Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 198-207)

Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الأعجم الذي لا يفصح وفي لسانه عجمة واستعجام . والأعجمي مثله . إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة تأكيد . وقرأ الحسن الأعجميين . ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه ، قالوا له أعجم وأعجمي ، شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين ، وقالوا لكل ذي صوت من البهائم والطيور وغيرها أعجم ، قال حميد @ وَلاَ عَرَبِيًّا شَاقَهُ صوت أَعْجَمَا @@ { سَلَكْنَاهُ } أدخلناه ومكناه . والمعنى إنا أنزلنا هذا القرآن على رجل عربي بلسان عربي مبين ، فسمعوا به وفهموه وعرفوا فصاحته وأنه معجز لا يعارض بكلام مثله ، وانضم إلى ذلك اتفاق علماء أهل الكتب المنزلة قبله على أن البشارة بإنزاله وتحلية المنزل عليه وصفته في كتبهم ، وقد تضمنت معانيه وقصصه ، وصحّ بذلك أنها من عند الله وليست بأساطير كما زعموا ، فلم يؤمنوا به وجحدوه ، وسموه شعراً تارة ، وسحراً أخرى ، وقالوا هو من تلفيق محمد وافترائه { وَلَوْ نَزَّلْنَـٰهُ عَلَىٰ بَعْضِ } الأعاجم الذي لا يحسن العربية ، فضلاً أن يقدر على نظم مثله { فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم } هكذا فصيحاً معجزاً متحدّي به ، لكفروا به كما كفروا ، ولتمحلوا لجحودهم عذراً ، ولسموه سحراً ، ثم قال { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ } أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم ، وهكذا مكناه وقررّناه فيها ، وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه فيها ، فكيفما فعل بهم وصنع وعلى أي وجه دبر أمرهم ، فلا سبيل أن يتغيروا عما هم عليه من جحوده وإنكاره ، كما قال { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } الأنعام 7 فإن قلت كيف أسند السلك بصفة التكذيب إلى ذاته ؟ قلت أراد به الدلالة على تمكنه مكذباً في قلوبهم أشدّ التمكن ، وأثبته فجعله بمنزلة أمر قد جبلوا عليه وفطروا . ألا ترى إلى قولهم هو مجبول على الشح ، يريدون تمكن الشحّ فيه لأنّ الأمور الخلقية أثبت من العارضة ، والدليل عليه أنه أسند ترك الإيمان به إليهم على عقبه ، وهو قوله { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } . فإن قلت ما موقع { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } من قوله { سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } ؟ قلت موقعه منه موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثباته مكذباً مجحوداً في قلوبهم ، فأتبع ما يقرّر هذا المعنى من أنهم لا يزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد . ويجوز أن يكون حالاً ، أي سلكناه فيها غير مؤمن به . وقرأ الحسن « فتأتيهم » ، بالتاء يعني الساعة . وبغتة ، بالتحريك . وفي حرف أبيّ « ويروه بغتة » . فإن قلت ما معنى التعقيب في قوله { فيأتيهم بغتة … فَيَقُولُواْ } ؟ قلت ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة فيه في الوجود ، وإنما المعنى ترتبها في الشدّة ، كأنه قيل لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم للعذاب فما هو أشدّ منها وهو لحوقه بهم مفاجأة ، فما هو أشدّ منه وهو سؤالهم النظرة . ومثال ذلك أن تقول لمن تعظه إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله ، فإنك لا تقصد بهذا الترتيب أنّ مقت الله يوجد عقيب مقت الصالحين ، وإنما قصدك إلى ترتيب شدّة الأمر على المسيء ، وأنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين ، فما هو أشدّ من مقتهم وهو مقت الله ، وترى ثمّ يقع هذا الأسلوب فيحل موقعه { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } تبكيت لهم بإنكار وتهكم ، ومعناه كيف يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه من جنس ما هو فيه اليوم من النظرة والإمهال طرفة عين فلا يجاب إليها . ويحتمل أن يكون هذا حكاية توبيخ يوبخون به عند استنظارهم يومئذ ، و { يَسْتَعْجِلُونَ } على هذا الوجه حكاية حال ماضية . ووجه آخر متصل بما بعده ، وذلك أنّ استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم ، وأنهم ممتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن ، فقال تعالى أفبعذابنا يستعجلون أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل ، ثم قال هب أنّ الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم ، فإذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذٍ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم . وعن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له عظني ، فلم يزده على تلاوة هذه الآية . فقال ميمون لقد وعظت فأبلغت . وقرىء « يمتعون » ، بالتخفيف .