Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 53-65)

Tafsir: al-Baḥr al-muḥīṭ

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر ما حل بآل فرعون ، واستطرد من ذلك إلى ذكر شيء من أحوال الكفار في الآخرة ، عاد إلى ذكر ما منح رسوله موسى عليه السلام فقال : { ولقد آتينا موسى الهدى } تأنيساً لمحمد عليه السلام ، وتذكيراً لما كانت العرب تعرفه من قصة موسى عليه السلام . والهدى ، يجوز أن يكون الدلائل التي أوردها على فرعون وقومه ، وأن يكون النبوة ، وأن يكون التوراة . { وأورثنا بني إسرائيل الكتاب } : الظاهر أنه التوراة ، توارثوها خلف عن سلف ، ويجوز أن يكون الكتاب أريد به : ما أنزل على بني إسرائيل من كتب أنبيائهم ، كالتوراة والزبور والإنجيل ، { هدى } ودلالة على الشيء المطلوب ، { وذكرى } لما كان منسياً فذكر به تعالى في كتبه . وانتصب { هدى وذكرى } على أنهما مفعولان له ، أو على أنهما مصدران في موضع الحال . ثم أمر تعالى نبيه بالصبر فقال : { فاصبر إن وعد الله حق } ، من قوله : { إنا لننصر رسلنا } ، فلا بد من نصرك على أعدائك . وقال الكلبي : نسخ هذا بآية السيف . { واستغفر لذنبك } ، قال ابن عطية : يحتمل أن يكون قبل إعلام الله تعالى إياه أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، لأن آية هذه السورة مكية ، وآية سورة الفتح مدنية متأخرة ، ويحتمل أن يكون الخطاب له في هذه الآية ، والمراد أنه إذا أمر هو بهذا فغيره أحرى بامتثاله . وقال أبو عبد الله الرازي : محمول على التوبة من ترك الأفضل والأولى . وقيل : المقصود منه محض تعبد ، كما في قوله تعالى : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } [ آل عمران : 194 ] ، فإن إيتاء ذلك الشيء واجب ، ثم إنه أمرنا بطلبه . وقيل : { لذنبك } : لذنب أمتك في حقك . قيل : فأضاف المصدر للمفعول ، ثم أمره بتنزيهه تعالى في هذين الوقتين اللذين الناس مشتغلون فيهما بمصالحهم المهمة . ويجوز أن يكون المراد سائر الأوقات ، وعبر بالظرفين عن ذلك . وقال ابن عباس : أراد بذلك الصلوات الخمس . وقال قتادة : صلاة الغداة ، وصلاة العصر . وقال الحسن : ركعتان قبل أن تفرض الصلاة . وعنه أيضاً : صلاة العصر ، وصلاة الصبح . والظاهر أن المجادلين في آيات الله ، وهي دلائله التي نصبها على توحيده وكتبه المنزلة ، وما أظهر على يد أنبيائه من الخوارق ، هم كفار قريش والعرب . { بغير سلطان } : أي حجة وبرهان . { في صدورهم إلا كبر } : أي تكبر وتعاظم ، وهو إرادة التقدم والرياسة ، وذلك هو الحامل على جدالهم بالباطل ، ودفعهم ما يجب لك من تقدمك عليهم ، لما منحك من النبوة وكلفك من أعباء الرسالة . { ما هم ببالغيه } : أي ببالغي موجب الكبر ومقتضيه من رياستهم وتقدمهم ، وفي ذلك إشارة إلى أنهم لا يرأسون ، ولا يحصل لهم ما يؤملونه . وقال الزجاج : المعنى على تكذيبك إلا ما في صدورهم من الكبر عليك ، وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر ، لأن الله أذلهم وقال ابن عطية : تقديره مبالغي إرادتهم فيه . وقال مقاتل : هي في اليهود . قال مقاتل : عظمت اليهود الدجال وقالوا : إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان وله سلطان ، فقال تعالى : { إن الذين يجادلون في آيات الله } ، لأن الدجال من آياته ، { بغير سلطان } : أي حجة ، { فاستعذ بالله } من فتنة الدجال . والمراد بخلق الناس الدجال ، وإلى هذا ذهب أبو العالية ، وهذا القول أصح . وقال الزمخشري : وقيل المجادلون هم اليهود ، وكانوا يقولون : يخرج صاحبنا المسيح بن داود ، يريدون الدجال ، ويبلغ سلطانه البر والبحر ، وتسير معه الأنهار ، وهو آية من آيات الله ، فيرجع إلينا الملك ، فسمى الله تمنيتهم ذلك كبراً ، ونفى أن يبلغوا متمناهم . انتهى . وكان رئيس اليهود في زمانه في مصر موسى بن ميمون الأندلسي القرطبي قد كتب رسالته إلى يهود اليمن أن صاحبهم يظهر في سنة كذا وخمسمائة ، وكذب عدوّ الله . جاءت تلك السنة وسنون بعدها كثيرة ، ولم يظهر شيء مما قاله ، لعنه الله . وكان هذا اليهودي قد أظهر الإسلام ، حتى استسلم اليهود بعض ملوك المغرب ، ورجل من الأندلس . فيذكر أنه صلى بالناس التراويح وهم على ظهر السفينة في رمضان ، إذ كان يحفظ القرآن . فلما قدم مصر ، وكان ذلك في دولة العبيديين ، وهم لا يتقيدون بشريعة ، رجع إلى اليهودية وأخبر أنه كان مكرهاً على الإسلام ، فقبل منه ذلك ، وصنف لهم تصانيف ، ومنها : ( كتاب دلالة الحائرين ) ، وإنما استفاد ما استفاد من مخالطة علماء الأندلس وتودده لهم ، والرياسة إلى الآن بمصر لليهود في كل من كان من ذريته . { فاستعذ بالله } : أي التجيء إليه من كيد من يحسدك . { إنه هو السميع } لما تقول ويقولون ، { البصير } بما تعمل ويعملون ، فهو ناصرك عليهم وعاصمك من شرهم . ثم نبه تعالى أنه لا ينبغي أن يجادل في آيات الله ولا يتكبر الانسان بقوله { لخلق السماوات والأرض أكبرمن خلق الناس } : أي إن المخلوقات أكبر واجل من خلق البشر ، فما لأحد يجادل ويتكبر على خالقه . وقال الزمخشري : مجادلتهم في آيات الله كانت مشتملة على انكار البعث وهو اصل المجادلة ومدارها ، فجحدوا بخلق السماوات والأرض ، لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقها ، وبأنها خلق عظيم لا يقدر قدره ، وخلق الناس بالقياس إليه شيء قليل مهين ، فمن قدر على خلقها مع عظمها كان على خلق الإنسان مع مهانته أقدر ، وهو أبلغ من الإستشهاد بخلق مثله انتهى . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث والإعادة ، فأعلم تعالى أن ا الذي خلق السموات والأرض قوي قادر على خلق الناس تارة أخرى ، فالخلق مصدر أضيف إلى المفعول ، وقال النقاش : المعنى مما يخلق الناس ، إذ هم في الحقيقة لا يملكون شيئاً ، فالخلق مضاف للفاعل . { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } : أي لا يتأملون لغلبة الغفلة عليهم ، ونفي العلم عن الأكثر وتخصيصه به يدل على أن القليل يعلم ، ولذلك ضرب مثلاً للجاهل بالأعمى ، وللعالم بالبصير ، وانتفاء الاستواء بينهما هو من الجهة الدالة على العمى وعلى البصر ، وإلا فهما مستويان في غير ما شيء . ولما بعد ، قسم الذين آمنوا بطول صلة الموصول ، كرر لا توكيداً ، وقدم { والذين آمنوا } المجاورة قوله : { والبصير } ، وهما طريقان ، أحدهما : أن يجاور المناسب هكذا ، والآخر : أن يتقدم ما يقابل الأول ويؤخر ما يقابل الآخر ، كقوله تعالى : { وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * و لا الظل ولا الحرور } [ فاطر : 19 21 ] ، وقد يتأخر المتماثلان ، كقوله تعالى : { مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع } [ هود : 24 ] ، وكل ذلك تفنن في البلاغة وأساليب الكلام . ولما كان قد تقدم : { ولكن أكثر النار لا يعلمون } ، فكان ذلك صفة ذم ناسب أن يبدأ في ذكر التساوي بصفة الذم ، فبدأ بالأعمى . وقرأ قتادة ، وطلحة ، وأبو عبد الرحمن ، وعيسى ، والكوفيون : تتذكرون بتاء الخطاب ؛ والجمهور ، والأعرج ، والحسن ، وأبو جعفر ، وشيبة : بالياء على الغيبة . ثم أخبر بما يدل على البعث من إتيان الساعة ، وأنه لا ريب في وقوعها ، وهو يوم القيامة ، حيث الحساب وافتراق الجمع إلى الجنة طائعهم ، وإلى النار كافرهم ومن أراد الله تعذيبه من العصاة بغير الكفر . والظاهر حمل الدعاء والاستجابة على ظاهرهما ، إلا أن الاستجابة مقيدة بمشيئة الله . قال السدي : اسألوني أعطكم ؛ وقال الضحاك : أطيعوني آتكم ؛ وقالت فرقة منهم مجاهد : ادعوني ، اعبدوني وأستجب لكم ، آتيكم على العبادة . وكثيراً جاء الدعاء في القرآن بمعنى العبادة ، ويقوي هذا التأويل قوله : { إن الذين يستكبرون عن عبادتي } . وما روى النعمان بن بشير ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدعاء هو العبادة وقرأ هذه الآية " وقال ابن عباس : وحدوني أغفر لكم ؛ وقيل للثوري : ادع الله تعالى ، فقال : إن ترك الذنوب هو الدعاء . وقال الحسن ، وقد سئل عن هذه الآية : اعملوا وأبشروا ، فإنه حق على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ، ويزيدهم من فضله . وقال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله " { إن الذين يستكبرون عن عبادتي } : أي عن دعائي . وقرأ جمهور السبعة ، والحسن ، وشيبة : سيدخلون مبنياً للفاعل ؛ وزيد بن علي ، وابن كثير ، وأبو جعفر : مبنياً للمفعول ؛ واختلف عن عاصم وأبي عمرو . داخرين : ذليلين . { الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً } : تقدم الكلام على مثل هذه الجملة في سورة يونس . و { لذو فضل } : أبلغ من : لمفضل أو لمتفضل ، كما قال { لذو علم لما علمناه } [ يوسف : 68 ] { لينفق ذو سعة من سعته } [ الطلاق : 7 ] ، { والله ذو الفضل العظيم } [ الحديد : 29 ] ، لما يؤدي إليه من كونه صاحبه ومتمكناً منه ، بخلاف أن يؤتي بالصفة ، فإنه قد يدل على غير الله بالاتصاف به في وقت ما ، لا دائماً ، وذكر عموم فضله وسوغه على الناس ، ثم قال : { ولكن أكثر الناس } ، فأتى به ظاهراً ، ولم يأت التركيب : ولكن أكثرهم . قال الزمخشري : في هذا التكرير تخصيص لكفران النعمة بهم ، وأنهم هم الذين يكفرون فضل الله ولا يشكرونه ، كقوله : { إن الإنسان لكفور } [ الحج : 66 ] ، { إن الإنسان لربه لكنود } [ العاديات : 6 ] ، { إن الإنسان لظلوم كفار } [ إبراهيم : 34 ] . انتهى . { ذلكم } : أي المخصوص بتلك الصفات التميز بها من استجابته لدعائكم ، ومن جعل الليل والنهار كما ذكر ، ومن تفضله عليكم . { الله ربكم } : الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية ، وإنشاء الأشياء والوحدانية . فكيف تصرفون عن عبادة من هذه أوصافه إلى عبادة الأوثان ؟ وقرأ زيد بن علي : خالق بنصب القاف ، وطلحة في رواية : يؤفكون بياء الغيبة والجمهور : بضم القاف وتاء الخطاب . قال الزمخشري : خالق نصباً على الاختصاص كذلك ، أي مثل ذلك الصرف صرف الله قلوب الجاحدين بآيات الله من الأمم على طريق الهدى . ولما ذكر تعالى ما امتن به من الليل والنهار ، ذكر أيضاً ما امتن به من جعل الأرض مستقراً والسماء بناء ، أي قبة ، ومنه أبنية العرب لمضاربهم ، لأن السماء في منظر العين كقبة مضروبة على وجه الأرض . وقرأ الجمهور : صوركم بضم الصاد ، والأعمش ، وأبو رزين : بكسرها فراراً من الضمة قبل الواو استثقالاً ، وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسرها شاذ ، وقالوا قوة وقوى بكسر القاف على الشذوذ أيضاً قيل : لم يخلق حيواناً أحسن صورة من الإنسان . وقيل : لم يخلقهم منكوسين كالبهائم ، كقوله : { في أحسن تقويم } [ التين : 4 ] . وقرأت فرقة : صوركم بضم الصاد وإسكان الواو ، على نحو بسرة وبسر ، { ورزقكم من الطيبات } : امتن عليهم بما يقوم بأود صورهم والطيبات المستلذات طعماً ولباساً ومكاسب . وقال ابن عباس : من قال : لا إله إلا الله ، فليقل على أثرها : { الحمد لله رب العالمين } . وقال نحوه سعيد بن جبير ، ثم قرأ الآية .