Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 282-283)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِذَا تَدَايَنتُم } إذا داين بعضكم بعضاً . يقال داينت الرجل عاملته { بِدَيْنٍ } معطياً أو آخذاً كما تقول بايعته إذا بعته أو باعك . قال رؤبة @ دَايَنْتُ أرْوَى والدُّيُونُ تُقْضَى فَمَطَلَتْ بَعْضاً وَأَدَّتْ بَعْضَا @@ والمعنى إذا تعاملتم بدين مؤجل فاكتبوه . فإن قلت هلا قيل إذا تداينتم إلى أجل مسمى وأي حاجة إلى ذكر « الدين » كما قال داينت أروى ، ولم يقل بدين ؟ قلت ذكر ليرجع الضمير إليه في قوله { فَٱكْتُبُوهُ } إذ لو لم يذكر لوجب أن يقال فاكتبوا الدين ، فلم يكن النظم بذلك الحسن . ولأنه أبين بتنويع الدين إلى مؤجل وحالّ . فإن قلت ما فائدة قوله { مُّسَمًّى } قلت ليعلم أن من حق الأجل أن يكون معلوماً كالتوقيت بالسنة والأشهر والأيام ، ولو قال إلى الحصاد ، أو الدياس ، أو رجوع الحاج ، لم يجز لعدم التسمية . وإنما أمر بكتبة الدين ، لأنّ ذلك أوثق وآمن من النسيان وأبعد من الجحود ، والأمر للندب . وعن ابن عباس أن المراد به السلم ، وقال لما حرم الله الرّبا أباح السلف . وعنه أشهد أن الله أباح السلم المضمون إلى أجل معلوم في كتابه وأنزل فيه أطول آية . { بِٱلْعَدْلِ } متعلق بكاتب صفة له ، أي كاتب مأمون على ما يكتب ، يكتب بالسوية والاحتياط . لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص . وفيه أن يكون الكاتب فقيها عالماً بالشروط حتى يجيء مكتوبه معدلاً بالشرع . وهو أمر للمتداينين بتخير الكاتب ، وأن لا يستكتبوا إلا فقيهاً دينا { وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ } ولا يمتنع أحد من الكتاب وهو معنى تنكير كاتب { أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ } مثل ما علمه الله كتابة الوثائق لا يبدل ولا يغير . وقيل هو قوله تعالى { وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } القصص 77 أي ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها . وعن الشعبي هي فرض كفاية ، وكما علمه الله يجوز أن يتعلق بأن يكتب ، وبقوله فليكتب . فإن قلت أي فرق بين الوجهين ؟ قلت إن علقته بأن يكتب فقد نهى عن الامتناع من الكتابة المقيدة ، ثم قيل له { فَلْيَكْتُبْ } يعني فليكتب تلك الكتابة لا يعدل عنها للتوكيد ، وإن علقته بقوله فليكتب فقد نهى عن الامتناع من الكتابة على سبيل الإطلاق ، ثم أمر بها مقيدة { وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِى عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ } ولا يكن المملي إلا من وجب عليه الحق ، لأنه هو المشهود على ثباته في ذمته وإقراره به . والإملاء والإملال لغتان قد نطق بهما القرآن { فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ } الفرقان 5 . { وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ } من الحق { شَيْئاً } والبخس النقص . وقرىء « شياً » ، بطرح الهمزة « وشياً » ، بالتشديد { سَفِيهًا } محجوراً عليه لتبذيره وجهله بالتصرف { أَوْ ضَعِيفًا } صبياً أو شيخاً مختلاً { أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ } أو غير مستطيع للإملاء بنفسه لعيّ به أو خرس { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ } الذي يلي أمره من وصيّ إن كان سفيهاً أو صبياً ، أو وكيل إن كان غير مستطيع ، أو ترجمان يمل عنه وهو يصدقه . وقوله تعالى { أَن يُمِلَّ هُوَ } فيه أنه غير مستطيع بنفسه ولكن بغيره ، وهو الذي يترجم عنه { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ } واطلبوا أن يشهد لكم شهيدان على الدّين { مّن رّجَالِكُمْ } من رجال المؤمنين . والحرية والبلوغ شرط مع الإسلام عند عامة العلماء . وعن علي رضي الله عنه لا تجوز شهادة العبد في شيء . وعند شريح وابن سيرين وعثمان البتيّ أنها جائزة ، ويجوز عند أبي حنيفة شهادة الكفار بعضهم على بعض على اختلاف الملل . { فَإِن لَّمْ يَكُونَا } فإن لم يكن الشهيدان { رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ } فليشهد رجل وامرأتان ، وشهادة النساء مع الرجال مقبولة عند أبي حنيفة فيما عدا الحدود والقصاص { مِمَّن تَرْضَوْنَ } ممن تعرفون عدالتهم { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا } أن لا تهتدي إحداهما للشهادة بأن تنساها ، من ضل الطريق إذا لم يهتد له . وانتصابه على أنه مفعول له أي إرادة أن تضل . فإن قلت كيف يكون ضلالها مراداً لله تعالى ؟ قلت لما كان الضلال سبباً للإذكار ، والإذكار مسبباً عنه ، وهم ينزلون كل واحد من السبب والمسبب منزلة الآخر لالتباسهما واتصالهما ، كانت إرادة الضلال المسبب عنه الإذكار إرادة للإذكار ، فكأنه قيل إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت . ونظيره قولهم أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه ، وأعددت السلاح أن يجيء عدوٌّ فأدفعه . وقرىء « فتذكر » بالتخفيف والتشديد ، وهما لغتان . و « فتذاكر » . وقرأ حمزة « إن تضل إحداهما » على الشرط . فتذكر بالرفع والتشديد ، كقوله { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } المائدة 95 وقرىء « أن تُضَّلَ إحداهما » على البناء للمفعول والتأنيث . ومن بدع التفاسير فتذكر ، فتجعل إحداهما الأخرى ذكرا ، يعني أنهما إذا اجتمعتا كانتا بمنزلة الذكر { إِذَا مَا دُعُواْ } ليقيموا الشهادة . وقيل ليستشهدوا . وقيل لهم شهداء قبل التحمل ، تنزيلاً لما يشارف منزلة الكائن . وعن قتادة كان الرجل يطوف في الحواء العظيم فيه القوم فلا يتبعه منهم أحد ، فنزلت . كني بالسأم عن الكسل ، لأنّ الكسل صفة المنافق . ومن الحديث 153 " لا يقول المؤمن كسلت " ويجوز أن يراد من كثرت مدايناته فاحتاج أن يكتب لكل دين صغير أو كبير كتاباً ، فربما مل كثرة الكتب . والضمير في { تَكْتُبُوهُ } للدين أو الحق { صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا } على أي حال كان الحق من صغر أو كبر . ويجوز أن يكون الضمير للكتاب وأن يكتبوه مختصراً أو مشبعاً لا يخلوا بكتابته { إِلَى أَجَلِهِ } إلى وقته الذي اتفق الغريمان على تسميته { ذٰلِكُمْ } إشارة إلى أن تكتبوه ، لأنه في معنى المصدر ، أي ذلكم الكتب { أَقْسَطُ } أعدل من القسط { وَأَقْوَمُ لِلشَّهَـٰدَةِ } وأعون على إقامة الشهادة { وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ } وأقرب من انتفاء الريب . فإن قلت مِمَّ بني أفعلا التفضيل ، أعني أقسط ، وأقوم ؟ قلت يجوز على مذهب سيبويه أن يكونا مبنيين من أقسط وأقام ، وأن يكون أقسط من قاسط على طريقة النسب بمعنى ذي قسط ، وأقوم من قويم . وقرىء « ولا يسأموا أن يكتبوه » بالياء فيهما . فإن قلت ما معنى { تِجَـٰرَةً حَاضِرَةً } وسواء أكانت المبايعة بدين أوبعين فالتجارة حاضرة ؟ وما معنى إدارتها بينهم ؟ قلت أريد بالتجارة ما يتجر فيه من الأبدال . ومعنى إدارتها بينهم تعاطيهم إياها يداً بيد . والمعنى إلا أن تتبايعوا بيعاً ناجزاً يداً بيد فلا بأس أن لا تكتبوه ، لأنه لا يتوهم فيه ما يتوهم في التداين . وقرىء تجارةُ حاضرةُ بالرفع على كان التامّة . وقيل هي الناقصة على أنّ الاسم تجارة حاضرة والخبر تديرونها وبالنصب على إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة كبيت الكتاب . @ بَنِي أسَدٍ هَلْ تَعْلَمُونَ بلاَءَنَا إذَا كَانَ يَوْماً ذَا كَوَاكِبَ أَشْنَعَا @@ أي إذا كان اليوم يوماً { وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } أمر بالإشهاد على التبايع مطلقاً ، ناجزاً أو كالئا لأنه أحوط وأبعد مما عسى يقع من الاختلاف . ويجوز أن يراد وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع يعني التجارة الحاضرة ، على أن الإشهاد كاف فيه دون الكتابة . وعن الحسن إن شاء أشهد وإن شاء لم يشهد . وعن الضحاك هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل { وَلاَ يُضَآرَّ } يحتمل البناء للفاعل والمفعول . والدليل عليه قراءة عمر رضي الله عنه « ولا يضارر » ، بالإظهار والكسر . وقراءة ابن عباس رضي الله عنه « ولا يضارر » ، بالإظهار والفتح . والمعنى نهي الكاتب والشهيد عن ترك الإجابة إلى ما يطلب منهما . وعن التحريف والزيادة والنقصان ، أو النهي عن الضرار بهما بأن يعجلا عن مهم ، ويلزا ، أو لا يعطي الكاتب حقه من الجعل ، أو يحمل الشهيد مؤنة مجيئه من بلد وقرأ الحسن « ولا يضار » ، بالكسر { وَإِن تَفْعَلُواْ } وإن تضارّوا { فَإِنَّهُ } فإنّ الضرار { فُسُوقٌ بِكُمْ } وقيل وإن تفعلوا شيئاً مما نهيتم عنه { عَلَىٰ سَفَرٍ } مسافرين . وقرأ ابن عباس وأبيّ رضي الله عنهما « كتاباً » . وقال ابن عباس أرأيت إن وجدت الكاتب ولم تجد الصحيفة والدواة . وقرأ أبو العالية « كتبا » . وقرأ الحسن « كتاباً » ، جمع كاتب { فَرِهَـٰنٌ } فالذي يستوثق به رهن . وقرىء « فرهن » بضم الهاء وسكونها ، وهو جمع رهن ، كسقف وسقف . و « فرهان » . فإن قلت لم شرط السفر في الارتهان ولا يختص به سفر دون حضر وقد 154 رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه في غير سفر . قلت ليس الغرض تجويز الارتهان في السفر خاصة ، ولكن السفر لما كان مظنة لإعواز الكتب والإشهاد ، أمر على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال من كان على سفر ، بأن يقيم التوثق بالارتهان مقام التوثق بالكتب والإشهاد . وعن مجاهد والضحاك أنهما لم يجوّزاه إلا في حال السفر أخذاً بظاهر الآية ، وأما القبض فلا بدّ من اعتباره . وعند مالك يصح الارتهان بالإيجاب والقبول بدون القبض { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا } فإن أمن بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به . وقرأ أبيّ « فإن أومن » أي آمنه الناس ووصفوا المديون بالأمانة والوفاء والاستغناء عن الارتهان من مثله { فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِى ٱؤْتُمِنَ أَمَـٰنَتَهُ } حث المديون على أن يكون عند ظن الدائن به وأمنه منه وائتمانه له ، وأن يؤدّي إليه الحق الذي ائتمنه عليه فلم يرتهن منه . وسمي الدين أمانة وهو مضمون لائتمانه عليه بترك الارتهان منه . والقراءة أن تنطق بهمزة ساكنة بعد الذال أو ياء ، فتقول الذي اؤتمن ، أو الذي تمن . وعن عاصم أنه قرأ « الذي اتمن » ، بإدغام الياء في التاء ، قياساً على اتسر في الافتعال من اليسر ، وليس بصحيح . لأنّ الياء منقلبة عن الهمزة ، فهي في حكم الهمزة و « اتزر » عاميٌّ ، وكذلك ريا في رؤيا { ءَاثِمٌ } خبر إن . و { قَلْبِهِ } رفع بآثم على الفاعلية ، كأنه قيل فإنه يأثم قلبه . ويجوز أن يرتفع قلبه بالابتداء . وآثم خبر مقدّم ، والجملة خبر إن . فإن قلت هلا اقتصر على قوله { فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ } ؟ وما فائدة ذكر القلب ـــ والجملة هي الآثمة لا القلب وحده ـــ ؟ قلت كتمان الشهادة هو أن يضمرها ولا يتكلم بها ، فلما كان إثماً مقترفاً بالقلب أسند إليه ، لأنّ إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ . ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني ومما سمعته أذني ، ومما عرفه قلبي ، ولأنّ القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله ، فكأنه قيل فقد تمكن الإثم في أصل نفسه ، وملك أشرف مكان فيه . ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط ، وليعلم أنّ القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه ، واللسان ترجمان عنه . ولأنّ أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح وهي لها كالأصول التي تتشعب منها . ألا ترى أنّ أصل الحسنات والسيآت الإيمان والكفر ، وهما من أفعال القلوب ، فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب . وعن ابن عباس رضي الله عنهما أكبر الكبائر الإشراك بالله لقوله تعالى { فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ } المائدة 72 وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة . وقرىء « قلبه » ، بالنصب ، كقوله { سَفِهَ نَفْسَهُ } البقرة 130 وقرأ ابن أبي عبلة « أثم قلبه » ، أي جعله إثماً .