Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 38-39)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
النداء المكرر دليل التضرع واللجأ إلى الله تعالى { إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ } تعلم السرَّ كما تعلم العلن علماً لا تفاوت فيه ، لأنّ غيباً من الغيوب لا يحتجب عنك . والمعنى أنك أعلم بأحوالنا وما يصلحنا وما يفسدنا منا ، وأنت أرحم بنا وأنصح لنا منا بأنفسنا ولها ، فلا حاجة إلى الدعاء والطلب ، وإنما ندعوك إظهاراً للعبودية لك ، وتخشعاً لعظمتك ، وتذللا لعزتك ، وافتقاراً إلى ما عندك ، واستعجالاً لنيل أياديك ، وولهاً إلى رحمتك ، وكما يتملق العبد بين يدي سيده ، رغبة في إصابة معروفه ، مع توفر السيد على حسن الملكة . وعن بعضهم أنه رفع حاجته إلى كريم فأبطأ عليه النجح ، فأراد أن يذكره فقال مثلك لا يذكر استقصاراً ولا توهما للغفلة عن حوائج السائلين ، ولكن ذا الحاجة لا تدعه حاجته أن لا يتكلم فيها . وقيل ما تخفي من الوجد لما وقع بيننا من الفرقة ، وما نعلن من البكاء والدعاء . وقيل ما نخفي من كآبة الافتراق ، وما نعلن يريد ما جرى بينه وبين هاجر حين قالت له عند الوداع إلى من تكلنا ؟ قال إلى الله أكلكم . قالت الله أمرك بهذا ؟ قال نعم . قالت إذن لا نخشى ، تركتنا إلى كاف { وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ } من كلام الله عز وجل تصديقاً لإبراهيم عليه السلام ، كقوله { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } النمل 34 أو من كلام إبراهيم ، يعني وما يخفى على الله الذي هو عالم الغيب من شيء في كل مكان . « ومن » للاستغراق ، كأنه قيل وما يخفى عليه شيء ما . { عَلَى } في قوله { عَلَى ٱلْكِبَرِ } بمعنى مع كقوله @ إنِّي عَلَى مَا تَرَيْنَ مِنْ كِبَرِى أَعْلَمُ مِنْ حَيْثُ تُؤْكَلُ الْكَتِفُ @@ وهو في موضع الحال ، معناه وهب لي وأنا كبير وفي حال الكبر . روي أنّ إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة ، وولد له إسحاق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة ، وقد روي أنه ولد له إسماعيل لأربع وستين . وإسحاق لتسعين . وعن سعيد بن جبير لم يولد لإبراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة ، وإنما ذكر حال الكبر لأنّ المنة بهبة الولد فيها أعظم ، من حيث أنها حال وقوع اليأس من الولادة . والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجلّ النعم وأحلاها في نفس الظافر ، ولأنّ الولادة في تلك السنّ العالية كانت آية لإبراهيم { إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ ٱلدُّعَاءِ } كان قد دعا ربه وسأله الولد ، فقال رب هب لي من الصالحين ، فشكر لله ما أكرمه به من إجابته فإن قلت الله تعالى يسمع كل دعاء ، أجابه أو لم يجبه . قلت هو من قولك سمع الملك كلام فلان إذا اعتد به وقبله ومنه سمع الله لمن حمده وفي الحديث . 574 " ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن " فإن قلت ما هذه الإضافة إضافة السميع إلى الدعاء ؟ قلت إضافة الصفة إلى مفعولها ، وأصله لسميع الدعاء . وقد ذكر سيبويه فعيلاً في جملة أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل ، كقولك هذا ضروب زيداً ، وضراب أخاه ، ومنحار إبله ، وحذر أموراً ، ورحيم أباه ويجوز أن يكون من إضافة فعيل إلى فاعله ، ويجعل دعاء الله سميعاً على الإسناد المجازي . والمراد سماع الله .