Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 38-38)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
روى أنه لما أمر ببناء الصرح ، جمع هامان العمال حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء ، وأمر بطبخ الآجر والجص ونجر الخشب وضرب المسامير ، فشيدوه حتى بلغ ما لم يبلغه بنيان أحد من الخلق ، فكان الباني لا يقدر أن يقف على رأسه يبني ، فبعث الله تعالى جبريل عليه السلام عند غروب الشمس ، فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع وقعت قطعة على عسكر فرعون فقتلت ألف ألف رجل ، ووقعت قطعة في البحر وقطعة في المغرب ، ولم يبق أحد من عماله إلا قد هلك . ويروى في هذه القصة أنّ فرعون ارتقى فوقه فرمى بنشابة نحو السماء ، فأراد الله أن يفتنهم فردّت إليه وهي ملطوخة بالدم فقال قد قتلت إلٰه موسى ، فعندها بعث الله جبريل عليه السلام لهدمه ، والله أعلم بصحته . قصد بنفي علمه بإله غيره نفي وجوده ، معناه { مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِى } الأعراف 59 كما قال الله تعالى { قُلْ أَتُنَبّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَلاَ فِى ٱلاْرْضِ } يونس 18 معناه بما ليس فيهن ، وذلك لأنّ العلم تابع للمعلوم لا يتعلق به إلا على ما هو عليه ، فإذا كان الشيء معدوماً لم يتعلق به موجود ، فمن ثمة كان انتفاء العلم بوجوده لا انتفاء وجوده . وعبر عن انتفاء وجوده بانتفاء العلم بوجوده . ويجوز أن يكون على ظاهره ، وأنّ إلٰهاً غيره غير معلوم عنده ، ولكنه مظنون بدليل قوله { وَإِنّى لاظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } ، وإذا ظنّ موسى عليه السلام كاذباً في إثباته إلهاً غيره ولم يعلمه كاذباً ، فقد ظنّ أن في الوجود إلهاً غيره ، ولو لم يكن المخذول ظاناً ظناً كاليقين ، بل عالماً بصحة قول موسى عليه السلام لقول موسى له { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَصَائِرَ } الإسراء 102 لما تكلف ذلك البنيان العظيم ، ولما تعب في بنائه ما تعب ، لعله يطلع بزعمه إلى إله موسى عليه السلام ، وإن كان جاهلاً مفرط الجهل به وبصفاته ، حيث حسب أنه في مكان كما كان هو في مكان ، وأنه يطلع إليه كما كان يطلع إليه إذا قعد في عليته ، وأنه ملك السماء كما أنه ملك الأرض . ولا ترى بينة أثبت شهادة على إفراط جهله وغباوته وجهل ملئه وغباوتهم من أنهم راموا نيل أسباب السموات بصرح يبنونه ، وليت شعري أكان يلبس على أهل بلاده ويضحك من عقولهم ، حيث صادفهم أغبى الناس وأخلاهم من الفطن وأشبههم بالبهائم بذلك ؟ أم كان في نفسه بتلك الصفة ؟ وإن صحّ ما حكى من رجوع النشابة إليه ملطوخة بالدم ، فتهكم به بالفعل ، كما جاء التهكم بالقول في غير موضع من كتاب الله بنظرائه من الكفرة . ويجوز أن يفسر الظن على القول الأوّل باليقين ، كقوله @ فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلفِيْ مُدَجَّجِ @@ ويكون بناء الصرح مناقضة لما ادعاه من العلم واليقين ، وقد خفيت على قومه لغباوتهم وبلههم . أولم تخف عليهم ، ولكن كلا كان يخاف على نفسه سوطه ، وسيفه ، وإنما قال { فَأَوْقِدْ لِى يٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطّينِ } ولم يقل اطبخ لي الآجر واتخذه ، لأنه أوّل من عمل الآجر ، فهو يعلمه الصنعة ، ولأن هذه العبارة أحسن طباقاً لفصاحة القرآن وعلوّ طبقته وأشبه بكلام الجبابرة . وأمر هامان وهو وزيره ورديفه بالإيقاد على الطين منادى باسمه بيا في وسط الكلام . دليل التعظيم والتجبر . وعن عمر رضي الله عنه أنه حين سافر إلى الشام ورأى القصور المشيدة بالآجر فقال ما علمت أن أحداً بنى بالآجر غير فرعون . والطلوع والإطلاع الصعود . يقال طلع الجبل وأطلع بمعنى .