Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 44-47)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } مفعول ثان لأنذر وهو يوم القيامة . ومعنى { أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } ردّنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد وحدّ من الزمان قريب ، نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع رسلك . أو أريد باليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل ، أو يوم موتهم معذبين بشدّة السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى ، وأنهم يسألون يومئذ أن يؤخرهم ربهم إلى أجل قريب ، كقوله { لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ } المنافقون 10 { أَوَ لَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ } على إرادة القول ، وفيه وجهان أن يقولوا ذلك بطرا وأشراً ، ولما استولى عليهم من عادة الجهل والسفه ، وأن يقولوه بلسان الحال حيث بنوا شديداً وأمّلوا بعيداً و { مَا لَكُمْ } جواب القسم ، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله { أَقْسَمْتُمْ } ولو حكى لفظ المقسمين لقيل ما لنا { مّن زَوَالٍ } والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت والفناء ، وقيل لا تنتقلون إلى دار أخرى يعني كفرهم بالبعث ، كقوله { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } النحل 38 يقال سكن الدار وسكن فيها . ومنه قوله تعالى { وَسَكَنتُمْ فِى مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } لأنّ السكنى من السكون الذي هو اللبث ، والأصل تعدّيه بفي ، كقولك قرّ في الدار وغنى فيها وأقام فيها ، ولكنه لما نقل إلى سكون خاص تصرف فيه فقيل سكن الدار كما قيل تبوأها وأوطنها . ويجوز أن يكون سكنوا من السكون ، أي قرّوا فيها واطمأنوا طيبي النفوس ، سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد ، لا يحدّثونها بما لقي الأوّلون من أيام الله وكيف كان عاقبة ظلمهم ، فيعتبروا ويرتدعوا { وَتَبَيَّنَ لَكُمْ } بالإخبار والمشاهدة { كَيْفَ } أهلكناهم وانتقمنا منهم . وقرىء « ونبين لكم » ، بالنون { وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأمْثَالَ } أي صفات ما فعلوا وما فعل بهم ، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ } أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم { وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ } لا يخلو إمّا أن يكون مضافاً إلى الفاعل كالأوّل ، على معنى ومكتوب عند الله مكرهم ، فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه ، أو يكون مضافاً إلى المفعول على معنى { وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ } الذي يمكرهم به ، وهو عذابهم الذي يستحقونه يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } وإن عظم مكرهم وتبالغ في الشدة ، فضرب زوال الجبال منه مثلاً لتفاقمه وشدته ، أي وإن كان مكرهم مسوى لإزالة الجبال ، معداً لذلك ، وقد جعلت إن نافية واللام مؤكدة لها ، كقوله تعالى { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ } البقرة 143 والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم ، على أنّ الجبال مثل لآيات الله وشرائعه ، لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتاً وتمكناً . وتنصره قراءة ابن مسعود « وما كان مكرهم » . وقرىء « لتزول » ، بلام الابتداء ، على { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ } من الشدّة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع من أماكنها . وقرأ علي وعمر رضي الله عنهما « وإن كاد مكرهم » { مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } يعني قوله { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } غافر 51 ، { كَتَبَ ٱللَّهُ لاَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } المجادلة 21 ، فإن قلت هلا قيل مخلف رسله وعده ؟ ولم قدم المعفول الثاني على الأول ؟ قلت قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً ، كقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } آل عمران 9 ثم قال { رُسُلَهُ } ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً - وليس من شأنه إخلاف المواعيد - كيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته ؟ وقرىء « مخلف وعدَه رسلهِ » ، بحرّ الرسل ونصب الوعد . وهذه في الضعف كمن قرأ { قَتْلَ أَوْلَـٰدِهِمْ شُرَكَائِهِمْ } الأنعام 137 . { ٱلْعَزِيزِ } غالب لا يماكر { ذُو ٱنتِقَامٍ } لأوليائه من أعدائه .