جارية كان يحبها في حكاية قال : تصوراً لما عسى أن يتفق من بقائها بعده ، وحصولها تحت يد غيره . انتهى . فقال لما عسى ، فجعل عسى صلة للموصول ، وقد كثر منه هذا وهو لا يجوز . وعن بعض الفقهاء ، أن الزوج الثاني في هدير الثلث يجري مجرى العقوبة ، فعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عملاً يلاحظ ذلك . { إن تبدوا شيئاً أو تخفوه } : وعيد لما تقدم التعرض به في الآية ممن أشير إليه بقوله : { ذلكم أطهر } ، ومن أشير إليه : { وما كان لكم أن تؤذوا } ، فقيل : { إن تبدوا شيئاً } على ألسنتكم ، { أو تخفوه } في صدوركم ، مما يقع عليه العقاب ، فالله يعلمه ، فيجازي عليه . وقال : { شيئاً } ، ليدخل فيه ما يؤذيه ، عليه السلام ، من نكاحهن وغيره ، وهو صالح لكل باد وخاف . وروي أنه لما نزلت آية الحجاب قال : الآباء والأبناء والأقارب ، أو نحن يا رسول الله أيضاً ، نكلمهن من وراء حجاب ، فنزلت : { لا جناح عليهن } : أي لا إثم عليهن . قال قتادة : في ترك الحجاب . وقال مجاهد : في وضع الجلباب وإبداء الزينة . وقال الشعبي : لم يذكر العم والخال ، وإن كانا من المحارم ، لئلا يصفا للأبناء ، وليسوا من المحارم . وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها ، وقيل : لأنهما يجريان مجرى الوالدين ، وقد جاءت تسمية العم أباً . وذكر هنا بعض المحارم ، والجميع في سورة النور . ودخل في : { ولا نسائهن } ، الأمهات والأخوات وسائر القرابات ، ومن يتصل بهن من المتطرفات لهن . وقال ابن زيد وغيره : أراد جميع النساء المؤمنات ، وتخصيص الإضافة إنما هي في الإيمان . وقال مجاهد : من أهل دينهن ، وهو كقول ابن زيد . والظاهر من قوله : { أو ما ملكت أيمانهن } ، دخول العبيد والإماء دون ما ملك غيرهن . وقيل : مخصوص بالإماء ، وقيل : جميع العبيد ممن في ملكهن أو ملك غيرهن . وقال النخعي : يباح لعبدها النظر إلى ما يواريه الدرع من ظاهر بدنها ، وإذا كان للعبد المكاتب ما يؤدي ، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب الحجاب دونه ، وفعلته أم سلمة مع مكاتبها نبهان . { واتقين الله } : أمر بالتقوى وخروج من الغيبة إلى الخطاب ، أي واتقين الله فيما أمرتن به من الاحتجاب ، وأنزل الله فيه الوحي من الاستتار ، وكأن في الكلام جملة حذفت تقديره : اقتصرن على هذا ، واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره . ثم توعد بقوله : { إن الله كان على كل شيء شهيداً } ، من السر والعلن ، وظاهر الحجاب وباطنه ، وغير ذلك . { شهيداً } : لا تتفاوت الأحوال في علمه . وقرأ الجمهور : { وملائكته } نصباً ؛ وابن عباس ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : رفعاً . فعند الكوفيين غير الفراء هو عطف على موضع اسم إن ، والفراء يشترط خفاء إعراب اسم إن . وعند البصريين هو على حذف الخبر ، أي يصلي على النبي ، وملائكته يصلون ، وتقدم الكلام على كيفية اجتماع الصلاتين في قوله : { هو الذي يصلي عليكم وملائكته } . فالضمير في { يصلون } عائد على { الله وملائكته } ، وقيل : في الكلام حذف ، أي يصلي وملائكته يصلون ، فراراً من اشتراك الضمير ، والظاهر وجوب الصلاة والسلام عليه ، وقيل : سنة . إذا كانت الصلاة واجبة فقيل : كلما جرى ذكره قيل في كل مجلس مرة . وقد ورد في الحديث في الصلاة عليه ، فضائل كثيرة . وروي أنه لما نزلت هذه الآية " قال قوم من الصحابة : السلام عليك يا رسول الله عرفناه ، فكيف نصلي عليك قال : قولوا اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وارحم محمداً وآل محمد ، كما رحمت وباركت على إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد " وفي بعض الروايات زيادة ونقص . { إن الذين يؤذون الله ورسوله } ، قال ابن عباس : نزلت في الذين طعنوا عليه حين اتخذ صفية بنت حيـي زوجاً . انتهى . والطعن في تأمير أسامة بن زيد : أن إيذاءه عليه السلام ، وإيذاء الله والرسول فعل ما نهى الله ورسوله عنه من الكفر والمعاصي ، وإنكار النبوة ومخالفة الشرع ، وما يصيبون به الرسول من أنواع الأذى . ولا يتصور الأذى حقيقة في حق الله ، فقيل : هو على حذف مضاف ، أي يؤذون أولياء الله ، وقيل : المراد يؤذون رسول الله ، وقيل : في أذى الله ، هو قول اليهود والنصارى والمشركين : { يد الله مغلولة } [ المائدة : 64 ] ، و { ثالث ثلاثة } [ المائدة : 73 ] ، و { المسيح ابن الله } [ التوبة : 30 ] ، و { الملائكة بنات الله } ، و { الأصنام شركاؤه } . وعن عكرمة : فعل أصحاب التصاوير الذين يزورون خلقاً مثل خلق الله ، وقيل : في أذى رسول الله قولهم : ساحر شاعر كاهن مجنون ، وقيل : كسر رباعيته وشج وجهه يوم أُحد . وأطلق إيذاء الله ورسوله على إيذاء المؤمنين بقوله : { بغير ما اكتسبوا } ، لأن إيذاءهما لا يكون إلا بغير حق ، بخلاف إيذاء المؤمن ، فقد يكون بحق . ومعنى { بغير ما اكتسبوا } : بغير جناية واستحقاق أذى . وقال مقاتل : نزلت في ناس من المنافقين يؤذون علياً ، كرم الله وجهه ، ويسمعونه ؛ وقيل : في الذين أفكوا على عائشة . وقال الضحاك ، والسدي ، والكلبي : في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات ؛ وقيل : في عمر ، رأى من الريبة على جارية من جواري الأنصار ما كره ، فضربها ، فأذوي أهل عمر باللسان ، فنزلت . قال ابن عباس : وروي أن عمر قال يوماً لأبيّ : قرأت البارحة { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات } ففزعت منها ، وإني لأضربهم وأنهرهم ، فقال له : لست منهم ، إنما أنت معلم ومقوم .