Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 19-22)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فإن قلت فما تصنع بقوله { قُلْ سِيرُواْ فِى ٱلاْرْضِ } ؟ قلت هي حكاية كلام حكاه إبراهيم عليه السلام لقومه ، كما يحكي رسولنا صلى الله عليه وسلم كلام الله على هذا المنهاج في أكثر القرآن فإن قلت فإذا كانت خطاباً لقريش فما وجه توسطهما بين طرفي قصة إبراهيم والجملة ؟ أو الجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه ؟ ألا تراك لا تقول مكة ـــ وزيد أبوه قائم ـــ خير بلاد الله ؟ قلت إيراد قصة إبراهيم ليس إلا إرادة للتنفيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن تكون مسلاة له ومتفرجا بأنّ أباه إبراهيم خليل الله كان ممنوّا بنحو مامني به من شرك قومه وعبادتهم الأوثان ، فاعترض بقوله وإن تكذبوا ، على معنى إنكم يا معشر قريش إن تكذبوا محمداً فقد كذب إبراهيم قومه وكل أمة نبيها لأن قوله { فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مّن قَبْلِكُمْ } لا بد من تناوله لأمّه إبراهيم ، وهو كما ترى اعتراض واقع متصل ، ثم سائر الآيات الواطئة عقبها من أذيالها وتوابعها ، لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله ، وهدم الشرك وتوهين قواعده ، وصفة قدرة الله وسلطانه ، ووضوح حجته وبرهانه قرىء { يَرَوْاْ } بالياء والتاء . ويبدىء ويبدأ . وقوله { ثُمَّ يُعِيدُهُ } ليس بمعطوف على يبدىء ، وليست الرؤية واقعة عليه ، وإنما هو إخبار على حياله بالإعادة بعد الموت ، كما وقع النظر في قوله تعالى { فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىء ٱلنَّشْأَةَ ٱلأَخِرَةَ } على البدء دون الإنشاء ، ونحوه قولك ما زلت أوثر فلاناً وأستخلفه على من أخلفه ، فإن قلت هو معطوف بحرف العطف ، فلا بد له من معطوف عليه ، فما هو ؟ قلت هو جملة قوله { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىءُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ } وكذلك وأستخلفه ، معطوف على جملة قوله ما زلت أوثر فلاناً ذلك يرجع إلى ما يرجع إليه هو في قوله { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } الروم 27 من معنى يعيد . دل بقوله { ٱلنَّشْأَةَ ٱلاْخِرَةَ } على أنهما نشأتان ، وأن كل واحدة منهما إنشاء ، أي ابتداء واختراع ، وإخراج من العدم إلى الوجود ، لا تفاوت بينهما إلا أن الآخر إنشاء بعد إنشاء مثله ، والأولى ليست كذلك . وقرىء « النشأة » و « النشاءة » كالرأفة والرآفة ، فإن قلت ما معنى الإفصاح باسمه مع إيقاعه مبتدأ في قوله { ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأَخِرَةَ } بعد إضماره في قوله كيف بدأ الخلق ؟ وكان القياس أن يقال كيف بدأ الله الخلق ثم ينشىء النشأة الآخرة ؟ قلت الكلام معهم كان واقعاً في الإعادة ، وفيها كانت تصطك الركب ، فلما قرّرهم في الإبداء بأنه من الله ، احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء ، فإذا كان الله الذي لا يعجزه شيء هو الذي لم يعجزه الإبداء ، فهو الذي وجب أن لا تعجزه الإعادة ، فكأنه قال ثم ذاك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشىء النشأة الآخرة ، فللدلالة والتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ { يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } تعذيبه { وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ } رحمته ، ومتعلق المشيئتين مفسر مبين في مواضع من القرآن وهو من يستوجبهما من الكافر والفاسق إذا لم يتوبا ، ومن المعصوم والتائب { تُقْلَبُونَ } تردون وترجعون { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } ربكم أي لا تفوتونه إن هربتم من حكمه وقضائه { فِى ٱلاْرْضِ } الفسيحة { وَلاَ فِى ٱلسَّمَاءِ } التي هي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها ، كقوله تعالى { إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَـٰرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ فَٱنفُذُواْ } الرحمٰن 33 ، وقيل ولا من في السماء كما قال حسان رضي الله عنه @ أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُم وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ @@ ويحتمل أن يراد لا تعجزونه كيفما هبطتم في مهاوي الأرض وأعماقها ، أو علوتم في البروج والقلاع الذاهبة في السماء ، كقوله تعالى { وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ } النساء 78 أو لا تعجزون أمره الجاري في السماء والأرض أن يجري عليكم ، فيصيبكم ببلاء يظهر من الأرض أو ينزل من السماء ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير .