Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 17-18)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يحشرهم . فيقول كلاهما بالنون والياء ، وقرىء « يحشرهم » ، بكسر الشين ، { وَمَا يَعْبُدُونَ } يريد المعبودين من الملائكة والمسيح وعزير . وعن الكلبي الأصنام ينطقها الله . ويجوز أن يكون عاماً لهم جميعاً . فإن قلت كيف صحّ استعمال { مَاْ } في العقلاء ؟ قلت هو موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم ، بدليل قولك - إذا رأيت شبحاً من بعيد - ما هو ؟ فإذا قيل لك إنسان ، قلت حينئذٍ من هو ؟ ويدلك قولهم « من » لما يعقل . أو أريد به الوصف ، كأنه قيل ومعبوديهم ، ألا تراك تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد ؟ ما زيد تعني أطويل أم قصير ؟ أفقيه أم طبيب ؟ فإن قلت ما فائدة أنتم وهم ؟ وهلا قيل أضللتم عبادي هؤلاء ، أم هم ضلّوا السبيل ؟ قلت ليس السؤال عن الفعل ووجوده ، لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب ، وإنما هو عن متوليه ، فلا بدّ من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام ، حتى يعلم أنه المسؤول عنه ، فإن قلت فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسؤول عنه ، فما فائدة هذا السؤال ؟ قلت فائدته أن يجيبوا بما أجابوا به ، حتى يبكت عبدتهم بتكذيبهم إياهم ، فيبهتوا وينخذلوا وتزيد حسرتهم ، ويكون ذلك نوعاً مما يلحقهم من غضب الله وعذابه ، ويغتبط المؤمنون ويفرحوا بحالهم ونجاتهم من فضيحة أولئك ، وليكون حكاية ذلك في القرآن لطفاً للمكلفين . وفيه كسر بيّن لقول من يزعم أن الله يضلّ عباده على الحقيقة ، حيث يقول للمعبودين من دونه أأنتم أضللتموهم ، أم هم ضلوا بإنفسهم ؟ فيتبرؤون من إضلالهم ويستعيذون به أن يكونوا مضلين ، ويقولون بل أنت تفضلت من غير سابقة على هؤلاء وآبائهم تفضل جواد كريم ، فجعلوا النعمة التي حقها أن تكون سبب الشكر ، سبب الكفر ونسيان الذكر ، وكان ذلك سبب هلاكهم ، فإذا برأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منه ، فهم لربهم الغنيّ العدل أشدّ تبرئة وتنزيهاً منه ، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها . وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة ، فشرحوا الإضلال المجازي الذي أسنده الله تعالى إلى ذاته في قوله { يُضِلُّ مَن يَشَاء } الرعد 27 ، النحل 93 ، فاطر 8 ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا بل أنت أضللتهم . والمعنى أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق ؟ أم هم ضلوا عنه بأنفسهم ؟ وضل مطاوع « أضله » وكان القياس ضلّ عن السبيل ، إلاّ أنهم تركوا الجار كما تركوه في هذه الطريق . والأصل إلى الطريق وللطريق . وقولهم أضلَّ البعير ، في معنى جعله ضالاً ، أي ضائعاً ، لما كان أكثر ذلك بتفريط من صاحبه وقلة احتياط في حفظه ، قيل أضله ، سواء كان منه فعل أو لم يكن { سُبْحَـٰنَكَ } تعجب منهم ، قد تعجبوا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون ، فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه . أو نطقوا بسبحانك ليدلوا على أنهم المسبحون المتقدّسون الموسومون بذلك . فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده ؟ أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد ، وأن يكون له نبيّ أو ملك أو غيرهما ندّاً ، ثم قالوا ما كان يصحّ لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحداً دونك ، فكيف يصحّ لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك . أو ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما تولاهم الكفار . قال الله تعالى { فَقَـٰتِلُواْ أَوْلِيَاء ٱلشَّيْطَـٰنِ } النساء 76 يريد الكفرة وقال { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ } البقرة 257 وقرأ أبو جعفر المدني نتخذ ، على البناء للمفعول . وهذا الفعل أعني « اتخذ » يتعدى إلى مفعول واحد ، كقولك اتخذ ولياً وإلى مفعولين كقولك اتخذ فلاناً ولياً . قال الله تعالى { أَمِ ٱتَّخَذُواْ الِهَةً مّنَ ٱلأَرْضِ } الأنبياء 1 وقال { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } النساء 125 فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو { مِنْ أَوْلِيَاءَ } والأصل أن نتخذ أولياء ، فزيدت { مِن } لتأكيد معنى النفي ، والثانية من المتعدي إلى مفعولين . فالأول ما بني له الفعل . والثاني { مِنْ أَوْلِيَاءَ } . ومن للتبعيض ، أي لا نتخذ بعض أولياء . وتنكير { أَوْلِيَاءَ } من حيث أنهم أولياء مخصوصون وهم الجنّ والأصنام . والذكر ذكر الله والإيمان به ، أو القرآن والشرائع . والبور الهلاك . يوصف به الواحد والجمع ويجوز أن يكون جمع بائر ، كعائذ وعوذ .