Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 255-255)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلْحَىُّ } الباقي الذي لا سبيل عليه للفناء ، وهو على اصطلاح المتكلمين الذي يصح أن يعلم ويقدر . و { ٱلْقَيُّومُ } الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه . وقريء « القيام » ، « والقيم » والسنة ما يتقدّم النوم من الفتور الذي يسمي النعاس . قال ابن الرقاع العاملي @ وَسْنَانُ أقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ فِي عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَيْسَ بِنَائِمِ @@ أي لا يأخذه نعاس ولا نوم وهو تأكيد للقيوم لأنّ من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوماً . ومنه حديث موسى . 144 أنه سأل الملائكة وكان ذلك من قومه كطلب الرؤية أينام ربنا ؟ فأوحى الله إليهم أن يوقظوه ثلاثاً ولا يتركوه ينام ، ثم قال خذ بيدك قارورتين مملوءتين . فأخذهما ، وألقى الله عليه النعاس فضرب إحداهما على الأخرى فانكسرتا ، ثم أوحى إليه قل لهؤلاء إني أمسك السموات والأرض بقدرتي ، فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا . { مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ } بيان لملكوته وكبريائه . وأن أحداً لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام ، كقوله تعالى { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } النبأ 38 { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } ما كان قبلهم وما يكون بعدهم . والضمير لما في السموات والأرض لأنّ فيهم العقلاء ، أو لما دل عليه { مَّن ذَا } من الملائكة والأنبياء { مّنْ عِلْمِهِ } من معلوماته { إِلاَّ بِمَا شَاءَ } إلا بما علم . الكرسي ما يجلس عليه ، ولا يفضل عن مقعد القاعد . وفي قوله { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ } أربعة أوجه أحدها أنّ كرسيه لم يضق عن السموات والأرض لبسطته وسعته ، وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط ، ولا كرسي ثمة ولا قعود ، ولا قاعد ، كقوله { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلاْرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَـٰوٰتُ مَطْوِيَّـٰتٌ بِيَمِينِهِ } الزمر 67 من غير تصوّر قبضة وطيّ ويمين ، وإنما هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسيّ . ألا ترى إلى قوله { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } والثاني وسع علمه وسمي العلم كرسياً تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم . والثالث وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك . والرابع ما روي أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السموات والأرض ، وهو إلى العرش كأصغر شيء . وعن الحسن الكرسي هو العرش { وَلاَ يَؤُودُهُ } ولا يثقله ولا يشق عليه { حِفْظُهُمَا } حفظ السموات والأرض { وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ } الشأن { ٱلْعَظِيمِ } الملك والقدرة . فإن قلت كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف ؟ قلت ما منها جملة إلا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه والبيان متحد بالمبين ، فلو توسط بينهما عاطف لكان كما تقول العرب بين العصا ولحائها ، فالأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه . والثانية لكونه مالكاً لما يدبره . والثالثة لكبرياء شأنه . والرابعة لإحاطته بأحوال الخلق ، وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة ، وغير المرتضى . والخامسة لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها ، أو لجلاله وعظم قدره . فإن قلت لم فضلت هذه الآية حتى ورد في فضلها ما ورد منه قوله صلى الله عليه وسلم 145 " ما قرئت هذه الآية في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوماً ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة ، يا عليّ علمها ولدك وأهلك وجيرانك ، فما نزلت آية أعظم منها " وعن عليّ رضي الله عنه سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم على أعواد المنبر وهو يقول 146 " من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، ولا يواظب عليها إلا صدّيق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه أمّنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله " وتذاكر الصحابة رضوان الله عليهم أفضل ما في القرآن ، فقال لهم عليّ رضي الله عنه . 147 أين أنتم عن آية الكرسي ، ثم قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عليّ ، سيد البشر آدم ، وسيد العرب محمد ولا فخر ، وسيد الفرس سلمان ، وسيد الروم صهيب ، وسيد الحبشة بلال ، وسيد الجبال الطور ، وسيد الأيام يوم الجمعة ، وسيد الكلام القرآن ، وسيد القرآن البقرة ، وسيد البقرة آية الكرسي " قلت لما فضلت له سورة الإخلاص لاشتمالها على توحيد الله وتعظيمه وتمجيده وصفاته العظمى ، ولا مذكور أعظم من رب العزة فما كان ذكراً له كان أفضل من سائر الأذكار . وبهذا يعلم أنّ أشرف العلوم وأعلاها منزلة عند الله علم أهل العدل والتوحيد ولا يغرّنك عنه كثرة أعدائه