Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 104-104)
Tafsir: al-Kaššāf ʿan ḥaqāʾiq ġawāmiḍ at-tanzīl wa-ʿuyūn al-aqāwīl fī wuǧūh at-taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلْتَكُن مِـّنْكُمْ أُمَّةٌ } « من » للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات ، ولأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والمنكر ، وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشر ، فإن الجاهل ربما نهى عن معروف وأمر بمنكر ، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر ، وقد يغلظ في موضع اللين ، ويلين في موضع الغلظة ، وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تمادياً ، أو على مَن الإنكار عليه عبث ، كالإنكار على أصحاب المآصر والجلادين وأضرابهم . وقيل « من » للتبيين ، بمعنى وكونوا أمّة تأمرون ، كقوله تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ } آل عمران 110 . { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } هم الأخصاء بالفلاح دون غيرهم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل وهو على المنبر 197 " من خير الناس ؟ قال آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر . وأتقاهم لله وأوصلهم " وعنه عليه الصلاة والسلام 198 " من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه ، وخليفة رسوله ، وخليفة كتابه " وعن علي رضي الله عنه 199 أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومن … شنىء الفاسقين وغضب لله ، غضب الله له . وعن حذيفة يأتي على الناس زمان تكون فيهم جيفة الحمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، وعن سفيان الثوري إذا كان الرجل محبباً في جيرانه محموداً عند إخوانه فاعلم أنه مداهن . والأمر بالمعروف تابع للمأمور به ، إن كان واجباً فواجب ، وإن كان ندباً فندب . وأما النهي عن المنكر فواجب كله ، لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتصافه بالقبح . فإن قلت ما طريق الوجوب ؟ قلت قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبي علي السمع والعقل ، وعند أبي هاشم السمع وحده . فإن قلت ما شرائط النهي ؟ قلت أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح ، لأنه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن ، وأن لا يكون ما ينهي عنه واقعاً ، لأن الواقع ، لا يحسن النهي عنه ، وإنما يحسن الذم عليه والنهي عن أمثاله ، وأن لا يغلب على ظنه أن المنهي يزيد في منكراته ، وأن لا يغلب على ظنه أن نهيه لا يؤثر لأنه عبث . فإن قلت فما شروط الوجوب ؟ قلت أن يغلب على ظنه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب قد تهيأ لشرب الخمر بإعداد آلاته ، وأن لا يغلب على ظنه أنه إن أنكر لحقته مضرة عظيمة . فإن قلت كيف يباشر الإنكار ؟ قلت يبتدىء بالسهل ، فإن لم ينفع ترقى إلى الصعب ، لأنّ الغرض كف المنكر . قال الله تعالى { فأصلحوا بينهما } ثم قال { فَقَٰتِلُوۤاْ } النساء 76 ، فإن قلت فمن يباشره ؟ قلت كل مسلم تمكن منه واختص بشرائطه ، وقد أجمعوا أن من رأى غيره تاركاً للصلاة وجب عليه الإنكار ، لأنه معلوم قبحه لكل أحد . وأما الإنكار الذي بالقتال ، فالإمام وخلفاؤه أولى لأنهم أعلم بالسياسة ومعهم عدتها . فإن قلت فمن يُؤمر ويُنهى ؟ قلت كل مكلف ، وغير المكلف إذا همَّ بضرر غيره مُنع ، كالصبيان والمجانين ، وينهى الصبيان عن المحرمات حتى لا يتعوّدوها ، كما يؤخذون بالصلاة ليمرنوا عليها . فإن قلت هل يجب على مرتكب المنكر أن ينهى عما يرتكبه قلت نعم يجب عليه ، لأن ترك ارتكابه وإنكاره واجبان عليه ، فبتركه أحد الواجبين لا يسقط عنه الواجب الآخر . وعن السلف مروا بالخير وإن لم تفعلوا . وعن الحسن أنه سمع مطرّف بن عبد الله يقول لا أقول ما لا أفعل ، فقال وأينّا يفعل ما يقول ودّ الشيطان لو ظفر بهذه منكم فلا يأمر أحد بمعروف ولا ينهى عن منكر . فإن قلت كيف قيل { يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } ؟ قلت الدعاء إلى الخير عامّ في التكاليف من الأفعال والتروك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص ، فجيء بالعام ثم عطف عليه الخاص إيذاناً بفضله ، كقوله { وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ } البقرة 238 .