Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 37-37)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مِن ذُرّيَّتِى } بعض أولادي وهم إسماعيل ومن ولد منه { بِوَادٍ } هو وادي مكة { غَيْرِ ذِى زَرْعٍ } لا يكون فيه شيء من زرع قط ، كقوله { قُرْءَاناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍ } الزمر 28 بمعنى لا يوجد فيه اعوجاج ، ما فيه إلا الاستقامة لا غير . وقيل للبيت المحرم ، لأنّ الله حرم التعرض له والتهاون به ، وجعل ما حوله حرماً لمكانه ، أو لأنه لم يزل ممنعاً عزيزاً يهابه كل جبار ، كالشيء المحرم الذي حقه أن يجتنب ، أو لأنه محترم عظيم الحرمة لا يحل انتهاكها ، أو لأنه حرّم على الطوفان أي منع منه ، كما سُمي عتيقاً لأنه أعتق منه فلم يستول عليه { لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ } اللام متعلقة بأسكنت ، أي ما أسكنتهم هذا الوادي الخلاء البلقع من كل مرتفق ومرتزق ، إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ، ويعمروه بذكرك وعبادتك وما تعمر به مساجدك ومتعبداتك ، متبركين بالبقعة التي شرفتها على البقاع ، مستسعدين بجوارك الكريم ، متقربين إليك بالعكوف عند بيتك ، والطواف به ، والركوع والسجود حوله ، مستنزلين الرحمة التي آثرت بها سكان حرمك { أَفْئِدَةً مِـّنَ ٱلنَّاسِ } أفئدة من أفئدة الناس ، ومن للتبعيض ، ويدل عليه ما روي عن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم ، وقيل لو لم يقل { مِّنَ } لازدحموا عليه حتى الروم والترك والهند ويجوز أن يكون { مِّنَ } للابتداء ، كقولك القلب مني سقيم ، تريد قلبي ، فكأنه قيل أفئدة ناس ، وإنما نكرت المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة ، لأنها في الآية نكرة ليتناول بعض الأفئدة . وقرىء « آفدة » ، بوزن عاقدة . وفيه وجهان ، أحدهما أن يكون من القلب كقولك آدر ، في أدؤر . والثاني أن يكون اسم فاعلة من أفدت الرحلة إذا عجلت ، أي جماعة أو جماعات يرتحلون إليهم ويعجلون نحوهم . وقرىء « أفدة » ، وفيه وجهان أن تطرح الهمزة للتخفيف ، وإن كان الوجه أن تخفف بإخراجها بين بين . وأن يكون من أفد { تَهْوِى إِلَيْهِمْ } تسرع إليهم وتطير نحوهم شوقاً ونزاعاً من قوله @ يَهْوِي مَخَارِمَهَا هُوِىَّ الأَجْدَلِ @@ وقرىء « تُهْوَى إليهم » ، على البناء للمفعول ، من هوى إليه وأهواه غيره . وتهوى إليهم ، من هوى يهوي إذا أحب ، ضمن معنى تنزع فعدّى تعديته { وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ } مع سكناهم وادياً ما فيه شيء منها ، بأن تجلب إليهم من البلاد { لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات حاضرة في واد يباب ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء لا جرم أن الله عز وجلّ أجاب دعوته فجعله حرماً آمناً تجبى إليه . ثمرات كل شيء رزقاً من لدنه ، ثم فضله في وجود أصناف الثمار فيه على كل ريف وعلى أخصب البلاد وأكثرها ثماراً ، وفي أي بلد من بلاد الشرق والغرب ترى الأعجوبة التي يريكها الله بواد غير ذي زرع ، وهي اجتماع البواكير والفواكه المختلفة الأزمان من الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد ، وليس ذلك من آياته بعجيب ، متعنا الله بسكنى حرمه ، ووفقنا لشكر نعمه ، وأدام لنا التشرف بالدخول تحت دعوة إبراهيم عليه السلام ، ورزقنا طرفاً من سلامة ذلك القلب السليم .